بقلم بيار سمعان

اللقاء الذي اجريته مع السيناتورة بولين هانسون هو اطول لقاء صحفي مع اي شخصية سياسية او دينية او فنية…
خلال ساعات اربع جرى تبادل الآراء في امور عديدة يمكن وصفها اولاً بجس النبض والتعارف وتحديد المواقع، تلاها اللقاء الرسمي مع مجموعة اسئلة تتناول سياسة الحزب وعلاقته الجدلية مع سائر الاحزاب والمواطنين. ولم اسرد رأي الشخص ببولين هانسون وسياسة حزب «امة واحدة» بل اكتفيت بطرح الاسئلة ونقل الاجابات عليها.
لا شك ان بولين هانسون تشكل اليوم حالة سياسية مميزة على الساحة الاسترالية، وهي تثير العديد من ردود الفعل المتناقضة.
البعض يعتبرها متطرفة ومحافظة «اكثر من اللزوم» في زمن يشهد فيه العالم حالة من الانفتاح في الذهنيات والطرحات والحدود، وهي برأيهم تريد اعادة التاريخ الى الوراء وترفض التأقلم مع التغيرات الاجتماعية. فهي بنظرهم اكثر من تقليدية ومنغلقة على ذاتها، وان سياستها تقوم على لاءات عديدة تحركها الكراهية والعنصرية والعصبية «البريطانية» المتأصلة في وجدانها السياسي.
والبعض الآخر يعتقد انها سياسية نموذجية في طروحاتها، تسعى الى استغلال الاحداث والتبدلات الاجتماعية لكسب شعبية في صفوف الفئات الانكلوساكسونية المحافظة. انها تمثل موجة مرحلية لن تدوم او تثمر بفعل تسارع الاحداث والتركيبة السياسية للنظام في استراليا وتحكّم حزبي العمال والإئتلاف على القرار السياسي المتناغم مع السياسة الدولية والذي يراعي مشاعر المكونات الاجتماعية المتنوعة في الاعراق والثقافات والعقائد الدينية، لأن استراليا التي تعترف بالتعددية الثقافية يصعب عليها التراجع عن هذه الفلسفة السياسية التي اصبحت محوراً اساسياً في سياسة البلاد. لذا يعتقد هؤلاء ان ظاهرة بولين هانسون هي مجرد «غيمة صيف» عابرة ستتبخّر مع تبدّل الفصول.
اما القسم الثالث من الاستراليين بدأوا يتماهون بمبادئها ويتقبلون طروحاتها ويتمسكون بسياستها. ويبدو ان هذه الفئة من الناخبين تشهد ارتفاعاً ملحوظاً، وقد بدا ذلك من خلال نسبة التأييد في الانتخابات الفيدرالية اذ تمكّن حزب «امة واحدة» من ايصال ثلاثة اعضاء الى  مجلس الشيوخ الى جانب هانسون، كما حصد الحزب 3 مقاعد في المجلس التشريعي في انتخابات غرب استراليا، بالرغم من ان تسجيل الحزب في هذه الولاية جرى قبل بضعة اشهر من الانتخابات. تفسر بولين هانسون هذا الدعم الشعبي خارج ولاية كوينزلاند التي تمثلها في البرلمان انه يعود الى عدة اسباب .
فحزب «امة واحدة» بنظرها اصبح صوت الأكثرية الصامتة. ويعبر عن حالة شعبية.
وبدأ الناخبون يدركون ان برنامج الحزب يعكس قلقهم ومشاعر الخوف لديهم، وان بولين هانسون اثبتت للمجتمع الاسترالي انها صاحبة رؤية سياسية وبرنامج عملي واضح، ولديها القدرة على الاستمرارية والجرأة على قول الحقيقة كما تراها صائبة. وهي بالتالي لا تعدل مواقفها بسبب مصالحها الخاصة. هذه الامور منحتها المزيد من الشعبية التي تزداد يوماً بعد يوم.
وتعتقد بولين هانسون بالمقابل ان الاحزاب الكبرى انحرفت كثيراً عن اهدافها القومية. فحزب الاحرار هو في حالة من الضيعان بعد ان ابتعد عن سياسته التقليدية المحافظة، وحزب العمال الذي يفتقر لقيادات لافتة تتميز بالرؤية والالتزام العملي بمصالح الناس، عاد مجدداً ليصبح اسير نقابات العمال، وهو على استعداد للتغاضي عن اولوية المصالح الاسترالية القومية للحفاظ على السلطة او الوصول اليها.
وتعتقد بولين هانسون ان كلا الحزبين يفتقران لرؤية سياسية واضحة تضع «استراليا اولاً» في طليعة البرامج السياسية لديها. لذا انحدرت المصالح الوطنية من موقعها الاصيل، وبدأ المواطنون يفقدون الثقة  بالاحزاب الكبرى، وهم يبحثون عن بديل لها. وتؤكد هانسون ان العديد من انصارها كانوا من القاعدة الشعبية المؤيدة لحزبي العمال والاحرار بعد ان بدأوا يشككون بنوايا المسؤولين فيهما والتلهي بالكباشات فيما بينهما سعياً نحو السلطة وعلى حساب المصالح القومية الكبرى.
وتشرح هانسون اسباب مطالبتها بالحد من هجرة الآسيويين الى استراليا، خاصة بعد ان سمحت حكومة بوب هوك بقبول 30 الف صيني دفعة واحدة بسبب احداث «تيانامان سكوار» في سنة 1989 عندما بكى هوك وهو يعلن عن فظاعة الاحداث لكسب التعاطف الشعبي. فكانت نتيجة هذا القرار دخول 300 الف صيني عملاً بقانون «جمع شمل العائلة». وهذا عدد ضخم من عرقية واحدة يصعب اقلمتها مع المجتمع الجديد وتوفير المسكن واللغة والعمل لها وضبط السلوك الاجتماعي لديها.
كما تعترض هانسون على بعض المسلمين وتطالب بوقف هجرتهم داعية الحكومة الى اجراء تحقيق عام حول الاسلام والمسلمين في استراليا.
وعندما اعترضت على كلام بولين هانسون بحجة انها تحكم على المسلمين بسبب الاعمال الشائبة لدى القلة منهم، ردت هانسون انها لا تبني آراءها السياسية عليهم بدافع الكراهية بل هي مبنية على حقائق ومعلومات موثقة.
فذكرت أن أعلى نسبة بطالة في استراليا هي لدى المسلمين وان اطول مدة للعاطلين عن العمل تضم اغلبية كبرى منهم. وهي تدرك انه يوجد مسلمون مسجلون كعاطلين عن العمل منذ دخولهم استراليا ولا يزالون حتى اليوم وبعد مرور عشرات السنوات عاطلين عن العمل يستفيدون من النظام ولا يفيدون البلاد بشيء بل أصبحوا عالةً اقتصاديةً عليها.
ورددت على مسامعي ان نسبة المسلمين في السجون الاسترالية هي الأعلى بالمقارنة مع عدد المسلمين في استراليا، وان عدد العصابات الاجرامية ذات الطابع والمكون الاسلامي هي عديدة.
كما ذكرت ان الرجل المسلم، في حالات عديدة، يطلق زوجته مدنياً لكنه يتركها على خانته شرعاً حتى اصبحت مسألة تعدّد الزوجات تشكل ازمة اقتصادية، لأن المؤسسات الاجتماعية عليها توفير المال والمسكن والرعاية للمطلقات وهن لا يزلن بالواقع متزوجات اسلامياً وعلى خانة رجل.
وتتساءل بولين هانسون، لماذا لم نسمع كلمة ادانة من المسلمين في استراليا لكل العمليات الارهابية التي وقعت هنا او في الخارج؟ لماذا لم يقم مسلم واحد بادانة ذبح وتهجير المسيحيين في الشرق الاوسط وتدمير حضارتهم العريقة وكنائسهم ومدنهم؟ ان القلة التي رفعت الصوت تبين من خلال المعلومات المخابراتية انهم اصوليون في توجهاتهم  وميولهم ويدعمون الارهاب باطنياً وبطرق غير مباشرة، رغم ظهورهم في وسائل الاعلام وادعائهم انهم استراليون اولاً، ولا ارغب بذكر اسماء مرموقين في الجالية، لكنهم يعرفون انفسهم.
وتستطرد قائلة: للأسف الشديد كل ما يظهر من ردود فعلهم هو محاولات بائسة لتبرير الارهابيين وتقديم الاعذار لدعم الارهاب الذي يدمر التركيبة الاجتماعية والمظاهر الحضارية في اوطانهم قبل ان يدمر دولاً اخرى.
لذا تدعو هانسون جميع المهاجرين ان يتخلوا عن مشاعر العداء والكراهية ويدعوها خارج استراليا. عليهم ان يعيدوا النظر في التوجهات البعيدة لديهم. لأن مطالبة البعض بتطبيق الشريعة الاسلامية في استراليا ستجلب عليهم المزيد من العزلة وترفع من حدة الكراهية ضدهم. استراليا، رغم نشأتها الحديثة، لديها قوانينها وثقافتها وقدرتها الذاتية، وتمكن شعبها خلال ما يزيد على 200 سنة من بناء دولة مزدهرة وعصرية تحترم حقوق الانسان، وتساعد الدول المحتاجة او من تشهد ازمات، وتقدم ضمانات للمواطنين دون تفرقة. وهذه امور غير متوفرة في بلدان المنشأ للعديد من المسلمين.
لذا تدعو هانسون الجميع ان يعتمدوا فلسفة جديدة قائمة على قبول الآخرين واحترام حرياتهم واعتبار استراليا الوطن النهائي لهم، لأنها  ( اي استراليا) ليست مجرّد ارض تنتظر بعضهم ليمنحها هويته المتخلفة.
فإن كانت الحرية هي احدى ميزات استراليا، فلقد بدأنا بخسارتها بسبب تعديل القوانين ومنح صلاحيات رفيعة للاجهزة الامنية والمخابراتية ومراقبة كل وسائل الاتصال على انواعها، بحجة مكافحة الارهاب، وهو اسلامي الطابع اليوم.. لقد بدأنا نتحول الى دولة بوليسية بسبب الارهاب الاسلامي.
وان كانت استراليا بلد الفرص وتحقيق الاحلام، فإن غياب الرؤية لدى حزبي العمال والاحرار في تحديد الهجرة حسب الظروف الاقتصادية سيساهم برفع نسبة العاطلين عن العمل والمزاحمة مع اليد العاملة الاسترالية ويضع العصي  بين دواليب الحركة الاقتصادية.
كانت استراليا بلد عظيم بالنسبة لهانسون، عندما كنا، شعباً وحكومة، نقف الى جانب الحق. كنا نقر القوانين ونلغي اخرى لاسباب بحت اخلاقية، لكننا اصبحنا نسعى الى ابطال الاخلاق ولجمها لكسب اصوات بعض الناخبين. لقد اخطأت الاحزاب السياسية ادارة البلاد والاخطر من ذلك ان بعضهم يصر على الخطأ في آخر المطاف.
وهذا ما يمنح حزب «امة وحدة» مساحة شاسعة للعمل السياسي الملتزم والشعب هو من يحكم؟
pierre@eltelegraph.com