ما زال الكوريون الجنوبيون شعبا محافظا، رغم التطور الذي دفعهم بسرعة الى صفوف العالم الأول. وإذ تضعهم البحبوحة الاقتصادية والديموقراطية التي يتخذونها نظاما، بين الدول التي تبلغ فيها الحريات الشخصية مداها، غير ان التقاليد تقف مانعا امام ممارسة هذه الحريات بالكامل، الا لمن يختار الخروج على التقاليد، وهذا حق يكفله القانون.
فالمرأة كانت في الماضي مكرسة لخدمة زوجها وأولادها وليس لها عمل آخر، لكنها اليوم تتلقى في العموم تعليما ذا مستوى عال وتسعى الى تطوير حياتها المهنية بالتقدم في المناصب.
هذه المرأة نفسها حصلت قبل عام افتراضيا على «اجازة بالخيانة الزوجية»، عندما سنت الجمعية الوطنية (البرلمان) قانونا يلغي عقوبة السجن على الزنى التي كانت مطبقة قبل ذلك بحق الرجل والمرأة، ثم الغيت عن الاثنين معا، وذلك بعد حكم للمحكمة العليا، قضى بأنه «اذا كانت الخيانة الزوجية سلوك يجب ادانته، الا ان المعاقبة عليه بالسجن تتعارض مع الحريات».
هذا الحكم والقانون يشيران الى ان تطور النظام القانوني الذي يحكم حياة الكوريين الجنوبيين، يسبق تطور النظام الاجتماعي الذي ما زال الكثيرون يتمسكون به.
اللافت، كما تقول هيون سوك بارك وهي مرشدة سياحية في الاربعينيات من عمرها وغير متزوجة، ان الفتاة تتلقى تعليما عاليا في الجامعات، لكنها في كثير من الحالات تترك العمل بعد الزواج لتربية الأولاد والاعتناء بشؤون المنزل.
لكن كيم هونغ كوك (50 عاما) وهو رب اسرة، يقول ان المرأة لم تعد تترك العمل بعد الزواج، بل اصبحت تسعى للترقي في العمل والحصول على المناصب.
وعما اذا كان الصديق وصديقته يعاشران بعضهما معاشرة الأزواج قبل عقد قرانهما، أوضح كيم لـ «الراي» ان «الكوريين الجنوبيين مثل العرب في ذلك، فالحصول على الجنس قبل الزواج بالنسبة للرجل ليس سهلا» مضيفا ان «الفتاة عندما تأخذ صديقها الى منزلها لتعرفه على اهلها، فهذا يعني انهما سيتزوجان».
اكثر من ذلك، تنتشر في البلاد الشركات التي تساعد العازبين على العثور على الشريك الآخر، بل ان بعضها يقيم دورات تدريبية لكيفية التعامل مع هذا الشريك.
ففي العاشر من ابريل الجاري، سارع العشرات من الرجال والنساء للعثور على مقاعد في المقر الرئيسي لشركة «ديو» في سيول، وهي اكبر شركة في البلاد في تقديم خدمة العثور على الشريك، حيث نظمت محاضرة عن كيفية اصطياد الشريك الاخر.
وجرت هذه المحاضرة التي حملت عنوان: «مساعدتك للخروج من الوحدة والعثور على الصديق او الصديقة» عشية 14 ابريل، الذي يسمى بـ «اليوم الأسود»، ويحييه الذين ليس لديهم شركاء.
وقد ساعدت شركة «ديو» نحو 31 الف ثنائي على اقامة علاقات.
وقال لي ميونغ جيل، وهو اول مدرب على مساعدة الشركاء، مسجل تحت هذه المهنة في البلاد، ان «المبادرة تقع على عاتق الرجال. فعليهم ان يحملوا هواتفهم ويتحدثوا الى النساء».
ويدرب لي زبائنه على امور مثل التوقيت الافضل لتوجيه الدعوة الى المرأة للخروج وكيفية مجاملتها.
وتقول سي جين بارك (22 عاما) ان لديها صديقا، لكنها لا تعيش معه، اذ ليست العادة ان تقيم الفتاة مع صديقها قبل الزواج كما هو الحال في الغرب مثلا، لكنها توضح ان معدل سن الزواج للفتاة الكورية الجنوبية اصبح 30 عاما، نظرا لانها اصبحت تريد تحصيل تعليمها وبدء حياتها العملية قبل ان تتزوج.
أما صديقتها نوري جونغ (21 عاما) وهي مثلها لديها صديق، فانها ترفض الزواج حاليا قبل اتمام دراستها في مجال سياحة الطيران، بعدما اخفقت في متابعة دراسة ادارة الاعمال في ايرلندا التي امضت فيها عاما واحدا فقط، ربما لانها لم تتعلم الانكليزية بشكل كاف. من العادات التي يحافظ عليها الكوريون الجنوبيون ان الابن البكر للعائلة يتحمل عبء ايواء والديه عندما يكبران، وبذلك فانه يدير شؤون العائلة.
وفي حالة هيون سوك بارك التي مات والدها قبل اربع سنوات، يتولى شقيقها الأكبر رعاية الام التي تقيم معه. ويقوم بترتيب احتفال يحضره جميع افراد العائلة، بذكرى وفاة الوالد كل سنة وفق التقويم القمري.
وعند موت أحد افراد العائلة يقام له حفل دفن وتأبين يدوم ثلاثة ايام تجرى بعدها مراسم حرق الجثمان الذي ينقل بعد ذلك في صندوق صغير خاص الى المقبرة لدفنه. ويتلقى أهل الفقيد عند وفاته الى جانب التعزية، الهدايا من الاصدقاء والاقارب. وكانت العادة ان تكون الهدية من الذهب، ولكن تم التخلي عن هذه العادة، بسبب ارتفاع سعر الذهب في السنوات الأخيرة، واستبدلت بالنقد.
وما ينطبق على المآتم، يصح على الاعراس لجهة تلقي الهدايا. والاعراس لها مواسم بين ابريل ومايو وبين سبتمبر واكتوبر، ويتم عادة اختيار توقيت قمري مهم لعقد القران مثل يوم 14 من الشهر القمري عندما يكون القمر بدرا، لكن الشباب الجدد ما عادوا يهتمون بهذه التقاليد التي يتمسك بها الاهل.