Peirre Samaan2بقلم بيار سمعان

منذ غادر العماد عون لبنان طالباً اللجوء السياسي الى فرنسا عاش فريق من اللبنانيين على امل العودة. وتحوّل شعار «عون راجع» الى نشيد امل لقسم كبير من «شعب لبنان العظيم»، والشعار اصلاً هو للشاعر الكبير والفيلسوف سعيد عقل.
ومع عودة العماد عون من فرنسا حيث امضى 15 سنة اخذ شعار «عون راجع» بعداً آخر. وبدأ العونيون يأملون بعودته الى القصر الجمهوري مجدداً، الذي رفض مغادرته عندما كان رئيس حكومة انتقالية يفترض بها تأمين انتخاب رئيس للجمهورية قبل استقالتها. لكن التاريخ يذكر كما الشعب اللبناني، ما رافق ذلك من احداث مأساوية ، تحولت الآن الى مجرد ذكرى اليمة بالنسبة للبعض ودرساً يجب اخذ العبر منه وعدم تكراره، بالنسبة للبعض الآخر.
ومنذ عودته من فرنسا في 7 ايار 2005 بعد الانسحاب السوري من لبنان، لم يتخل عون وتياره الوطني عن فكرة الوصول مجدداً الى قصر بعبدا. وحاول عون استثمار الانسحاب السوري من لبنان ليطل مجدداً انه «بطل التحرير».
وعندما فقد امله من دعم تيار المستقبل له عقد ورقة تفاهم مع حزب الله سنة 2006 . وكان تفاهماً تكاملياً لكلا الطرفين. عون يحتاج لورقة ضاغطة تساعده على «العودة مجددا» الى بعبدا، وحزب الله الذي يواجه الاتهامات بالارهاب والادانة الدولية ويخشى العزلة الداخلية رأى في زعامة عون غطاءً مسيحياً يوفر له الشرعية المحلية والداخلية.
وهكذا تحولت ورقة التفاهم الى ورقة سياسية تخدم مصلحة الطرفين، وما رافق ذلك من حقائب سياسية ومواقع ودعم متبادل. وظن بعض المتفائلين من المسيحيين والموارنة خاصة وهم «ام الصبي» بالنسبة للبنان ان توزيع المسيحيين بين السنّة والشيعة يمنع الصدامات المذهبية ويبقي على اللحمة بينهما قائمة ولو بطرق غير مباشر، ولو على حساب مصلحة المسيحيين الذين فقدوا دورهم الرائد بعد خسارة رئيس الجمهورية الكثير من صلاحياته وانقسامهم بين فريقي 8 و14 آذار.
غير ان علاقة عون مع حزب الله وكل الكلام الطيب والايجابي الذي قيل فيها لم توصل العماد عون الى سدّة الرئاسة مع العلم ان لحزب الله التأثير والقدرة على تجيير انجازاته العسكرية سياسياً ارضاءً لطموحات الجنرال عون.. لكن رغم كل الوعود والتعهدات والتفاهمات بقيت مجرّد كلام عاطفي خطابي ولم تتحوّل الى قرار سياسي.
ومع انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان الذي رفض تمنيات  التجديد له. دخل لبنان في مرحلة الفراغ السياسي. فأعلن عون ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية. فقابله سمير جعجع و14 آذار بترشيح زعيم القوات اللبنانية بعد ان تخوّف عديدون ان يكون عون مرشح حزب الله والعامل بتوصياته وحسب اجندته السياسية. وتحوّل النزاع الرئاسي الى نزاع سياسي بين السعودية وايران بعد ان اتخذ هذا النزاع بعداً عسكرياً على الساحة السورية، خاصة ان قوات حزب الله هي منخرطة بهذا النزاع ومشاركة ميدانية فيه الى جانب النظام السوري الذي تصفه السعودية بالنظام الارهابي.
هذا الانقسام العامودي فرض  فراعاً في الرئاسة الاولى طوال سنتين . وكادت الرئاسة والجمهورية والدولة اللبنانية تتلاشى ويزول الوطن بعد ان شهدت مؤسسات الدولة حالة من الفراغ الكامل.. الى ان فاجأ قائد القوات اللبنانية سمير جعجع الجميع وقام بزيارة مباغتة لـ عون بعد سلسلة من الاجتماعات السرية ليعلن ترشيحه لزعيم التيار الوطني الحر.
وسارع البعض ومن ضمنهم الرئيس سعد الحريري الى انتقاد هذه الخطوة التي «جاءت متأخرة» واعتقد آخرون ان سمير جعجع قد انتقل من موقع سياسي الى آخر مكرساً زعامة العماد عون المسيحية.
لكن هؤلاء ينظرون الى الامور بنوع من السطحية. لا شك ان سمير جعجع يدرك خطورة الاحداث الدائرة في الشرق الاوسط، وما يخطط له من طروحات ليست بريئة على الاطلاق. كما يدرك ان ربط الرئاسة بالنزاعات السعودية الايرانية يعني عملياً ان انتخاب رئيس للبلاد قد يأتأخر سنوات، لا بل عقود، لأن ما يجري في المنطقة لا يزال في مطلعه. كما يعلم سمير جعجع حق العلم ان حليف الجنرال عون، اي حزب الله، هو  غير مستعجل لانتخاب رئيس للجمهورية قد يكون عائقاً لتحركاته العسكرية ولانخراطه الكامل في الحرب السورية. وان لم يعطل حزب الله عملية انتخاب رئيس  للبلاد فهو لم يشجع عملياً على ذلك، وترك العملية السياسية لرئيس مجلس النواب الذي ينظر الى الحركة السياسية الداخلية من منظار تقليدي قائم على الحصص والمنافع وتوزيع الحقائب وخيرات البلاد على الحكام والزعامات ولا يختلف اثنان على ذلك…
الرئيس سعد الحريري الذي رشح الوزير سليمان فرنجيه بدأ يدرك ان البلاد تتجه نحو الانهيار اذا لم يخرج رجال السياسة من منطق حزب الله « هذه عين وهذه عين» ويقصد عدم قدرة الحزب على اختيار احد مرشحي 8 آذار، عون او فرنجيه، وان بلاد بلغت منعطفاً قانونياً يصعب بعده اصلاح الاوضاع، وان لبنان هو اهم من 8 و14 آذار، وانتهى به الأمر الى ان يخطو خطوات متقدمة رغم النفور بين عون وسنة لبنان لاسباب لم تعد خفية على احد.
في 31 تشرين الاول يأمل اللبنانيون ان تنتهي جلسة مجلس النواب بانتخاب رئيس للبلاد. وان صدقت التفاهمات والوعود، فقد يتحقق حلم عون «العائد الى قصر بعبدا» ولو بعد طول انتظار. وان فشل نواب الأمة بانتخاب رئيس، فالمسألة قد تطول، ريثما ينهي زعماء البلد من املاء شروطهم على الرئيس الجديد.
وفي حال جرى انتخاب عون، فان الرئيس الجديد  سيواجه دون شك سلسلة من المواقف المعطلة لاسباب داخلية آنية  وحسابات المحاصصة ونتيجة للنزاع الدائر الذي يتخذ بعداً دولياً مفتوحاً في الجوار،  على كل الاحتمالات. من اعادة رسم حدود المنطقة الى اشعال حرب اوسع قد تتخطى حدود الشرق الاوسط.
ربما يجب النظر الى رئاسة الجمهورية على انها مؤشر لبقاء واستمرارية الوطن الصغير وإلا يجري الحاقه باعادة ترسيم الشرق الاوسط الجديد.
عون راجع.. لكن الى اين؟
pierre@eltelegraph.com