بقلم هاني الترك OAM
الفلسفة هي احدى تخصصاتي الاكاديمية.. لا زلت مغرماً بها جداً.. لذلك اسرّ حينما اقابل شخصاً درس الفلسفة لنتجاذب اطراف الحديث.. كما يسعدني ان ارى مقالاً في الصحف العربية والاسترالية عن الفلسفة فألتهمه بشغف ولذة.. الحقيقة ان الفلسفة هي ام العلوم.. فإذا اراد القارىء المثقف النهل من تراث الانسانية او التاريخ او الدين او العلوم الانسانية او العلوم الاجتماعية او العلوم الفيزيائية او البيولوجية او الرياضية فلا بد ان يعرج بالضرورة على الفلسفة.. ان بداية العلوم كلها تبدأ من القاعدة بالفلسفة وتنتهي عند قمة هرم المعرفة بالفلسفة.. اصبحت الفلسفة مؤخراً مقترنة بفلسفة العلم.. بعد ان يتخصص العالم في فرع من العلوم ويفلسف العلم.. مثل علم الكون الذي يبحث علمياً عن اصل الكون ويبدو بعيداً عن مجال الفلسفة الا ان الفلسفة تدخل في صميم نظرياته.. حتى اصبحت الميتافيزيقا التي هي اقدم المباحث العرفية تعتمد على العلم.. وذلك بعد تقدّم العلوم والتكنولوجيا لتصبح ميتافيزيقا العلوم.. فهناك العلوم الفلسفية التي نحتاجها في صقل عقل الإنسان وخصوصاً الجيل الصاعد من الطلبة هي علوم المنطق والاخلاق والميتافيزيقا.. فإنه من الأهمية بمكان تعلم فروع المعرفة في المدارس والجامعات.
المنطق هو مدخل الفلسفة ومعيار العلوم له علاقة بنظرية البرهان كما انه وسيلة في الاستدلال لبلوغ المعرفة.. وله علاقة وثيقة بالقضايا التحليلية بالرياضيات حيث يمكن ان ترد علوم الرياضيات في التحليل الاخير الى نظريات المنطق.. كما ان علم المنطق يؤدي الى الاستخدام الدقيق لمناهج البحث العلمي.. لذلك يمكن تعلم منطق المبادئ الاولى في المدارس الثانوية وفي الجامعات لتدريب الطالب على تطبيق اصول المنطق في اسلوب تفكيره وطرق حياته.
والثقافة العامة هامة في توسيع مدارك الطالب في النهل من تراث الثقافة العالمية فهو الكنز الذي يستمد منه الطالب المعرفة الانسانية والمعرفة الذاتية .. لذلك يجب الاهتمام بتشجيع الطلبة على القراءة لتثقيفهم.
اما علم الاخلاق فهو الحكمة العملية.. والنظرية لاقتناء الشخص للفضائل والارتفاع في اخلاقياته الى مستوي الاخلاق العلمية.. وخصوصاً مكافحة الانحلال الخلقي الحاصل في المجتمعات الحالية.. فمن الواجب تدريس الاخلاق في المدارس الثانوية حتى يكتسب الطالب المبادئ الاولي من مثل عليا وقيم روحية اخلاقية عملية لتسيير شؤون حياته وتعاونه مع اعضاء المجتمع.. كما ان هناك حاجة لتدريس علم الاخلاق في الجامعات بكل مدارسها وكل اقسامها.. فالطالب الذي يدرس الطب مثلاً عليه دراسة علم الاخلاق كمبادئ واصول هامة لممارسة مهنة الطب في الحياة العامة بعد التخرّج.
اما علم الميتافيزيقا او كما يطلق عليه ما بعد الطبيعة فهو فلسفة العلم التي تبحث في ما بعد العلم الطبيعي.. ويتكون من ثلاث مباحث يوجد وحدة الموضوع بينها وهي مبادئ المعرفة على الاطلاق والمبادئ العامة للوجود والثالث هو الألوهية على رأس الوجود.. ويمكن اختيار علم الميتافيزيقا لدراسته من قبل طلبة الثانوية العامة والجامعات الذين يميلون اليه .. إنها لذة التفكير وإيجاد معنى للحياة لأن الفكر في حد ذاته سعادة وسر عظمة الانسان.. ويجب تدريب الطالب على ممارسة التفكير والابداع والابتكار كالميتافيزيقا.
قد تبدو الفلسفة وخصوصاً الميتافيزيقا هي مجرد علوم تجريدية قد لا يفهمها ويستسيغها الطالب.. ولكن اذا ارادت الفلسفة ان تخرج من مملكتها العاجية وتخاطب عقول الطلبة فإنه من الضروري إعادة صياغتها بأسلوب سهل قريب لعقلية الطلبة.. لانه من المهم ايجاد الرغبة العقلانية لدى الطالب لفهم الفلسفة.. وخصوصاً بعد تقدم العلوم والتكنولوجيا فلا يمكن فصل الفلسفة عن الفكر العلمي والبشري.
وعلى مستوى الحياة العادية اذا اراد الشخص ان يجد معنى للحياة ويسعد بالفكر فعليه ان يتعرض للفلسفة التي تبحث عن الحقيقة.. لأن الحقيقة متواجدة في الحياة والحياة متواجدة في الحقيقة.. فإن سر الوجود يتداخل في حالة تامة في مشكلات الحياة.. وما احوج المجتمع البشري المادي اللجوء الى احضان الفلسفة والحكمة.. ولكن للأسف انحرف الانسان المعاصر في مشاغل الحياة اليومية وقذف بقضايا الفلسفة في سلة المهملات.