وديع شامخ
رئيس تحرير مجلة «النجوم»

ترتبط ولادة الكائن في الاحياء والنباتات والجمادات معا في ظروف بيئية محددة ، فالولادة تشي الى ما بعدها حتما، وتشير الى ماقبلها ، وتنتصر الى قوة الاقرار في قبولها كحياة .
فالانسان يولد بالفطرة ويستقيم بالقرار، وكائنات البر والبحر والسماء لا قرار لها سوى الفطرة ، والنباتات تعيش على هوى الزارع والحاصد .
……….
الانسان موكول الى دورة استحالة بايولوجية في وجوده الإنساني ، تصل اقصاها الى تسعة أشهر وأدناها الى سبعة ليكتمل في ظلمة الرحم ويطلّ على نهار الحياة ، بولادة طبيعية او قيصرية ، ولا اعرف لماذا يستطيع الانسان الحياة في التسعة أو السبعة أشهر وليس غيرهما من المدد المحددة للانبثاق .
ولكن الشائع في ولادة الانسان هو تسعة شهور في ظلمة الرحم ، حتى صح المثل الشعبي كناية على الاكثرية « نحن اولاد تسعة « مع استثناء نسبي عن ولادتنا في الشهر السابع ويقال لمن ولد ب « السبيعي « أي أنه ذو السبعة شهور .
……..
وسوف لا أتقصى الكائنات الحية في نموها وانتصابها لأنها تحت مجهر الوجود وتجربته العملية والمختبرية معا، حيوانا كان أم نباتا، ولكني أمضي مع ما يسمى بالجمادات كخطأ فاحش في اللغة والحياة .
الجماد هو وجودنا وحضننا الحياتي ، سواء بقرار كوني طبيعي أم بقرارنا في جعل الجماد موجودا لخدمة حياتنا الحسية والجمالية معا.
نحن من نقرر أن نربي الحيوانات المفضلة لنا في بيوتنا ، ونحن أيضا نحمي الحيوانات الآيلة الى الانقراض ، ونزرع الأرض بما يخدم حاجاتنا من الزرع ، ومن الحيوانات في الضرع ، ومن الجمادات في زينة الحياة ، ومن الجماد نتخذ بيوتا وننحت جمالاً وطرقات ومدناً ، ونتمتع بجمال الطبيعة ويكون حافزا لنا في الحياة والابداع معا .
………
فلا حظوة لنا على نمط حياة الكائنات الملازمة لنا في الحياة ، حيوانات ، نبات ، جمادات ، لاننا من اوجدنا لها حقلها ومدارها ، سجنها ، وشمسها، وصارت ايقونة تشير لنا في التنوع والحيازة معا.
…………..
الانسان صانع الحياة ، ومالك القرار، فهو بعد مغادرته ظلمة الرحم بصرخة الحياة العاتية، سوف يتدرب على الفطرة أولا، يلكز الثديين المحملين بحليب الامومة بشفتيه الغضتين ، ليشرب الحليب اكسير الحياة ، ويتشرب بوصايا العائلة، بوصايا المعتقد، الرمز، الطقس ، ولكنه ينتصب غدا في حقل غير حقل الوصايا ، وهنا يبدأ دور العقل البشري في مرحلة الخروج من الشرنقة والأقفاص والوصايا مهما علّت منزلتها ، ولكن هذا القرارالعقلي يرتبط بخسارات كبيرة تناسب مع حجم ووزن الخرق النوعي للأصفاد .
…………..
فمثلما يمر الانسان بادوار استحالته البايولوجية ، ففي تقديري لابد من المرور أيضا بالتحولات الفكرية في مراحل عمره المختلفة ، وليس شرطا ان تكون هذه المتغيرات رفضا وقطيعة مع فكر أو وصية ما ، ولكل مرحلة عمرية درجة نضوجها مع الاختلافات الطبيعية بين الناس ، فلا بد من حركة للأمام ، فربما بتغيير اسم أو مكان أو زمان ، مثلا سيمثل خطوة مهمة خطوة نوعية ازاء المحيط بنا كي نحوله الى ورقة رابحة تضاف الى رصيدنا النوعي في الحياة
……………….
هناك ايضا دوروة سايكولوجية يمر بها الانسان تحدد مراحل نموه العقلي والعاطفي ، فهناك الطفولة وما يرافقها من شقاوة وبراءة ، ومرحلة المراهقة بكل نزقها ، والشباب وتفتح القدرات الذهنية على التحولات ، ومرحلة النضج ، وسن الحكمة، والشيخوخة وختامها الطبيعي الموت، وبهذه الرحلة سيكون الكائن البشري في رحلة مع المتغيرات العاطفية والفكرية والتي يمكن له ان يستثمرها ايجابيا للوصول الى نهاية مشرقة ، خير من التخبط وخلط الاوراق والبقاء أسير مرحلة ما كقفص ذهبي متخيل .
……………….
العبودية ليست وراثة ولا لون، انها وصايا و تربية وسلوك قار وثقافة ُتدرّس بعناية لأغراض تنميط الانسان على العيش في الأقفاص ، والدفاع عنها حتى الموت أحيانا،والأقفاص تكون فكرية ، دينية ، مذهبية ، قومية ، سياسية ، نفسية ، مزاجية ، والأنكى أن تكون هذه الأقفاص في حقل الجمال والابداع ،ليصبح المثقف وما يسمى بالمبدع حلقة كاسرة في اشاعة القبح الاخلاقي والجمالي ، اذ يتحول الى سلعة رخصية بيد صانعي الاقفاص والوصايا من الساسة ورجال الدين والمفسدين ، يمارس النفعية بأبشع صورها في نص لقائد ضرورة ونصب لرمز ما ، وخشوع لعقيدة وركوع لمظاهر ، وتطبيل وتزمير لفرقة وفئة ، وصولا الى الكائن المسخ ، الذي يحول الحياة الى قفص وسيرك معا .
هنا لابد من خراب آخر مضاد ، خراب نوعي يتطلب فرز المسوخ من الحقل ، وعزل الثمار عن الزؤان ، ليس بأمنية ولا لعبة حظ ، ان قدر الاحرار الذين لم يُدجنوا ، ودورهم في الحياة يكون بمقارعة الاقفاص وأولادها وأحفادها ، يقارعون الولادات الخديجة والأرحام العقيمة والافكار السوداء ، فهي التي تنتج العبودية وأخواتها وأدواتها