تشير الاحصاءات ان عدد من يمتلكون هاتفاً جوالاً في العالم اليوم هو 4،77 ملياراً.
ومن المتوقع ان يرتفع هذا العدد بغضون 2019 الى 5،07 مليار. هذا بالطبع بالاضافة الى التقنيات الالكترونية الاخرى التي اصبحت جزءاً من مظاهر حياتنا اليومية.
هذه التحولات التكنولوجية المتسارعة التي دفعت الخبراء لتوصيف العالم على انه «قرية عالمية» بسبب تقصير المسافات وتسهيل الاتصالات، لم تحدث دون انعكاسات جذرية واثمان على مختلف الاصعدة، لدرجة ان البعض بدأوا يفكرون بالتخلي عن هواتفهم الجوالة والعودة الى التواصل التقليدي الذي كان سائداً منذ عقد وما قبل، وذلك للاسباب التالية :
1- التكلفة: غياب الهاتف الجوال يعني بكل بساطة عدم وجود فاتورة شهرية وغياب الحاجة لتحديث الهاتف، ولا ضرائب او رسوم مباشرة او غير مباشرة بدونه. وفي عصر يشهد ركوداً في الاجور وتزايداً في عدم المساواة في الدخل ( بين الرجال والنساء وبين العمال والموظفين…) ليس بمقدور مستخدم الهاتف الجوال تجاوز دفع بدل الاشتراك مهما كانت ظروفه المالية. ويقدّر بدل الإيجار الشهري بـ 75 دولاراً او اكثر في بعض الحالات. اي ان 4،77 مليار مستخدم يدفعون شهرياً لشركات الاتصال ما يوازي 287،65 مليار دولار. هذه الاعباء المالية المستحدثة لم تكن قائمة منذ 15 سنة، ناهيك عن اعتبارها امراَ ضرورياً.
2 – الانعكاسات البيئية:
ان صناعة الهواتف الجوالة، بما في ذلك شراء المواد الخام والاستهلاك اليومي للطاقة، بالاضافة الى الطاقة المستخدمة لنقل المكالمات واستعمال الانترنيت تنتج كميات ضخمة من انبعاثات اوكسيد الكربون بالاضافة الى آثار التخلص من الهواتف القديمة التي يتسرّب منها المعادن الثقيلة السامة والنحاس والرصاص وتنتهي بالامتزاج في التربة والمياه الجوفية. وما علينا سوى الانتظار بضعة سنوات من اليوم لتبدأ البشرية بدفع فاتورة صحية غالية لهذه التقنية الجديدة. هذا بالاضافة الى تأثير الاشعة والذبذبات على «طبلة الأذن» والدماغ اللذين يتعرضان مباشرة الى موجات الأشعة المدمرة للخلايا.
3 – الجوال ومراقبة الناس
للحصول على هاتف جوال، على المواطن ان يملأ استمارة تحوي معلومات شخصية عنه واوراق ثبوتية لهويته. فالهاتف الجوال تحول الى هوية شخصية رمقية، وسيلة تنصت دائمة على مكالمات المواطن وسيلة فضلى لتحديد اماكن تواجده اينما تنقل داخل بلده او في الخارج. فالرسائل الخطية وعمليات نقل الاموال ودفع الفواتير والمعاملات المصرفية.. جميعها مراقبة دون اذن مسبق منه.
مع الهاتف الجوال ابطلت الخصوصية واوقف الزمن بالنسبة للمستخدم اذ اصبح الوصول اليه لا يحده وقت او مكان ولا تمنعه ساعة عمل او نوم.. وللهواتف الجوالة القدرة على التنصّت الدائم على مستخدمه حتى خلال الاوقات التي لا تستخدم فيه هذه التقنية.
ومع تقارب المسافات والغاء الفروقات ارتفعت حدة المخاطر ايضاً من خلال اعمال القرصنة والدخول الى المعلومات الشخصية. واصبح يخيل للمستخدم لهذه التقنية ومتفرعاتها ان الشخص الآخر هو قريب منه. ويتمازج هنا الخيال مع الواقع، وتختلط الصور مع بعضها البعض. الصورة التي نريد ان نرسلها للآخرين من ناحية والتي نتخيلها في اذهاننا عنهم في الوقت عينه. فالتواصل مع شخص غير موجود إلا في المخيلة وبشكل متسارع لا يحده وقت او زمن يزيد من مشاعر الالينة لدينا. فاصبحنا نعيش اليوم في عالم اقرب الى الخيال، شخصياته وهمية، صورة اقرب الى نسج الخيال. لذا يميل الناس اكثر فأكثر في حالة من الازدواجية. ازدواجية الواقع والخيال والتناقض بين الصورة والرمزية… اننا نعيش خارج اجسادنا، حالة من السكيزوفرانيا الجماعية.
– التفاعل الاجتماعي
واصبح رواج الهاتف المحمول الوسيلة الوحيدة للتواصل مع الآخرين، حتى ضمن العائلة الواحدة، وداخل المنزل العائلي.
الاهالي يتخاطبون مع بعض بواسطته، ويتواصلون مع اطفالهم من خلاله. والاطفال يمضون ساعات طوال مع رفاقهم واصحابهم بواسطة الرسائل النصية او التكالم. اصبحنا اليوم نعيش في عالم قلّ فيه التواصل الاجتماعي المباشر. لذا بدأت المهارات الاجتماعية تتراجع، ولا يستبعد ان يصبح لدينا مجتمعاً يتقبل ما يوحى اليه وما يقدم له من معلومات مُعلبة ومعدة مسبقاً للاستعمال دون عناء التفكير.
وبدأ الناس، خاصة النشء الطالع يعانون من زيادة الوزن والبدانة، بسبب قلة الحركة وعدم ممارسة الرياضة وتمضية ساعات طوال على الهواتف الجوالة التي اصبحت الآن بمثابة جهاز كومبيوتر داخل جيوبهم . ونتيجة لحالة الادمان الزائد على استخدام الهواتف الجوالة وما شابه من معدات الكترونية، يبدو ان الجيل القادم سوف يعاني من الامراض المرتبطة بقلة الحركة وزيادة البدانة والتحديق طوال ساعات الى الشاشة الصغيرة. ولا يستبعد شيوع امراض السكري والكولسترول وانسداد الشرايين، بالاضافة الى امراض النظر. لذا ينصح اخصائيون في استراليا ان يدفع الاهالي اطفالهم للعب خارجاً لعدة ساعات بعد ان وجدوا ارتباطاً مباشراً بين مرض قصر النظر (Myopia) والبقاء في الداخل.
اما الظاهرة الاخيرة اللافتة فهي خلق جيل يكاد يشبه «الموتى الاحياء» (Zombies) اذ غالباً ما ترى اناساً يسيرون في الشوارع وهم مغيبون كلياً عما يجول حولهم بسبب تحديقهم في شاشات الهواتف الجوالة، يسيرون وهم في حالة من الانخطاف والغياب الذهني.
وهذا ما سبب المزيد من حوادث الطرقات، خاصة اذا صادف ان السائق هو ايضاً يتحدث الى هاتفه او يرسل رسائله الكترونية. هذه الآفة الجديدة دفعت السلطات الى تعديل القوانين والى تزويد الشرطة بآلات تصوير قادرة على التقاط صور لمسافة 70 متراً والتأكد ان السائقين لا يتحدثون الى هواتفهم الجوالة.
مرة اخرى يصبح الناس ضحية اختراعاتهم واسرى الآليات التي يطورونها لخدمة الانسان العصري.
لا ازال اتذكر منذ طفولتي كيف كان الناس يتواصلون من قرية الى اخرى بواسطة قرع الاجراس في حالات الفرح او الحزن او الخطر، وكيف كان يطلب الى شخص قوي الصوت لينادي اهالي قرية اخرى عند الضرورة. كان سكان القرية يصمتون جميعهم، حتى الاطفال يصغون لمعرفة الجواب القادم من بعيد.. وفي هذا مثال حي على مدى الوحدة والتقارب والتعاون بين الناس.. اليوم نتحدث لابنائنا في نفس المنزل بواسطة الهاتف الجوال.
لقد انتزعت منا روح الجماعة وعمت الروح الفردية والانانية والتباعد الاجتماعي.. حتى اطفالنا اصبحوا مدمنين على استخدام الهاتف الجوال والتنزيلات في داخله.
قد نصل بعد سنوات الى فقدان المدارس ومؤسسات تربوية اخرى لتحل الآلة مكانها.
فأي جيل نعد للمستقبل؟؟تشير الاحصاءات ان عدد من يمتلكون هاتفاً جوالاً في العالم اليوم هو 4،77 ملياراً.
ومن المتوقع ان يرتفع هذا العدد بغضون 2019 الى 5،07 مليار. هذا بالطبع بالاضافة الى التقنيات الالكترونية الاخرى التي اصبحت جزءاً من مظاهر حياتنا اليومية.
هذه التحولات التكنولوجية المتسارعة التي دفعت الخبراء لتوصيف العالم على انه «قرية عالمية» بسبب تقصير المسافات وتسهيل الاتصالات، لم تحدث دون انعكاسات جذرية واثمان على مختلف الاصعدة، لدرجة ان البعض بدأوا يفكرون بالتخلي عن هواتفهم الجوالة والعودة الى التواصل التقليدي الذي كان سائداً منذ عقد وما قبل، وذلك للاسباب التالية :
1- التكلفة: غياب الهاتف الجوال يعني بكل بساطة عدم وجود فاتورة شهرية وغياب الحاجة لتحديث الهاتف، ولا ضرائب او رسوم مباشرة او غير مباشرة بدونه. وفي عصر يشهد ركوداً في الاجور وتزايداً في عدم المساواة في الدخل ( بين الرجال والنساء وبين العمال والموظفين…) ليس بمقدور مستخدم الهاتف الجوال تجاوز دفع بدل الاشتراك مهما كانت ظروفه المالية. ويقدّر بدل الإيجار الشهري بـ 75 دولاراً او اكثر في بعض الحالات. اي ان 4،77 مليار مستخدم يدفعون شهرياً لشركات الاتصال ما يوازي 287،65 مليار دولار. هذه الاعباء المالية المستحدثة لم تكن قائمة منذ 15 سنة، ناهيك عن اعتبارها امراَ ضرورياً.
2 – الانعكاسات البيئية:
ان صناعة الهواتف الجوالة، بما في ذلك شراء المواد الخام والاستهلاك اليومي للطاقة، بالاضافة الى الطاقة المستخدمة لنقل المكالمات واستعمال الانترنيت تنتج كميات ضخمة من انبعاثات اوكسيد الكربون بالاضافة الى آثار التخلص من الهواتف القديمة التي يتسرّب منها المعادن الثقيلة السامة والنحاس والرصاص وتنتهي بالامتزاج في التربة والمياه الجوفية. وما علينا سوى الانتظار بضعة سنوات من اليوم لتبدأ البشرية بدفع فاتورة صحية غالية لهذه التقنية الجديدة. هذا بالاضافة الى تأثير الاشعة والذبذبات على «طبلة الأذن» والدماغ اللذين يتعرضان مباشرة الى موجات الأشعة المدمرة للخلايا.
3 – الجوال ومراقبة الناس
للحصول على هاتف جوال، على المواطن ان يملأ استمارة تحوي معلومات شخصية عنه واوراق ثبوتية لهويته. فالهاتف الجوال تحول الى هوية شخصية رمقية، وسيلة تنصت دائمة على مكالمات المواطن وسيلة فضلى لتحديد اماكن تواجده اينما تنقل داخل بلده او في الخارج. فالرسائل الخطية وعمليات نقل الاموال ودفع الفواتير والمعاملات المصرفية.. جميعها مراقبة دون اذن مسبق منه.
مع الهاتف الجوال ابطلت الخصوصية واوقف الزمن بالنسبة للمستخدم اذ اصبح الوصول اليه لا يحده وقت او مكان ولا تمنعه ساعة عمل او نوم.. وللهواتف الجوالة القدرة على التنصّت الدائم على مستخدمه حتى خلال الاوقات التي لا تستخدم فيه هذه التقنية.
ومع تقارب المسافات والغاء الفروقات ارتفعت حدة المخاطر ايضاً من خلال اعمال القرصنة والدخول الى المعلومات الشخصية. واصبح يخيل للمستخدم لهذه التقنية ومتفرعاتها ان الشخص الآخر هو قريب منه. ويتمازج هنا الخيال مع الواقع، وتختلط الصور مع بعضها البعض. الصورة التي نريد ان نرسلها للآخرين من ناحية والتي نتخيلها في اذهاننا عنهم في الوقت عينه. فالتواصل مع شخص غير موجود إلا في المخيلة وبشكل متسارع لا يحده وقت او زمن يزيد من مشاعر الالينة لدينا. فاصبحنا نعيش اليوم في عالم اقرب الى الخيال، شخصياته وهمية، صورة اقرب الى نسج الخيال. لذا يميل الناس اكثر فأكثر في حالة من الازدواجية. ازدواجية الواقع والخيال والتناقض بين الصورة والرمزية… اننا نعيش خارج اجسادنا، حالة من السكيزوفرانيا الجماعية.
– التفاعل الاجتماعي
واصبح رواج الهاتف المحمول الوسيلة الوحيدة للتواصل مع الآخرين، حتى ضمن العائلة الواحدة، وداخل المنزل العائلي.
الاهالي يتخاطبون مع بعض بواسطته، ويتواصلون مع اطفالهم من خلاله. والاطفال يمضون ساعات طوال مع رفاقهم واصحابهم بواسطة الرسائل النصية او التكالم. اصبحنا اليوم نعيش في عالم قلّ فيه التواصل الاجتماعي المباشر. لذا بدأت المهارات الاجتماعية تتراجع، ولا يستبعد ان يصبح لدينا مجتمعاً يتقبل ما يوحى اليه وما يقدم له من معلومات مُعلبة ومعدة مسبقاً للاستعمال دون عناء التفكير.
وبدأ الناس، خاصة النشء الطالع يعانون من زيادة الوزن والبدانة، بسبب قلة الحركة وعدم ممارسة الرياضة وتمضية ساعات طوال على الهواتف الجوالة التي اصبحت الآن بمثابة جهاز كومبيوتر داخل جيوبهم . ونتيجة لحالة الادمان الزائد على استخدام الهواتف الجوالة وما شابه من معدات الكترونية، يبدو ان الجيل القادم سوف يعاني من الامراض المرتبطة بقلة الحركة وزيادة البدانة والتحديق طوال ساعات الى الشاشة الصغيرة. ولا يستبعد شيوع امراض السكري والكولسترول وانسداد الشرايين، بالاضافة الى امراض النظر. لذا ينصح اخصائيون في استراليا ان يدفع الاهالي اطفالهم للعب خارجاً لعدة ساعات بعد ان وجدوا ارتباطاً مباشراً بين مرض قصر النظر (Myopia) والبقاء في الداخل.
اما الظاهرة الاخيرة اللافتة فهي خلق جيل يكاد يشبه «الموتى الاحياء» (Zombies) اذ غالباً ما ترى اناساً يسيرون في الشوارع وهم مغيبون كلياً عما يجول حولهم بسبب تحديقهم في شاشات الهواتف الجوالة، يسيرون وهم في حالة من الانخطاف والغياب الذهني.
وهذا ما سبب المزيد من حوادث الطرقات، خاصة اذا صادف ان السائق هو ايضاً يتحدث الى هاتفه او يرسل رسائله الكترونية. هذه الآفة الجديدة دفعت السلطات الى تعديل القوانين والى تزويد الشرطة بآلات تصوير قادرة على التقاط صور لمسافة 70 متراً والتأكد ان السائقين لا يتحدثون الى هواتفهم الجوالة.
مرة اخرى يصبح الناس ضحية اختراعاتهم واسرى الآليات التي يطورونها لخدمة الانسان العصري.
لا ازال اتذكر منذ طفولتي كيف كان الناس يتواصلون من قرية الى اخرى بواسطة قرع الاجراس في حالات الفرح او الحزن او الخطر، وكيف كان يطلب الى شخص قوي الصوت لينادي اهالي قرية اخرى عند الضرورة. كان سكان القرية يصمتون جميعهم، حتى الاطفال يصغون لمعرفة الجواب القادم من بعيد.. وفي هذا مثال حي على مدى الوحدة والتقارب والتعاون بين الناس.. اليوم نتحدث لابنائنا في نفس المنزل بواسطة الهاتف الجوال.
لقد انتزعت منا روح الجماعة وعمت الروح الفردية والانانية والتباعد الاجتماعي.. حتى اطفالنا اصبحوا مدمنين على استخدام الهاتف الجوال والتنزيلات في داخله.
قد نصل بعد سنوات الى فقدان المدارس ومؤسسات تربوية اخرى لتحل الآلة مكانها.
فأي جيل نعد للمستقبل؟؟