بقلم  / هاني الترك O A M

يتغلغل سحر الموسيقى الى عقلي وجسدي ودمي واحس بها تهز كل قطرة من دمي نشوة وطرباً .. لهذا اخترت بعد تخرجي من الجامعة في بدء مهنتي منصب مدير مكتبة في معهد الموسيقى لنيو ساوث ويلز الذي يدرّس ويخرّج افضل الموسيقيين في استراليا.. وعرفت فيه رواد الموسيقى العالمية وخصوصاً الموسيقى الكلاسيكية مثل سيمفونيات شوبان وبيتهوفن وموزارت وفاغنر وهي التي تعتبر الانجاز العالي المستوى الذي احرزته البشرية.. وكنت اذهب مبكراً لعملي في المعهد واضع دائماً عبر مكبرات الصوت السيمفونية الخامسة لبيتهوفن..
واذكر انه في حفل موسيقى لسيمفونية خالدة «الخاتم» لعبقري الموسيقى ريتشارد فاغنر قد اقيم في استراليا العام الماضي كان ثمن بطاقة الدخول 1500 دولار ونفذت جميع البطاقات.. والاستماع الى سيمفونية «الخاتم» يستحق ثمن البطاقة المرتفع.. ويقال انه من خلال موسيقاه اكتشف نظرية التحليل النفسي قبل ابو الطب النفسي سيغموند فرويد بخمسين عاماً.. وقد تجلى هذا الاكتشاف في السيمفونية «الخاتم».
لمعت هذه الذكريات الموسيقية في خيالي وانا استمع الى عزف العود للفنان الفلسطيني الاصل خليل قمر لاغنية «فلسطين المتألمة» للشاعرة الفلسطينية رنا عزام.. لقد تأثر الفنان خليل بكلمات القصيدة حتى انه لم ينم ليلة قراءتها في الصحيفة من شدة اعجابه بها.. وكان اثناء محاولة نومه المتقطع يستمع الى لحن يسري في مخيلته فيستيقظ من سباته ويسجله.
ان رائعة «فلسطين المتألمة» من نظم الشاعرة رنا نابعة من عشقها العاتي لفلسطين وقساوة الغربة في المهجر.. فهي شاعرة الحب بامتياز وتشتاق حباً لفلسطين وهي التي ترفع شعارها: احب الله والانسان وفلسطين.. في القصيدة الوطنية تعبر عن التهاب وجدانها لفلسطين.
ومن ضمن ابيات القصيدة:
انا العالقة في ترابك
التائهة بين ابوابك
اشعل شموع توبتي
كل ليله في كنائسك
وفي الصباح اطوف
بقبابك
هاتفة باسم الواحد
الصمد
فلسطيني لملميني
فلسطيني قبليني
اغسليني ببحر غزه
ازرعيني بأرض يافا
عانقيني على اسوار عكا
غنى لي في صفد
انا الغزّية المسافرة
دون وجهة او قصد
بعيداً عن قدسك
انا لا انتمي لنفسي
ولا انتمي لأحد.
انصهر الفنان خليل باحساسه المرهف وهو العاشق لفلسطين في الصميم بصدق وجمال كلمات القصيدة.. فلحنها في اغنية انغامها مشبعة بعذاب مبدع يئّن شوقاً لفلسطين.. ومن الألم يولد الابداع.. غناها لي ولم اسمع من قبلها من الالحان الوطنية المحلية اغنية بجمال لحنها وروعة كلمات  «فلسطين المتألمة».. فان لحنها يرتقي في قوة الايقاع الشعري وابداعه وذلك في الحفاظ على الإيقاع القديم بمقاماته وسلالم العزف التي تعتبر من الطبقة الاولى.
فلا ريب بجمال وصدق كلمات القصيدة وعذوبة اللحن الذي سكبه فيها خليل.. وهو الآن يبحث عن صوت ملائم لأدائها بذات الصدق والاحساس وجمال الكلمات واللحن.. ونحن في انتظار ان ترى اغنية «فلسطين المتألمة» نور الحياة في لقاء يجمع سحر التأليف واللحن والأداء.