بقلم القس / جون نمور
بعد استئصال ورم خبيث يذهب المريض إلى الطبيب للتأكّد من الشِفَاء وهكذا نحن أيضاً نفحص أنفسنا على ضوء كلمة الإنجيل للتَّاكُّد من شفائنا الروحي ونوال نعمة الحياة الأبدية بِفِدَاء المسيح. لأن الكتاب المقدس دستور حياتنا الحاضرة والأبدية. إليكَ هذه الوصفة الكتابية: جَلَدَ حافظُ السِّجن بُولس الرَّسول وسِيلا وأثقلهما بالجراح ووضعهما في المقطرة في السِّجن الداخلي: «ونحو نصف الليل كان بولس وسيلا يُصلّيان ويسبحان الله والمسجونون يسمعونهما. فحدث بغتة زلزلة عظيمة حتى تزعزعت أساسات السجن. فانفتحت في الحال الابواب كلها وانفكت قيود الجميع. ولما استيقظ حافظ السجن ورأى أبواب السجن مفتوحة استلَّ سيفه وكان مزمعا أن يقتل نفسه ظانا أن المسجونين قد هربوا [القانون الروماني يأمر بموت حافظ السجن في حالة فرار السَّجِين]. فنادى بولس بصوت عظيم قائلا لا تفعل بنفسك شيئا رَدِيَّاً لأن جميعنا ههنا. فطلب [السَّجان] ضوءاً واندفعَ الى داخلٍ وخَرَّ لبولس وسيلا وهو مرتعد. ثم أخرجهما وقال يا سيدي ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص. فقالا آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك. وكلماه وجميع من في بيته بكلمة الرب. فاخذهما في تلك الساعة من الليل وغسلهما من الجراحات واعتمد في الحال هو والذين له أجمعون. ولما أصعدهما إلى بيته قدم لهما مائدة وتهلل مع جميع بيته إذ كان قد آمن بالله. ولما صار النهار أرسل الوُلاَة الجلادين قائلين أطلق ذينك الرجلين» (أعمال25:16).
نزلَ على السَّجَّان صاعقتان: نزل على السَّجَّان صاعقة الزلزلة ثم صاعقة المحبَّة. خرجت إليهِ محبَّة عجيبة من فم ذلك القدِّيس المظلوم بولس إذ قال له: «لا تفعل بنفسك شيئا رَدِيَّاً». حين أصاب سهم المحبَّة قلبه القاسي طلبَ ضوءاً ودخلَ إليهما. بقولٍ آخر، طلب الإسترشاد بنور المسيح القائل: «أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة» (يوحنا 8). دخلَ وخرَّ لهما وسألهما يا سيدي ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص. احترمهما واستفسر عن الخلاص. أي خلاص كان يقصد؟ ألا يدل هذا على أنه كان يراقبهما ويلاحظ فرحهما في الرب رغم تعذيبهما. ورأى محبتهما وسلامهما وألفاظهما اللطيفة وردود الفعل الصَّالحة فيما كان يضربهما. على الأرجح، في تلك الليلة كان يستمع لصلاتهما يطلبان المغفرة له وللذين اشتركوا معه بتعذبيهما؛ وسمع التسبيح والترنيم الخارج ليس فقط من أفواههما بل من قلبيهما.
تبدَّلَ وفتحَ قلبه وبيته: آمَنَ السجان ودخلَ فيها الرب يسوع إلى حياتهِ. تبدَّل قلبهُ وسلوكه من تلك اللحظة وربما عانقَ جميع المسجونين وأظهر لهم الرَّأفة واللطف. خاطرَ بوظيفتهِ وحياتهِ وأخرج بولس وسيلا وأتى بهما إلى بيتهِ وغسلَ جراحاتهم واستضافهم وفَرِحَ بالرَّب وتهلل مع أهل بيته بالمسيح. هذا الرجل القاسي الذي كان يتلذَّذ بتعذيب الناس بالآتهِ الدَّمَوِيَّة تحوَّل إلى إنسان رقيق القلب يحتمل الأخطار لأجل المسيح البار. ندمَ حالاً عن الشَّر الذي فعله بهما وهذه علامة تُظهر قوة المسيح يُبدّل النفس التائبة وينقلها من سلطان الظلمة الى ملكوته السماوي. لم يحقد بُولس وسيلا على ظالمهِما وبدوره ندمَ الظالم عمَّا فعله بهما. تعلّما المغفرة والمحبة من فادينا وربنا يسوع المسيح الذي قال: «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون» (لوقا23).
أخرجَهما من السِّجن: مع انه هو الذي أخرجهما لكن فعلياً هما أخرجاه (بقوة روح المسيح ونعمته) من سجن خطاياه. فالمؤمن الذي يُنادي بخلاص المسيح يخرج الناس من الظلمة الرُّوحِيَّة وسُجُون الخطية والمقطرة التي تُقَيِّدُ حركة النفس (بمفهوم روحي). المؤمن الحقيقي يندم على شروره وبمحبَّة يجلس ويغسل جراح الذين تسبَّبَ لهم بالأذى علماً أن تحقيق هذه الخدمة ليس أمرا سهلاً لأننا كثيراً ما نصطدم بصعوبات جَمَّة، كالآتي: أوَّلاً، صعوبات داخل الكنيسة: هناك صعوبات تحدث بسبب أخوة كَذَبَة حاقدين ومدسوسين لكونهم لم يسمحوا لمسيحِ المغفرة أن يُبدِّل قلوبهم بِبَلَسَان محبَّته. لهذا يجب ألا نتجاهل قول المسيح: «ومتى وقفتم تصلّون فاغفروا إن كان لكم على أحد شيء لكي يغفر لكم أيضاً أبُوكُم الذي في السَّمَوات زلاَّتكم. وإن لم تغفروا أنتم لا يغفر أبوكم الذي في السَّموات أيضا زلاَّتكم» (مرقس 25:11). ثانياً، صعوبات خارج الكنيسة: هناك صعوبات تحدث من أشرار يطلبون الثأر ويخططون ليلاً ونهاراً لتنفيذ انتقامهم لكن مهما يكن فالمؤمن لا يُبَدِّل مواقفهُ بسببهم. بل يواظب في كل عمل صالح بِمَحَبَّة وقَدَاسَةٍ لأنه مكتوبٌ: «لا يَغْلِبَنَّكَ الشَّر بل اغلب الشَّر بالخير» (رومية 21:12). باختصار، فتحَ السَّجَّان قلبه وبيته لهما لأن المؤمن يقبل الجميع ولا سِيَّمَا أولاد الرَّب. يُطْعِمُ يريحُ يُطيِّب الخواطر المكسورة بسبب الظلم والاضطهاد. وحاول إيصال بُشْرَى خلاص المسيح لبيتهِ عَمَلاً بِقَولِ المسيح: «وتكونون لي شُهُودَاً في أُورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض»(أعمال8:1). لو بقي السَّجان على حالهِ القديم بالكلام والتَّصَرُّف الشَّرير لَشَكَكْنَا بخلاصهِ إذ قال الرب:»من ثمارهم تعرفونهم»(متى 19:7). لكنه برهنَ بالقول والعمل أنه حقاً صار خليقة جديدة في المسيح. حياتنا تعكس مصداقية إيماننا وأقل من ذلك فهو كلام باطل (2 كورنثوس 17:5).***نُصَلِّي «أيُّها الرَّب يسوع ارحمني واغفر خطاياي بِدَمِكَ واملأنِي بِرُوحِكَ وامنحني هبة الحَيَاة الأبدية لأحيا أمامك في المحبَّة والقَدَاسَة إلى الأبَدِ». وأخيراً أُهْدِي للآبِ والابنِ والرُّوح القُدُس الإلهُ الوَاحِدُ المُثَلَّث الأَقَانِيم الإكرام والسُّجُود والتَّعَبُّد الآنَ وإلى أَبَدِ الآبِدِينَ، آمين.