لم تتبدل التوازنات داخل البرلمان نتيجة لفوز حزب العمال بأربعة مقاعد من اصل خمسة غير ان هذه النتائج ستؤدي حتماً الى طرح تساؤلات على عمل حكومة الإئتلاف عامة وعلى مصير رئيس الوزراء مالكولم تيرنبل الذي اثبت خلال الانتخابات العامة الماضية انه غير قادر على كسب تأييد الناخبين، كما اظهرت الانتخابات الفرعية خلال نهاية الاسبوع انه عجز حتى اليوم عن تحسين شعبيته، رغم التحسن البطيء في ادائه كرئيس للوزراء.
فاحتفاظ حزب العمال بمقعدي لوغمان وبرادون الى جانب فريمانتل وبيرث ازال الشكوك حول زعامة بيل شورتن للمعارضة وقضت هذه النتائج على آمال وطموح انطوني ألبانيزي الذي ابدى رغبته بقيادة حزب العمال نظراً لعدم شعبية تيرنبل.
وكان الرهان يتمحور حول احتمال خسارة العمال في الانتخابات المقبلة (2019) في حال خسر الحزب مقعد لونغمان . فجاء الجواب مغايراً لهذه المقولة واحتفظ الحزب بالمقعد المذكور الذي كان ينوب عنه نائب عمالي.
وتطرح نتائج الانتخابات الفرعية تساؤلات عميقة حول مصير حزب الاحرار الوطني وحول مستقبل تيرنبل في الحكم. بسبب المقاعد ذات الهوامش الضيقة بالنسبة للفروقات الضئيلة بين حزب العمال والإئتلاف. فسلبيات هذه النتائج تؤشر الى ان النتائج في كوينزلاند لن تكون لصالح الإئتلاف او تيرنبل، خاصة ان حزب العمال هو الحاكم اليوم في ولاية كوينزلاند، وان شعبية الاحزاب الصغيرة، مثل «أمة واحدة» والحافظين ترتفع بالمقارنة مع نسبة التأييد للحزبين الرئيسيين.
ورغم ان الفروقات في نتائج الانتخابات الفرعية لم تكن شاسعة، لكن النتائج النهائية ستعتبر الضربة القاضية على ادعاءات تيرنبل انه قادر على تحسين شعبيته من خلال تطوير آدائه في الحكم. فالتخفيضات الضريبية على ذوي الدخل المتدني والمتوسط يبدو انها لم تنعكس ايجابياً في صناديق الاقتراع.
فماذا يبقى في جعبة تيرنبل ليقدمة للناخبين ولاقناع الاصوات المعارضة داخل الإئتلاف ؟ يبدو ان خيارات تيرنبل اصبحت محدودة. وسوف يقتنع نواب الإئتلاف ان التمسك بترنبل هو بمثابة الانتحار السياسي، لأن المناخ الشعبي في البلاد يبدو وكأنه غير مقنع بمصداقية رئيس الوزراء المنقلب على الزعيم الذي اختاره الشعب، اي طوني آبوت، والمتقلب في مواقفه نظراً لغياب الرؤية السياسية الواضحة، وللشروط الصارمة التي يفرضها المحافظون داخل الإئتلاف.
وقد يواجه تيرنبل انتكاسة جديدة اضافية بسبب مشاركته في اعداد وثيقة دولية صادرة عن الأمم المتحدة تطالب الدول الغربية الثرية، ومن ضمنها استراليا، بقبول المهاجرين وعدم رفض طلباتهم، مما يسمح للأمم المتحدة ان تقرّر عدد المهاجرين واللاجئين ومصدرهم، وعلى الدول الموقعة على الوثيقة الالتزام بهذه التوصيات. انها اتفاقية جديدة كاتفاقية باريس للمناخ، والتي رفض طوني آبوت التوقيع عليها، لكن تيرنبل وقع وسدّد المليارات المتوجبة على استراليا، حفاظاً على موقعه في الحكم وارضاءً للقوى الدولية.
ورغم تصريح وزير الشؤون الداخلية بيتر داتون ان استراليا لن توقع على هذه الاتفاقية، يرى محللون ان رئيس الوزراء تيرنبل هو على مسافة خطوات معدودة من التوقيع عليها. وهذا ما يعتبره عامة المواطنين انه تخل فاضح عن السيادة ومنح «بطاقة بيضاء» لقوة خارجية تقرر سياسة البلاد.
وفي حال وقّع تيرنبل على هذه الاتفاقية ستكون النتائج كارثيثة على الحكومة والإئتلاف في الانتخابات القادمة.
فقد خيّب تيرنبل آمال اغلبية الشعب الاسترالي في الاستطلاع البريدي على زواج المثليين، وخيّب آمالهم في عدم ضمان الحريات الدينية، وصدمهم عندما تخلى عن سياسة انتاج الطاقة الكهرباية بواسطة الفحم الحجري، واستراليا هي غنية به، وقد يخيّب آمالهم بالتوقيع على اتفاقية الهجرة كما فعل في اتفاقية باريس.
حيال هذا الواقع يطرح امران وراء الكواليس، اما استبدال تيرنبل او اعتماد رؤية سياسية واضحة ومقنعة. وبين الاحتمالين يطرح مجدداً اسم رئيس الوزراء السابق طوني آبوت كزعيم بديل لتيرنبل الذي عجز عن تجاوز الخطوط العريضة التي وضعتها حكومة آبوت سابقاً. وفشل في اجتراح سياسة خاصة به تعبر عن هويته السياسية الحقيقية ورؤيته المستقبلية للبلاد.
فتيرنبل رغم مضي 3 سنوات على وجوده في الحكم اتخذ منحاً سياسياً يخلو من المواجهة ويفتقر الى الوضوح والصراحة والشفافية. فالحنكة السياسية وحدها لا تصنع زعيماً مقتدراً يثق به المواطنون بل المواقف السياسية الواضحة والتي تتلاءم مع طموحات المواطنين وتطلعاتهم.