بقلم / هاني الترك  O A M

حينما ابحر الاسطول البريطاني من بريطانيا عام 1787 متوجهاً الى القارة الاسترالية كان على متنه 1375 سجيناً من بينهم النساء والاطفال و110 اشخاص من المستوطنين والبحارة وعائلاتهم والجنود واجهوا اثناء الرحلة قسوة البحار واهوالها ومات منهم 81 شخصاً.
رسا الاسطول على شاطئ سيدني كوف بتاريخ 26 يناير كانون الثاني عام 1788 .. رُفع العلم البريطاني على التربة الاسترالية.. وبدأوا في قص الاشجار واقامة مكان المبيت .. وأُطلق على المستوطنة نيو ساوث ويلز.. وكان قائد الاسطول كابتن آرتر فيليب الذي اصبح اول حاكم لها.
كان محكوماً على السجناء بعقوبات السجن المختلفة في بريطانيا .. وشُحنوا الى استراليا لقضاء فترة العقوبة.
كان عد السجناء الرجال اكثر بكثير من السجينات النساء .. واقيمت بعد ذلك مراكز الاستيطان حيث كانت ثاني مستوطنة هي باراماتا.. اقام النساء في منطقة باراماتا فيما كان يُعرف بـ المصنع Women Factory .
كان السجناء يعملون عند المستوطنين وفي مشاريع تعمير المستوطنة .. ويعودون بعد ذلك للمبيت في المعسكر الذي بمثابة السجن.. واذا تقاعس السجين عن العمل فإنه يُجلد ويُعاقب واذا ارتكب جريمة يُحاكم في المستوطنة.. اما المستوطنون فكانوا يختارون من السجينات خادمات او زوجات لهم ويخرجن بذلك النساء من المصنع للعيش مع المستوطنين.
كانت الحياة قاسية في سنوات بناء المستوطنة اذ كان السجناء يحاولون الفرار منها.. وبين الاعوام 1788 و1822 تمكن 60 سجيناً على الأقل من الفرار .. وكان البعض منهم يهرب للعيش مع الابوروجينيين.
واكبر عملية هروب وقعت عام 1791 في منطقة بوتاني باي قام بها عدة اشخاص بمغامرة نادرة الحدوث والنجاح يتقدمهم كاتب مذكرة تفاصيل عملية الهرب جايمس مارتين مع وليام برانت وزوجته ميري وولديهما وستة آخرون. فقد ابحروا على متن قارب مفتوح للصيد وقطعوا ثلاثة آلاف ميل في المحيطات ووصلوا الى غرب تيمور التي كانت تحت الاحتلال الهولندي.
ادعى المبحرون في القارب انهم نجوا من غرق سفينة بريطانية .. غير ان بعض البحارة البريطانيين في تيمور تعرفوا عليهم انهم هاربون من معسكر بوتاني باي.. شُحنوا بعد ذلك ثانية الى بريطانيا. واثناء رحلة العودة مات وليم براينت وطفلاه واثنان من زملائه.
كان السجناء يخاطرون بالهرب من نيو ساوث ويلز بالسفن المبحرة الى الصين او تشيلي او اليابان او حتى اميركا الجنوبية.. ولكن كان يتم القبض على بعضهم ويُعادون الى بريطانيا لمحاكمتهم ثانيةً.. او البلاد التي كانت تستعمرها بريطانيا.
والبعض من الذين يُعادون الى بريطانيا للعيش في حرية يتم القبض عليهم حينما يرتكبون جريمة ما ويقعون في قبضة القانون للمحاكمة ثم يُشحنون الى استراليا مرة اخرى لقضاء عقوبة سجن اخرى.
لذلك تمت محاكمة ميري براينت وزملائها .. غير ان محاكمتهم لفتت انتباه عامة الشعب البريطاني لشجاعتهم في المغامرة الكبرى بتحملهم قسوة الإبحار القاتلة واصبحوا يتعاطفون معهم مما ادى بالمحاكم اصدار احكام تقضي بعقوبة السجن الاصلية فقط التي بسببها تم شحنهم الى نيو ساوث ويلز.
دافع عنهم في ذلك الزمن المحامي جيمس بوسويل الذي كتب رسالة الى وزير الداخلية إيفان ناپين تقول بأن الفارين من نيو ساوث ويلز قد تحملوا عبء الابحار واذا أعيدوا الى نيو ساوث ويلز من الأرجح ان يواجهوا عقوبة الاعدام.
تلقتا براينت مع زملائها عام 1793 العفو غير المشروط من الملك جورج .. وتزوج مارتن وانجب ثلاثة اطفال وعاد تأهيل نفسه بحرفة واصبح مواطناً عادياً .. اما ميري فقد عادت الى موطنها الاصلي في ايرلندا.
وكانت تلك صفحة مطوية من تاريخ استراليا في السنوات الاولى من استيطانها .. فبعد ان كانت منفى للسجناء البريطانيين تطورت وتقدمت خلال 230 عاماً لتصبح افضل دولة في العالم.