بقلم  / هاني الترك O A M

بالطبع من المحبّذ جداً إيجاد أرضيّة تفاهم بين المسيحيين والمسلمين ولكن الترويج في الحملات الإعلامية والتلفزيونية للجماعة الإسلامية My Peace بأن المسيح ليس إلهاً يمسّ الاعتقاد الأساسي في المسيحية بأن المسيح ليس هو إله ويقوّض جوهر المسيحية في الصميم.

إن المسيح ليس نبياً كما يظن البعض إنما هو الله الظاهر في الجسد.. فمنذ سقوط الإنسان من جنة عدن وارتكابه المعصيات التي تلازمه عبر التاريخ جاء الأنبياء قبل المسيح ومعهم الشرائع الدنيوية للتصحيح.

لكن لم يكفّ الإنسان عن ارتكاب الشرور والخطايا.. من هنا جاء دور المسيح كوسيط بين الله والإنسان. وعلى هيئة إنسان محتجباً على شكل جسد.

ويقبل هذا الجسد نفس الحكم الصادر عن الإنسان.. أي الفداء عن طريق الصلب كان هو الضرورة لخلاص البشرية من أمراضها.. فجاء المسيح الطبيب الحقيقي وهو على حدّ قوله «لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى» فمع المسيح اتحدت الطبيعة الإنسانية بالذات الإلهية.. وحينما حلّ المسيح في أحشاء البتول مريم وأخذ منها الجسد ووُلد مثل سائر البشر حدثت الوحدة الكاملة التامة بين اللاهوت والناسوت في المسيح.. صحيح يوجد في الإيمان المسيحي ثلاثة أقانيم هي الآب والابن والروح القدس إلا أنها واحدة في الجوهر.. وبذلك فإن روح الديانة المسيحية هو الإيمان بالتوحيد مع أنها تبدو بالظاهر بالانتماء إلى مذهب التثليث.. فإن الاتحاد بين الذات الإلهية والطبيعة الإنسانية هو أهم إعلان لله عن محبته الفائقة للإنسان حيث ارتضى أن يتّحد بالعنصر الإنساني بكل ما فيه من جسد ونفس.. فإن رؤية الله المجرد هي مستحيلة ومن ثم فقد تجسّد اللاهوت في هيئة المسيح الإنسان الذي هو صورة الله غير المنظور.

إن الناظر للمسيح لا يرى فيه إلّا إنساناً مع أنه في أفعاله وتعاليمه كشف عن نفسه وصفاته أنه ابن الله الحي.. وهذه الحقيقة الأزلية للمسيح بدون الاعتقاد بها لا يمكن أن يكون الإنسان مسيحياً.. وإذا كان للمسيح بعض المواقف قد أخفى لاهوته فذلك من أجل حكمة تدبير الفداء أي الصلب على أيدي اليهود .. فالحق أن لاهوت المسيح من الممكن معرفته في نصوص كتاب العهد الجديد:

< إن المسيح نفسه سأل تلاميذه مَنْ تظنّون أني أنا؟

كانت الإجابة من بطرس الرسول «أنت المسيح ابن الله الحي».. وهنا ردّ المسيح عليه قائلاً: «طوبى لك يا سمعان بن يونا، إن لحماً ودماً لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السماوات وأنا أقول لك أيضا: أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها»

< وفي واقعة أخرى سأل تلميذ المسيح فيلبس «يا سيد أرنا الآب وكفانا».. فقال له يسوع «أنا معكم زمانًا هذه مدَتهُ ولمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: أَرِنَا الآبَ؟

أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟ الْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ.

صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ، وَإِلاَّ فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ نَفْسِهَا.»

فحينما فتح المسيح أعين الأعمى بمعجزة سأله المسيح «هل تؤمن بالله» فقال الأعمى الذي شُفي «مَنْ هو يا سيد حتى أؤمن به» فردّ المسيح: «إنه يتكلم معك».. فقال الأعمى: اؤمن يا سيد.. وسجد له.

إن الدليل على أن اللاهوت قد تجسّد في المسيح هو أن المسيح أزلي أبدي مولود من مريم العذراء غير مخلوق ومساو للآب في الجوهر. والمثال على ذلك قال المسيح لليهود: «أَبُوكُمْ إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي فَرَأَى وَفَرِحَ» فقال اليهود: «ليس لك خمسون سنة بعد افرايت ابراهيم؟» فقال لهم يسوع: «الحق الحق اقول لكم قبل ان يكون ابراهيم انا كائن»

ومفهوم الكينونة الدائمة لا يوصف بها إلا الله وحده الموجود دائماً في الماضي والحاضر والمستقبل.

وفي سفر الرؤيا يقول المسيح: «أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية»، ويقول أيضاً: «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ»

ومن الصفات الأخرى للمسيح أنه غفر الخطايا وعمل المعجزات وعرف بالخفايا والسرائر وله سلطان على الموت والحياة.. ويقول المسيح في هذا الخصوص  «لأنه كما أن الآب يقيم الأموات و يحيي، كذلك الإبن أيضا يُحيي من يشاء»

وهذه كلها صفات الألوهية.

وهناك صفة هامة للمسيح لا يشاركه فيها أحد من البشر وهو عصمته من الخطأ حيث قال متحدياً اليهود: «منْ منكم يبكتني على خطية».

ويقول التلميذ بطرس عن المسيح أنه لم يفعل خطيئة واحدة ولا يوجد في فمه غشّ.. كما يقول الرسول بولس عنه أنه القدوس بلا شرّ حيث انفصل عن جميع الخطاة وصار في أعلى السموات.. وهناك صفة أخرى للمسيح بالتساوي مع الله بالترفع عن الخطايا، وهي صفة أساسية للمسيح .. كما أن هناك صفة أخرى يتميّز بها المسيح ترفعه إلى صفة الألوهية وهي صفة الكمال.. فمن المعروف أن الكمال الإنساني هو نسبي في حين أن الكمال الإلهي مطلق.. والمسيح عاش نفسه هذا الكمال المطلق بلا رغبات ولا نزوات.. لأنه هو القداسة الإلهية التي اتبعها في سيرته .. المسيح إذاً هو الله الطاهر المنزّه عن كل الشهوات والمرفّع عن كل الرغبات الإنسانية.

إن هذه الإثباتات التاريخية والدلائل الدينية تدحض أي ادّعاء يتنكر لألوهية المسيح، فإن المسيح حقاً جاء لجميع البشر ولكن البعض لم يعرفوه.. وهو القائل: «إذا عرفتموني فقد عرفتم أبي»، فإلى الذين لا يعرفونه نذكر ما قاله على الصليب: «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون».