حذر السفير البابوي في سوريا الكاردينال ماريو زياري خلال مؤتمر عقد في روما، ان سوريا تشهد «وضعاً مأساوياً» وان مخاطر النزاع تتفاقم بعد ان تحول من نزاع محلي داخلي الى صراع اقليمي تشارك فيه خمسة من اقوى جيوش العالم. فالدول الاقليمية كاسرائيل والمملكة العربية السعودية وتركيا وايران تتدخل مباشرة في الصراع السوري .
واعرب الكاردينال زيناري عن مخاوفه ان يتحول هذا الصراع عالمياً مع دخول دول عظمى فيه، مثل الولايات المتحدة الاميركية وروسيا.
فهل دخلت المنطقة مرحلة جديدة من النزاع الدولي والصراع المباشر بين الدول العظمى؟
< المشهد الدولي
خلال الايام الماضية جرت عدة احداث وبرزت مواقف لها دلالات خاصة وارتباطاً بما يجري على الساحة السورية بشكل خاص والشرق الأوسطي بنوع عام.
في روسيا وللمرة الرابعة يجرى التجديد للرئيس بوتين اثر انتخابات عامة حصد خلالها حوالي 76 بالمئة من اصوات الناخبين و90 ٪ في بعض المناطق الروسية. فبوتين هو اليوم رئيساً لست سنوات جديدة وزعيماً دولياً دون شك وله الباع الكبرى فيما يجري في الشرق الاوسط.
وفي الصين جرى ايضاً التجديد للرئيس الصيني كزي جينبينغ الذي منحه الشعب الصيني الثقة لمدة خمس سنوات لقيادة الصين نحو المستقبل. وتبادل الرئيسين الصيني والروسي التهاني، وهما يعتبران حليفان على اكثر من صعيد، ويعتبران عاملي استقرار لبلديهما.
وخلال الاسبوع الماضي تفاقمت العلاقات بين المملكة المتحدة وروسيا، بعد ان اتهمت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي روسيا باستخدام الكلورين السام والمحظور دولياً لاغتيال الجاسوس المزدوج سيرغي سكريبال وابنته يوليا.
وهددت ماي باتخاذ اجراءات شديدة ضد روسيا في المحافل الدولية وامرت بطرد 23 موظفاً ديبلوماسياً روسياً. فجاء الرد الروسي اشد عندما امر بوتين بطرد 23 ديبلوماسياً بريطانياً وانكرت روسيا علاقتها بمحاولة الاغتيال متهمة الدول الغربية بفبركة هذه الاكاذيب وبخلق قضية اخلاقية ضد روسيا.
بالواقع، سارع عدد من الدول الغربية من مجموعة «الحلفاء» الى ادانة روسيا وتوجيه الاتهامات اليها «انها تستخدم اسلحة كيميائية محظورة دولياً». فالولايات المتحدة وفرنسا واستراليا والمانيا ودول اخرى اعربت عن دعمها للموقف البريطاني وهددت باتخاذ تدابير عقابية ضد روسيا.
وتأتي هذه الاتهامات فيما تقوم نفس المجموعة الدولية باتهام النظام السوري باستخدام اسلحة كيميائية محظورة ضد خصومه في سوريا. ويروّج في وسائل الاعلام انباء تصوّر كل من روسيا وسوريا «انهما بلدان خارجان على القانون الدولي، ويجب بالتالي معاقبتهما، نظراً لاستخدامهما اسلحة محظورة».
< اقالة تيلارسون لمعارضته توجيه ضربة لسوريا
الرئيس الاميركي ترامب الذي تعهد بحماية اسرائيل واعتبارها وطن نهائي لليهود، اعلن مؤخراً عن نقل السفارة الاميركية الى القدس كونها العاصمة التاريخية لهذه الدولة بنظره.
ويشاع ان ترامب هو مستاء من سياسة سلفه في الشرق الاوسط، مما سمح بوضع سوريا تحت الوصاية الروسية، ولم يبذل اوباما جهوده للاطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد الذي تتمسك به روسيا وتدعمه ايران ويقاتل الجميع الى جانبه مع حزب الله.
ترامب، بالتنسيق مع اسرائيل، يريد تغيير المعادلة على الساحة السورية. ويشاع انه اصطدم مع وزير خارجيته المقال ريكس تيلارسون حول توجيه ضربة الى سوريا، لذا قرر ازاحته بعد ان رفض الموافقة على هذه الخطة التي لا تخلو من المخاطر الشديدة.
وبالمقابل كشف ان روسيا ابلغت طهران ان واشنطن وتل ابيب تخططان لمعركة كبيرة بعد سقوط الغوطة بيد قوات النظام السوري.
واشارت روسيا ان الرئيس الاميركي ترامب سيخيّر ايران بين القبول بالشروط الاميركية او مواجهة هجوم عسكري اميركي مباشر عليها بعد توجيه ضربة الى سوريا.
ونشرت صحيفة «الجريدة» الكويتية، نقلاً عن مصادر مقربة من طهران، في عددها الصادر نهار السبت الماضي ان المحور المؤيد لنظام بشار الاسد والذي يضم موسكو وايران وحزب الله وميليشيات عراقية تعمل بدعم ايراني، بدأوا بالفعل يستعدون لهذه المعركة.
فالروس فتحوا جسراً جوياً ونقلوا بطاريات لأحدث الصواريخ المخصصة للدفاع الجوي الى قاعدة حميميم والى دمشق، وجرى نصب هذه المنظومات الدفاعية المتطورة.
وطلبت روسيا من ايران تأمين اكبر عدد من قواتها البرية ونقلها الى سوريا. كما طلب الى حزب الله سحب قواته المتواجدة في سوريا وتقدّر بـ 10 آلاف مقاتل، بغية توفير الحماية للجبهة الجنوبية في لبنان والتي سوف تشملها الضربة الاميركية الاسرائيلية. وجرى استبدال مقاتلين عراقيين بعد ان انهوا قتالهم ضد داعش.
وتوقعت مصادر ان تبدأ المعارك مع بداية الربيع، وان هذه الضربة كانت من احد الاسباب التي دفعت ترامب الى اقالة تيلارسون من منصبه، نظراً لمعارضته لها.
< موقف اسرائيل من سوريا؟
من الواضح ان الادارة الاسرائيلية بشقيها السياسي والعسكري، تتابع ما يجري في المحافظات السورية. واسرائيل مقتنعة ان زعزعة الداخل السوري والحؤول دون ان يحقق بشار الأسد انتصارات نهائية، تريح اسرائيل. واسرائيل تعرف كيف تتعامل مع النظام، لكنها لا تضمن حسن التعامل مع الفئات الاخرى، في حال احرزت تقدماً عسكرياً وتمكنت من اقامة دولة سنية جديدة على الاراضي السورية، رغم موافقتها على خطة اعادة تقسيم دول الشرق الاوسط برمتها. وهذا يوفر ضمانة لاستمرارية اسرائيل وتفوقها عسكرياً واقتصادياً على دول الجوار المقسمة.
الموقف الاسرائيلي يقوم بالتالي على الاعتبارات التالية:
< جغرافياً: سوريا هي بلد مجاور لاسرائيل وما يجري داخلها سيؤثر دون شك على مستقبلها .
< رسمياً : لا تزال سوريا في حالة حرب مع اسرائيل لكن احتمالات دخولها في اتفاقية سلام معها هي واردة.
< عسكرياً : تمتلك سوريا ترسانة اسلحة كبيرة بما فيها الاسلحة الصاروخية والرؤوس الحربية الكيميائية، وهي قادرة على ضرب اسرائيل في حال نشوب حرب شاملة معها.
ومع وجود قوات نظامية ايرانية وقوات سورية وحزب الله المجهّز بأسلحة صاروخية وخبرة عسكرية ميدانية. تجد اسرائيل نفسها في مواجهة قوات ضخمة تدفعها الى طلب مساعدة الولايات والقوات الحليفة لها.
< احتمالات الحرب:
ليس واضحاً ما ستكون سياسة الرئيس الروسي طوال السنوات الست القادمة بعد ان اعيد انتخابه. واصبح يمتلك مساحة زمنية ودعماً شعبياً لتنفيذ هذه السياسة.
ما هو غامض ايضاً في سيناريو الحرب هو نوع التفاهمات الروسية الاميركية حول سوريا ومصير النظام وحول قضايا اخرى على الساحة الدولية.
فروسيا لا تزال تعاني من الحصار الاقتصادي المفروض عليها، ولديها مجموعة مشاكل اخرى، اولها: المواجهة الروسية الاميركية على حدودها في اوكرانيا. وروسيا تعتبر البحر الاسود والحدود البولوندية هي تاريخياً خط احمر لأمنها القومي .
ولم تتردد مؤخراً من توسيع هذا الحظر ليشمل اوكرانيا الشرقية ايضاً التي تسعى الولايات المتحدة لضمها الى الحلف الاطلسي، كما تسعى بعض الدول الاوروبية الى قبول عضويتها في الاتحاد الاوروبي.
فالازمة الاوكرانية تعتبر دون شك عامل تفجير لحرب شاملة. اضف الى ذلك قضية كوريا الشمالية. فالنزاع معها قد يتسبّب بدخول الصين على خط المواجهة مع الولايات المتحدة وحلفائها.
لذا عمدت الادارة الاميركية الى تهدئة الاجواء، ودفعت كوريا الجنوبية الى فتح سلسلة من المفاوضات المباشرة مع كوريا الشمالية وتعهد الرئيس الاميركي مؤخراً بزيارة الزعيم الكوري كيم جون اوم واجراء مفاوضات مباشرة معه.
ويرى محللون في هذه المبادرة محاولة الادارة الاميركية تأجيل المواجهة مع كوريا الشمالية، ريثما يجري معالجة الوضع في الشرق الاوسط وتغيير المعادلة فيه والتخلص من التهديدات الايرانية في سوريا والجنوب اللبناني.
فهل دخلت سوريا وحلفائها مرحلة جديدة من الصدام المباشر بين الدول العظمى على ارضها؟ الربيع القادم يبدو حسب كل المؤشرات انه سيكون ساخناً للغاية. انه فصل جديد من الربيع العربي الذي قد يصل الى اعماق ايران…
ولبنان لن يكون منئياً عنه.