كندة سمارة- سدني
لم يمرّ الوطن العربي على مدى التاريخ بحقبة في غاية الصعوبة كهذه التي نمر بها الآن… وكل يوم تملأ الأخبار أسماعنا عن تفجير جديد مزعزعاً آمالنا، بل حتى محاولاً اقتلاعنا من جذورنا…. وآخرها التفجير الإرهابي في مصر. مصر ليست فقط ذلك البلد الجميل، بل هي الشعور الضارب في عمق الزمن، هي الانتماء إلى أرض وتراث وتاريخ وحضارة… مصر، بما فيها أرضاً وناساً قد جعلت كل من فيها يتماهى معها منذ عصر الفراعنة الأول وحتى اليوم.
المصري هو ذلك الشعور الذي سبق ظهور فكرة الأمة في الفكر التنويري الأوروبي والتي انتشرت إلى أرجاء العالم في القرن السابع عشر. فالبطالمة اقتبسوا العادات المصرية، فترى العمارة والنحت واللباس والديانة وحتى في التعامل مع الموت. ثم جاء الإغريق فما كان منهم إلا أن دمجوا آلهتهم بآلهة المصريين واعتمدوا معابدهم وعاداتهم وطقوسهم. ثم أتت المسيحية والتي تأقلمت مع الخصوصية المصرية فعبّرت عن الـروح المصرية الخاصة وأنتجت الكنيسة القبطية. ثم جاء الإسلام فقابلته مصر وكأن روح الانتماء المصري تقابل آخر مروض لها.
فالأرض المصرية فيها كم هائل من تراكم الشعور بوحدة المصير والثقافة، والذي بدأ منذ أيام العصر الفرعوني وأخذ مساره وحفر في وجدان الشعب المصري فشكل لديهم ذلك الشعور القوي بالانتماء إلى هذه الأرض التي لم تتمكن كل الحضارات التي سكنتها أو احتلتها من محوه… بل انتهى بها المطاف بأن تمصّرت هي أيضًا… فالكثير من العادات التي نجدها اليوم عند المصريين الجدد، في المأكل والملبس والتعامل مع الموت والسحر، ترجع بأصولها إلى المصريين القدماء، وإن كانت الأصول ما قبل الإسلامية في بعض الأحيان قد استُبدلت بأصول عربية وإسلامية… كاستمرار بعض الموروثات الفرعونية في ما يتعلق بالزراعة وفيضان النيل واستعمال الأشهر القبطية والأعياد المتعلقة بالنيل والخصب، والتي استمرت من أيام الفراعنة والتي اكتسب بعضها فيما بعد صبغة مسيحية كعيد الغطاس وغيرها… حتى أن الكثير من المأكولات المصرية اليوم نجدها تعود بجذورها إلى تلك الأيام.
هذه مصر وهذه خصوصيتها، فالشعور بالانتماء إلى مصر التي تجمع فيها عظمة البلد وتاريخه، هو أكبر من أن تفرقه أي فتنة … مصر التي طالما نظر إليها العرب على أنها عمود الأمة، وستبقى الحائط الذي تستند عليه بثقة لأنها أم الدنيا.