ألاء القيسي – سدني
لم نكن نحن، كانت غريزة البقاء، قتلنا إخوتنا ونهبناهم، كنا خائفين جدا من كل شيء، من الموت تحديدا، لم نكن ندرك كلمة « الأخلاق» حينها، كانت الغرائز والأجساد وحدها من يتحدث آنذاك، قال النُجاة من لعبة صراع البقاء..
لم نكن نحن، كان هناك شعور غريب يوحي لنا أن لا بد من معنى وراء هذه اللعبة، ارتقينا بهذه الأجساد قليلا، اخترعنا «الماوراء»، ألّفنا «الأخلاق» صار الإنسان أسمى قليلا، على الأقل صدّق أنه كذلك ، دغدغه ذلك الغرور ، فاسترسل، قال الفنانون المرهفون.
لم أكن أنا، كان حزني الوجودي ما جعلني أنطق باسمك وأؤلف كتابا بوحيك، لم أنوِ أن يقتتل الناس بسببك، وترتكب المجازر باسمك، أردت لهم الهداية، بصراحة أنا من اخترعتك وتماديت في منحك الصفات، لكن الناس ولسبب ما أعجبهم اختراعي هذا وصدقوني بلا سؤال، قال النبي.
لم أكن أنا، لم أنوِ تصديقهم، كنت صغيرا جداً حتى على الإنكار ، سرقوا مني الدهشة، كانوا جميعاً قد آمنوا وانتهوا وكانت أسئلتي لا تحتاج السؤال، سرّبوا لي الإجابات كلها قبل الامتحان، ماذا تتوقع يا رب من إنسان سرقوا دهشته!!
قال المؤمن.
لم أكن أنا، كان جسدي فقط من يفعل وكنت أصغي إليه ، لا أكثر، قالت الزانية..
لم أكن أنا، انا أتيت صدفةً، لا أدري كيف، مَرّا ببعضهما فأتيت، قال ابن السحت.
لم أكن أنا، كنت فقط أدافع عن الوطن، رميت القذائف حتى يعود، قال المحارب.
لم أكن أنا، كان جسدي فقط، مرّت به قذيفة فصرت بطلا، قال الشهيد الذي كان يوماً ابن سحت
كيف لنا أن نكون مذنبين أصلا!! هكذا أنا آمنت وكفرت، ولا أدري إن كنت تنتظر الحساب حقا فمن منّا سيحاسب الآخر!
إن كنت تنتظرنا حقاً، كيف لي ألا أسخر من حيرتك وأنت لا تدري كيف تفعل بذنوبهم وكيف لي ألا أؤمن بعبقريتك وأنت تتركهم يسرحون طلقاء بإرادة حرة!
أتدري ما هي معجزتك الكبرى ؟
هذا الاغراء اللذيذ بالماوراء، يجعلنا نعتقد أن ما يجري حولنا لم يكن بتلك البساطة، ان حياتنا بأعلى درجات تفاهتها أعظم من أن توجد بلا حكمة ، إن شيئا خفيا ذا معنى خلف كل قصة، هذا الفضول الذي يدفعنا كالحمقى للبحث أكثر فأكثر عنك، عن المعنى المتفلت كزئبق فلا نكتشف إلا حقيقة جافة مريرة يقبلها العقل على مضض لكن لا ترقى لخيالنا الجامح ولا ترضي غرورنا السقيم، خلقت هذه الكائنات بهذا الغرور والخيال، ثم قلت انا مختبئ فابحثوا وتفلسفوا، أنا أراكم من حيث لا تبصرون وأقضي وقتا ممتعاً معكم.