بقلم كمال براكس
يُسمع ويُقال الانكليز في كل مكان، الانكليز وراء كل قصة الانكليز وافقوا، الانكليز رفضوا، حيث طار في اكثر اصقاع الأرض منذ مئات السنين، في بعض الدول، صار الناس يدخلون الانكليز في كل خلاف عائلي بين رجل وامرأته وبين اخ واخيه، وفي كل ترشيح لانتخابات وفي فوز هذا المرشح او سقوط ذاك.
معظم رؤساء الجمهورية في العالم، وخصوصاً العالم العربي، اتى بهم الانكليز، ملوك اختفوا بسبب تدخل الانكليز، وعروش قامت على ايدي الانكليز، الانكليز في كل هذه الاساطير والقصص والحكايات، من قتل وتنكيل وذبح واستيلاء وسطو، كل هذه الوقائع المؤلمة وراءها الاستخبارات البريطانية، كل الغرائب والعجائب معقولة، كل الحسنات والسيئات معقولة، كل شيء في النظرة الى الاستخبارات البريطانية مرتبط بالزاوية التي يتطلّع منها الانسان.
النائب الذي اوصله الانكليز الى المجلس، يأكل ويشكر ثم يسبَّح باسم الله ويحمد التاج في لندن. المرشح الفاشل يلعن الانكليز كل صباح ومساء. من هو النائب جائز ان يكون من منطقة لبنانية، او من منطقة اصفهان في ايران ومن منطقة دياربكر في تركيا، او من منطقة كالكوتا في الهند، او من منطقة ايلوايلو في الفلبين، او من منطقة مونتريال في كندا، او من منطقة سدني في استراليا «كل شيء عن الانكليز جائز القضية موضع اتهام حتى تثبت البراءة.
اغرب ما في الاستخابرات البريطانية التي تدوخ العالم، ان شعب الانكليز العادي قلّما يسمع بها او يعرف بوجودها . ليس لها في لندن، مكان يُشار اليه على انه مركزها يمر الانكليز في الشارع امام ميناها، فيظن ان المبنى يباع شققاً او ان الشقق فيه للإيجار ببدلات باهظة هي اعلى بكثير من معاشه. اقدم استخبارات منذ عصر النهضة، هي الاستخبارات البريطانية. اسسها عام 1573 السر فرنسيس والشينغهام امين سر الدول والمستشار الخاص للملكة اليزابيت، وكان عدد افراد المؤسسة آنذاك 540 شخصاً.
اول عمل قام به السر فرنسيس هو مصادرة رسائل مهربة الى «ماري ستيوارت» في براميل البيرة، والنتيجة معروفة سلفاً «اليزابيت قتلت ماري ومدّدت رجليها على العرش. وثاني عمل قام به السر فرنسيس، هو ارسال طلاب جامعتي كامبريدج واوكسفورد الى سفارات التاج البريطاني لدى ملوك اوروبا. وعام 1587 كانت كل المعلومات عنالاسطول الاسباني العظيم قد اصبحت لدى الاميرالية البريطانية.
الاستخبارات البريطانية عدة اجناس. الجنس الاول تسمى «ام اي 600» وهذه الاستخبارات الخارجية، وتابعة لوزارة الخارجية، وهي ما يعرفه العلم تحت اسم الاستخبارات البريطانية. مهمتها العمل خارج بريطانيا لجمع المعلومات وتنفيذ مخططات السياسة البريطانية. ليس للاستخبارات البريطانية مكان واحد في لندن، لها مكتب قرب وزارة الخارجية يصل اليه المرء، عبر ممّرت وزواريب لا تخطر على بال . مبناها قديم يظنه المرء مستودعاً للألبسة. تابعاً لأحد المحلات التجارية الكبرى، ولها مكتب آخر في ناطحة السحاب على مقربة من مبنى مجلس العموم، يمرّ المرأ امامه كل يوم ويظنه انه مبنى سكني ذو شقق غالية للإيجار، ولها مكتب ثالث خارج لندن، اذا مرّ من امامه الوزير او النائب او التاجر او الموظف او الفلاّح يظنه مستودعا ًللخشب او الفحم الحجري او خردة الحديد. موظفو الاسخبارات البريطانية مهمتهم جمع المعلومات في جميع دول العالم ليس في طبيعتهم توقيف اشخاص، او تقديمهم الى المحاكمة او اي شيء من هذا. المهمة محصورة في التجسّس. وواضح ان السفارات البريطانية في عواصم العالم هي مراكز للاستخبارات البريطانية. لأن الاستخبارات نفسها جزء من وزارة الخارجية.
ما دامت وزارة الخارجية بموظفيها وسفاراتها، هي رئيسة الاستخبارات فمعنى ذلك ان موظفي الخارجية، يمكن الاستعانة بهم للإستخبارات، ولو ان مرتباتهم محسوبة على وزارة الخارجية . لهذا فإن موازنة الاستخبارات في حدّ ذاتها، لا تزيد على ما يعادل 20 مليار دولار سنوياً. وعدد الافراد، بعضهم يقول انهم خمسة وعشرون الفاً والبعض الآخر يقول انهم خمسون الفاً. طبعاً هذاالرقم لا يشمل العملاء. هؤلاء ربما كانوا بمئات الآلاف لأن الاستخبارات، عرفت كيف تكسبهم بطريقة فريدة: «اكسابهم المنافع بدلاً من اعطائهم المال» «النائب العميل ينال سمسرة على مناقصة، والوزير العميل ينال التزاما»ً.
علىاعتبار ان شؤون المستعمرات، او الدول الواقعة تحت الوصاية اوالحماية هي من شؤون البيت. انها تابعة لوزارة الداخلية مباشرة، وتهتم بالسلامة الداخلية، وبمقاومة التحسّس الذي يجري فوق اراضي بريطانيا و»مستعمراتها محمياتها»، ومع ذلك ليس لها حق في توقيف اي شخص «مكتب السلامة» هو الذي كان على علاقة مباشرة بملاحقة قضية وزير الدولة في وزارة الحربية «جون بروفيومو وكريستين كلير والملحق البحري السوفياتي ايفانوف» الذي كان يسعى وراء بعض الاسرار الذرية والذي وصفته كريستين بـ «العمل العظيم».
المؤسسة الثالثة هي المديرية العامة للاستخبارات، انها مؤسسة علنية وتابعة لوزارة الدفاع، ومهتمة بالاستخبارات العسكرية الصرفة للقوات البرية والجوية والبحرية. هذه الموسسة يرئسها في العادة ، عسكري برتبة جنرال، وهي بالاضافة الى الاعمال الروتينية داخل الثكنات، وفي المصانع الحربية، مسؤولة عن عملين اضافيين: الاول هو الاستخبارات العلمية والتقنية، والآخر هو الاستخبارات الاقتصادية، بمعنى اشمل: هذه المؤسسة مسؤولةعن المختبرات لمجموعة الاستخبارات.
المؤسسة الرابعة هي «سكوتلاند يارد» التي لا علاقة لها البتة بالاستخبارات الخارجية او الداخلية المتعلقة بأمن الدولة، بل بالامور القضائية والجزائية، انها بمعنى اوضح، شرطة سرية تعمل داخل بريطانيا فقط ( وفي بعض الحالات في المستعمرات (والمحميات) سكوتلاند يارد هي التي تتولى عمليات الاعتقال داخل بريطانيا باسم القانون، وذلك بناء على طلب من الاستخباراتالتي لا يحق لها القبض علىاحد. وفي مؤسسة سكوتلاند يارد مكتب خاص للتعاون والتنسيق مع الاستخبارات الداخلية والخارجية.
والقائد الاعلى لكل ما هو استخارات في بريطانيا هو رئيس الحكومة لكن رئيس الحكومة قلما يتعاطى الأمر مباشرة بل عن طريق امين سر خاص في رئاسة الوزراء لشؤون الاستخبارات.
تبلغ النفقات الاجمالية للاستخبارات البريطانية بجميع فروعها زهاء مليار دولار سنوياً . هذه القلة في النفقات لها تفسيرات كثيرة، بريطانيا لا تعمل كالولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على تطوير الصواريخ البالستية الحاملة الصواريخ النووية والذرية، والاقمار الاصطناعية الخاصة بالتجسس في الاجواء العليا. انما اقمار بريطانيا ليست اصطناعية في الاجواء العليا، بل بشرية، فيالبيوت، والمقاهي، والسينمات، والدوائر الحكومية المدنية والعسكرية، وفي المستشفيات والمكتبات والجامعات والصحف والاذاعات
يتبع