الولايات المتحدة لماذا تضطهد المسيحية؟

بقلم بيار سمعان

 

Peirre Samaan2كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة Life Research وهي مؤسسة تجري ابحاثاً حول قضايا حياتية في الولايات المتحدة ان 63 بالمئة ممن أجابوا على الأسئلة يعتقدون أن المسيحيين في الولايات المتحدة يواجهون تصاعداً في حدة ومستوى الاضطهاد ضدهم خلال سنة 2015 مع 50 بالمئة في سنة 2013، وأن 60 بالمئة أعلنوا أن الحريات الدينية هي على انخفاض في أميركا بالمقارنة مع 45 بالمئة في سنة 2013.
وكشف الاستطلاع عن وجود قلق متزايد حول مسألة الحريات الدينية في البلاد، وأصبحت هذه القضية مصدر خوف واستقطبت المزيد من الاهتمام الشعبي.
ومنذ شهر عرضت شبكة CNN برنامجا حول «الحالة المسيحية في الولايات المتحدة» ووجد تقرير أعدته مؤسسة Open Doors خاص بالبرنامج أن 7100 مواطن مسيحي قتلوا في الولايات المتحدة خلال سنة 2015.
وحددت المؤسسة اضطهاد المسيحيين على أنه «يشمل أي عمل عدائي ضد أية مجموعة تؤمن بالمسيح، بما في ذلك التعذيب والقتل والاغتصاب، وخسارة املاك أو مساكن، أو خسارة عمل أو بند ورفض من المجتمع…»
وباعتقادي أن هذا التحديد هو ناقص لأنه يتجاهل جانباً هاماً من الاضطهاد غير المباشر، وهو اخطر بكثير، أعني به الاضطهاد العقائدي، ويتضمن نشر الإلحاد والترويج للأفكار والمبادئ والعادات التي تتعارض مع العقائد والتقاليد المسيحية والعمل على تشريعها وهذه هي أخطر إذ قال السيد المسيح انها «تقتل الروح» وتهلكها.
من هذا المنطلق وعملاً بمبدأ أن الاضطهاد هو مادي ومباشر أو عقائدي، يمكن القول أن الولايات المتحدة التي بنت شرائعها على مبادئ الإيمان المسيحي / اليهودي، بدأت الآن تنقلب على العقيدة المسيحية وتضطهد وجود المؤسسات المسيحية وتقاوم تأثيرها المعنوي والأخلاقي على المجتمع والقرار السياسي.
ويشارك في هذا النزاع وسائل الإعلام الكبرى والمؤسسات التربوية والجامعات ورجال سياسة ودوائر حكومية وجمعيات سرية ومراكز مخابراتية ودور نشر ورأسماليين بالإضافة إلى هوليود للأفلام والإنتاج المسيقي وغيرهم، يعملون معاً على نشر روح الفردية والإلحاد وتفكيك العائلة وضرب المثل واستبدالها بأفكار مادية عبثية على أمل إقامة نظام جديد.
ويختصر الرئيس الأميركي باراك أوباما «المسيحي والمسلم واليهودي والكافر…» هذه المنهجية عندما أعلن في خطاب له العام الماضي حول أوضاع الأمة إذ قال: إن أميركا لم تعد بلداً مسيحياً …»
ولا أظن أن الرئيس الأميركي كان يقصد بهذا وجود أغلبية غير مسيحية ضمن التكوين الديموغرافي للبلاد بل يعني أن أميركا تخلت عن روحية القوانين المسيحية وفلسفة الإيمان المسيحي وأنها استبدلتها بقوانين وأخلاقيات تتعارض مع الأولى.
فهل يجري الآن قتل الله في الولايات المتحدة؟
لنرى معاً..

< أميركا قوة عظمى:
لا ينكر أحدهم أن الولايات المتحدة الأميركية ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية تحولت إلى قوة عظمى تقاسمت العالم مع الاتحاد السوفياتي. وفرض الإثنان حالة من الرعب جرّاء الترويج للحرب الباردة.
وخلت لها الساحة العالمية، أو هكذا يبدو، بعد انهيار الشيوعية وانفراط عقد الاتحاد السوفياتي.
وتحولت الولايات المتحدة إلي دولة تفرض شروطها وسياستها على العالم.
فهي تدعم وتحيي من تشاء أو تدمر وتفقر من تريد، وتحولت بالتالى إلى دولة قيادية مثالية يسير في فلكها معظم الدول في العالم، خاصة أن الاتحاد الأوروبي لم يتمكن حتى الان من إحداث خرق في هذه المعادلة وأصبح يسير أحيانا في الفلك الأميركي.
فما ينتج في أميركا يوزع في العالم كسلع أو كهبات ، وما تنشره وسائل الإعلام فيها يعتبره الناس حقيقة مطلقة أو إعلانا لمستجدات وتبدلات سياسية. وتستفيد الإدارة الأميركية من نفوذها لفرض توصيات على الأمم المتحدة ترغم الدول الأعضاء على الالتزام بمقرراتها خاصة ما يتعلق بالمصالح والأهداف الأميركية والتبدلات التي ترغب بإدراجها.

< مناهج مناقضة للمسيحية:
وتقوم وسائل الإعلام والجامعات والمؤسسات التربيوية ومجموعة من المفكرين تدعمهم هوليود ومشتقاتها بشن حملة منظمة على المسيحية تتمحور حول الأمور التي يجري نشرها والترويج لها لضرب نفوذ الكنيسة وتدمير أسسها. فهي تروج للأمور التالية:
1- تتهم المسيحية أنها ديانة قائمة على الخوف: الخوف من الشيطان والخوف من جهنم.
2- انها ترعب الناس وتقوم على أكتاف الأبرياء والبسطاء وتغسل أدمغتهم. «ماركس : الدين هو أفيون الشعوب…»
3- المسيحية كما يعتقدون تفتقر للموضوعية وتقوم على الأنانية.
4- المسيحية كاليهودية تروج لروح الكبرياء وتزرع في عقول المؤمنين فكرة «الشعب المختار» مما يدفع المسيحيين إلى الغرور والكبرياء والتمايز عن الاخرين.
5- ووصفت المسيحية أنها تسلطية نتيجة للهرمية المتماسكة والمتحكمة بإرادة الشعوب. ويعترض هؤلاء على نفوذ الكنيسة وتأثيرها على الدولة وربما قصد أوباما أنه من الان فصاعدا لن يكون للكنيسة دور هام أو أثر على القرارات الأساسية . لذا قال ان اميركا لم تعد بلدا مسيحيا.
6- ويشن أخصام الكنيسة حملة عليها متهمين إياها بالعنف والوحشية ويستشهدون بممارسات تاريخية قام بها حكام سابقون لا علاقة لهم بالمسيح.
7- المسيحية كما يروجون هي ضد العلوم ولا تدعم القدرات الذكاية لدى الإنسان بل تسعى إلى تقييدها.
8- المسيحية تتخذ موقفاً معادياً للجنس والحرية الجنسية وتدعو إلي كبت النزعات والرغبات «نظرية فرويد»، ولديها آفاق أخلاقية ضيقة تتعارض مع التحرر وهذا يشمل تحرر المرأة ومساواتها بالرجل في مختلف الامور: «الحركات النسائية»، والقبول بالشواذات الجنسية ،حرية الاجهاض…
9- المسيحية بنظرهم تعمل الشر وتبشر بعكسه.
10- لا تدعم الكنيسة حب الحياة وتضيق على الحريات الفردية وتعارض زواج المثليين منذ أحداث سدوم وعمورة. وهي تطالب بمعاقبة المثليين ونبذهم. وينتقد هؤلاء أن الكتاب المقدس هو ملئ بالمغالطات والتناقضات حسب رأيهم…

لكن يتناسى المنتقدون أن الإدارة الأميركية التي تدير البلاد حسب مشيئة مموليها تدير أيضاً معظم الحروب في العالم وتتسبب بها خاصة بعد أن وضعت الله جانبا واتبعت توجيهات «تجار الهيكل»…
ويتناسى المفكرون الملحدون أنه يوجد في الولايات المتحدة جمعيات لحماية البيئة والرفق بالحيوان وحماية الشجر وحماية الحيتان والدفاع عن حقوق الإنسان… لكن يحظر على المسيحيين الاعتراض على الإجهاض علماً أن الأرقام تشير أنه منذ سنة 1973 حتى اليوم جرى حوالي 54 مليون عملية إجهاض أي قتل الأجنة.
وتحول الإجهاض إلى تجارة مربحة إذ يتم خفية بيع الأعضاء للمختبرات والعيادات الخاصة والأطباء لإعادة زرعها.
وتقوم السلطات الأمنية باعتراض المتظاهرين أمام عيادات الإجهاض. فيما يجري تمويل جمعيات الرفق بالحيوان وتنفق الأموال على عيادات الإجهاض…
وأذكر قولا للأم تريزا عندما قالت في كلمة لها في الأمم المتحدة: «إن السلام مهدد اليوم بسبب الإجهاض لأنه أسوأ أنواع الشر وأكبر عدو للسلام. وإذا استطاعت الأم أن تقتل ولدها فما يمنعها أن تقتل نفسها والآخرين؟ لا شيئ…»
وتناسى أخصام الكنيسة أن الفرنسيين قاموا بالثورة الفرنسية التي فصلت الدين عن الدولة لكن الآميركيين قاموا بالثورة الجنسية وشجعوا على نشر الفساد في العالم بواسطة الإعلام والأفلام والانترنت وتعديل القوانين، وروجوا لوسائل منع الحمل وخفض الإنجاب والقتل الرحيم.
ففي سنة 2010 جرى إحصاء 48.337 موقع مرتبط بالجنس أو ينشر الأفلام الخلاعية في العالم. وعلى سبيل المثال فإن شبكة Porn Hub يدخلها في الولايات المتحدة 16 مليون مشاهد شهرياً و4 ملايين آخرين في العالم يومياً.
ويتناسى أخصام الكنيسة أن المحكمة العليا في الولايات المتحدة ألغت قرار الشعب الأميركي عندما أقرت زواج المثليين المخالف للطبيعة، رغم اعتراض الناس والمؤسسات المسيحية والإسلامية عليها.

< ماذا يحدث ميدانياً؟
بعد تعديل قوانين العنصرية والكراهية انطلقت حملات ملاحقة المسيحيين الذين يحاولون تبشير مثليي الجنسية ومن يتظاهرون أمام مراكز الإجهاض ويتهمونهم بالتطرف والتمييز العنصري وتعريض السلامة العامة للخطر والتسبب بقطع الطرقات وتعطيل حركة السير «ويلاحظ هنا أن القانون يستخدم لقمع حرية الرأي والمعتقد».
وغالباً ما يدان هؤلاء بينما تقوم عناصر الشرطة بحماية مظاهرات المثليين تحت ستار حماية الحرية.. حرية التعبير والتظاهر والخيارات الجنسية…
وجرى نزع الصلبان والصور والأيقونات وكل ما له صلة بالمسيحية في جميع المدارس وحظر عرضها بحجة الإساءة إلي مشاعر غير المسيحيين والتمييز العنصري.
في سنة 2015 نشر مركز الأمن القومي في الولايات المتحدة تقريراً خاصاً بالأديان وصف فيه المسيحيين بالإرهابيين خاصة من يلتزمون بتعاليم الكتاب المقدس. وحذرت الشرطة انها ستستهدفهم وتلاحقهم.
كما وصفت قيادة القوات الأميركية المبشرين بالعناصر المتطرفة، والمتدينين بالمتشددين الذين يجب وضعهم تحت المراقبة وعدم السماح لهم بحمل السلاح…
وتضيِّق الجامعات الأميركية على الطلاب المسيحيين وتقفل المراكز الدينية لديها كما تلاحق قوات الجيش المبشرين قضائيا خاصة من يروجون للإيمان داخل صفوفها.
وفيما تضيق الإدارة الأميركية على المسيحيين تطلق الحرية للبدع وعبدة الشيطان وتحرض على حمايتها وإنعاشها. لذا انتشرت البدع والطقوس الشيطانية في الولايات المتحدة رغم انها تروج لفلسفة الموت والقتل والدمار وغالبا ما يشارك قادة ومسؤولون في جلسات تحضير الأرواح الشريرة واستدعاء الشيطان والإعلان عن ولائهم له سيدا على هذا العالم.
فاليوم تعمل الأجهزة الأميركية برضى إدارتها على اضطهاد المسيحيين وتدمير العقائد والمثل التي يؤمنون بها، مستفيدين من هيمنة 4 بالمئة من السكان على 70 بالمئة من الأموال في البلاد.
فهل يجري قتل الله في الولايات المتحدة كمقدمة لفرض «المسيح الدجال» وإقامة نظام عالمي جديد وهذا مُرتبط بالحروب الدائرة الآن في أكثر من بلد خاصة في الشرق الأوسط مهد الأديان السماوية الثلاثة.