> ملبورن من جوني عبو

يدرك المثقف المسرحي الفلسطيني عامر حليحل ان قضية شعبه لا تموت، الا انه يدرك ايضا خلل التوازن في ميزان القوى والقوة حيث لا يعود الحق الى اصحابه دون محامي شاطر يعرف ادوات العالم الجديد وقوة ترتكزالى قوى لها مصالح مع اصحاب الحق والقضية … هكذا بأختصار يمكن استثمار القوى الناعمة لصالح القضية والشعب الذي انهكته السنوات العجاف والتي ارهقت اجيالا ولا تزال …

ويرى عامر الذي يلبي دعوة رسمية الى استراليا لتقديم عمله المسرحي في ملبورن عن الشاعر والكاتب الشهير طه محمد علي ابن منطقة صفورية في الناصرة الفلسطينية ان العمل المسرحي موندراما تلخص قصة شعب من خلال تجربة الشاعرطه لانه أرشف حياة هذه المنطقة وشعبها من خلال اعماله الشعرية وكتاباته التي ترجمت الى العديد من اللغات العالمية وهو يصنف كواحد من اهم شعراء القرن العشرين …

ويستضيف مركز ملبورن للفنون مسرحية «طه» في الفترة ما بين 10 الى 14 تموز يوليو 2018 كواحدة من الاعمال العالمية التي تطل من خلال نافذة يسميها عامر فتحة العولمة لتعريف العالم بقضية مركبة وشعب جرحه النازف انتشر في كل الاتجاهات لكن العالم لم يكن جاهزا ليتعرف الى معاناة الشعب الفسطيني ما لم تلعب مؤثرات المعرفة الحديثة دورها في كسر حواجز مصالح تلك القوى والقوة التي سعت لتغيير الديمغرافيا.

ويجتهد عامر كمسرحيا مثقفا في الاداء سيما انه الكاتب الذي «عجنها وخبزها» ليقدم رؤيته النابعة من خصوصية التجربة الى عمومية الحالة والتغلغل الى منافذ الرأي العام حيث يتم صناعة التحول وتشكيل القناعات التي تتحول بدورها الى سلوك بشري فاعل.

ويؤكد عامر الشاب الممتليء حيوية وشجاعة خلال مقابلته مع التلغراف ان المخاض صعب لكن الطريق لها نهاية يوما ما، لذلك القضية تتعثر لكن لا تموت ابدا طالما هناك الشعب الذي يحيا ويتذكر، وكأننا نقول ان العالم يكبر وينسى وشعبنا يكبر ويتذكر .

وكانت مسرحية «طه» عرضت في كل من بريطانيا ولوكسمبورغ وسنغفورة واميركا وكندا واستراليا وقبل ذلك في الداخل الفلسطيني وبلدان عربية عدة، وحازت جائزة مهرجان أدنبره المسرحي عن آسيا، الأمر الذي اعطاها بعدا عالميا لانها ايضا ترجمت الى اللغة الانكليزية من قبل أمير نزار زعبي واخرج نسختها الانكليزية، أما يوسف

ابو وردة فقد اخرج نسختها العربية وكتب موسيقاها حبيب شحادة حنا…

ويقول الممثل المسرحي والكاتب الفلسطيني المؤمن ان قضية شعبه تصل الى العالم انسانيا من خلال «طه» بعيدا عن السياسة التي شرذمت الجميع ما ادخل القضية في نفق من العتمة والاحباط وحولها الى صيغة تفاوض سياسية فقط، بعد ان كانت السياسة جزء منها لانها قبل ذلك قضية انسانية لها بعدها العالمي.

ويحرض الممثل حليحل الذي يزور استراليا للمرة الثانية مع اعماله جيل الشباب الى عدم الركون الى تلك الزوايا المظلمة فالكلمة واللحن والاداء والطرق للوصول الى الناس كثيرة ومتوفرة علينا فقط ان نكون أداة تعريف فكري وتوعوي ونستثمر ما توفره لنا المعرفة المعولمة من نوافذ وابواب كي لا نبقى سجناء الماضي …

ويشرح حليحل مكانة « طه « الشاعر والكاتب والانسان الذي كتب كثيرا ولم ينل حقه الا قبل مماته بفترة قصيرة مع انه قامة ادبية مثل محمود درويش وسميح القاسم وغيرهم من الاسماء الكبيرة ،هذا الفلسطيني تهجر من ارضه وبيته واستطاع ان يعود متسللا الى قريته ويحيا هناك من جديد بغض النظر عن السلطات الحاكمة بفعل الأمر الواقع ،فقد عاش الرجل حياة بسيطة ولم يكن يتوقع ان يصبح شاعرا مشهورا كان ككل فلسطيني مسكون بهاجس العوز المالي والاجتماعي والحياتي والحميمي العاطفي وباقي التفاصيل التي تشكل اللوحة الكاملة في مسيرة الحياة، فقصته طه وعلاقته بصفورية تختزل قصة فلسطين فيما اعتقد وهي ايضا على سبيل المثال تشبه قصة جدي وربما تشبه قصة اهالي اقربائي واصدقائي وهكذا حلقة من مجموع الحلقات العامة التي هي قضية شعب هنا يجب ان نتذكر ان السيدة عدينا هوفمان كتبت قصة طه في كتاب من 600 صفحة وتركت بذلك اثرا بالغ الاهمية على رفوف المكتبات تستلهم منه الاجيال ذاكرة وتجارب

وتأتي مسرحية «طه» الى ملبورن في العقد الثاني للألفية الثالثة، في الزمن الذي اصبح  فيه للعالم العربي قضايا عدة، خطفت الابصار من «قضيتهم المركزية» وصار الهاجس لدى الغالبية هم «اعداء الداخل» اللذين تمترسوا خلف سدنات هياكل السلطة والفساد واضعين لأنفسهم واجهات من الحق يراد بها باطلا لاستدامة البقاء في كراسي الحكم واستجهال الناس بأن التغيير يحدث في الحكومات لا في الحكم طالما قرار الخارج لا يتطلب تغييرا في الداخل وهكذا تدور الدوائر الشكلية كي تكتمل مونودراما الواقع.

ويكشف الممثل المتحمس لاعماله وفكره ان بيل غيتس، الاشهر من ان يعرف ، نقش على باب منزله ابياتا من شعر طه محمد علي يقول فيها.

هكذا استغرقت 60 سنة كاملة حتى أدركت ان الماء ألذ الأشربة وان الخبز من الأطعمة أشهاها وان لا قيمة حقيقية لأي فن الا اذا أدخل البهجة الى قلب الانسان.

وبحسب حليحل دوما الذي يقول ان النجاح الفردي مهم لكنه لا شيء امام النجاح الجماعي الذي يوصل القضية الى كل الناس كي يساندوها،هذه كانت بالضبط ذات

مرة مشاعري وانا امشي فوق السجادة الحمراء عندما كانوا يتوازعون جوائز الأوسكار العالمية ،لذلك اقول ان مسؤوليتنا ان نضع قضيتنا على خارطة العالم الذي يجب ان نذهب اليه نحن،لا ان ننتظره ان يأتينا، فقضايا العالم تشغله، كثيرة ومتنوعة، اما الحلم الفلسطيني فما  زال موجودا وسيبقى مؤثرا… كما «طه» .

عامر حليحل في سطور – سيرة مهنية مختصرة

ممثل، كاتب ومخرج فلسطيني يسكن في حيفا. كتب ومثّل في عدة أعمال مسرحية منها «قناديل ملك الجليل» من كتابته المسرحية عن رواية ابراهيم نصرالله، «المشخصاتي» تأليفه بمشاركة علاء حليحل وفراس خطيب «غربنا البحر» تأليف واخراج أمير نزار زعبي، ألف ومثّل مونودراما «طه» بصيغتيها العربية والانجليزية(عن سيرة الشاعر طه محمد علي) الحاصلة على جائزة أفضل عمل آسيوي في مهرجان ادنبرا 2017، مثّل أيضاً «ماعز» في مسرح الرويال كورت في انجلترا، «خادم السيدين» في دور تروفالدينو، «العذراء والموت» في دور د. روبيرتو ميراندا، مسرحية وليام شكسبير «العاصفة» في دور كاليبان على خشبة مسرح «فرقة شكسبير الملكي RSC ، (انجلترا)»، «إذ قال يوسف» في دور يوسف، «مستوطنة العقاب» في دور الجندي، «دياب» في دور دياب (حائزة جائزة أفضل ممثل في مهرجان مسرحيد 2005)، «جلجامش لم يمت» في دور أنكيدو وغيرها من المسرحيات. كما ظهر في عدة أفلام منها: «أمور شخصية»، «يا طير الطاير»، «الزمن الباقي»، «أمريكا»، «بدون موبايل» و «الجنة الآن» (الحاصل على جائزة الغولدن غلوب). أيضاً، أخرج وأعدّ العديد من الأعمال منها: «القصة وما فيها»، «خبر عاجل»، البحث عن الحلم»، «شكراً»، «صلاة» (فيديو)، «التغريبة»، «مصيفين» و «حب في غيمة».