وصلني بالبريد المضمون الديوان الشعري الأول لـ«الجار» الصديق الشاعر أندرو حبيب .
وأقول البريد المضمون ، في زمن البريد الالكتروني الذي اثبتت الأيام انه قابل للأختراق ، على رغم كل أساليب الوقاية للحفاظ على الخصوصية ، بعكس البريد المضمون التقليدي .
والبريد المضمون عنيت به استلام كتاب من يد الشاعر الى يدي ، عبر ابن شقيقتي ، جورج بو غنطوس الذي اشتدت على شقيقته برنا الأحمال والأحزان فإذا به يأتي بها الى بلاد الدفء في زمن الصقيع والى بلاد الالفة والمحبة الصادقة في زمن كادت فيه المحبة ان تنتهي .
اعود الى أندرو حبيب وديوانه «صابيع بتعبّر شِعْر». هذا الشاب الذي تركته طفلا قبل هجرتي الأجبارية الى سيدني لأعود والتقيه رجلا بكل ما في الكلمة من معنى ، رجلاً مسؤولاً مؤمناً بقضية يدافع عنها بكل ما أُوتي من فكر ، ورجلاً مثقفاً لا متعلماً توقفت معرفته عند حدود التفوق في الهندسة .
أفرحني ان ارى في يدي وفي سيدني بالذات ديوانا شعرياً يأتيني من بلدتي «بحويتا» يحمل توقيع جاري وصديقي أندرو ، هذا الشاعر الذي تابعته عبر «الفايس بوك» ناشراً بعض القصائد فأُعجبت بجديته في الكتابة وبتهيبه الدخول الى محراب الشعر ، وعدم استسهال هذه المسألة ، ووجدت فيه وعداً جديداً من «بحويتا» ضيعة الشعراء انها لن تسلِّم تاج الشعر لغيرها بل سيبقى هذا التاج عنواناً لاسمها ولكل المطارح فيها .
من «بوعقل» الى أندرو حبيب ، ستبقى الشعلة في يد ابناء القرية التي قال عنها الشاعر الصديق البير حرب « تحت كل حبة تراب فيها بينبت شاعر» . وحين اطلق هذا القول كان الشاعر المبدع الصديق فؤاد نعمان الخوري يضيء الزمن الأسود المليء بالظلم والحروب بكل انواع الجمال والابداع ، من بحويتا الى بيروت ، وكنت اترافق معه على دروب الخطر والقذائف لكي ننشر الكلمه في كل لقاء شعري وندوة وأمسية ، ونقول ان القصيدة أقوى من الموت ولا تعرف الخوف .
كدت اتحسر على ذلك الزمن الجميل ، الى حين وصلني ديوان «صابيع بتعّبر شِعْر» ، فقلت ان الدنيا ما زالت بألف خير ، وان الشعر ما زال بألف خير ، وان الإبداع الحقيقي في ضيعتي ما زال بألف خير .
لا يختلف مناخ القصيدة الشعرية عند أندرو حبيب عن المناخ الذي عشناه في ضيعتنا ، فمن بساطة التعبير تخرج الحروف بأجمل الصور الشعرية وتنتهي الى قصيدة متقنة «السبك» لتصل الى آذان المستمعين وعيون القرّاء بأبهى حلة .
مثلنا يستعمل أندرو تعابير من صلب عاداتنا مثل «تَر» العرق اي الشرب بكثرة وكلمة «طنبروا « في قصيدة اول شروقي بعد فترة للدلالة على الأنتفاخ .
واذا كان فؤاد نعمان الخوري اول من دفع بإنتاجه الى المطبعة وتبعه كاتب هذه السطور في مطلع الثمانينات ، فإن ما نشهده اليوم يؤكد ان توجهنا كان صحيحا وضرورياً كي لا تبقى كتابة القصيدة مجرد هواية ، وهذا ما شهدناه مع شعراء أصدقاء من البلدة طبعوا بعضاً من إنتاجهم وهم الشعراء مجيد جورج ويوسف اسعد حبيب ونصر لحود وفرج مخايل على الطريق . ونتمنى على سواهم ان يطبع إنتاجه وأعني تحديدا الشاعر جان سليمان مخايل وجورج اسطفان بالاضافة الى جمع انتاج الشاعر الراحل عقل سليمان مخايل .
لا احصر الشعر بهذه الأسماء في «بحويتا» فقرية الشعر والشعراء كل من عاش فيها يقول «عالقليله قرادي» وهي من دون شك ستنبت اسماء اخرى ، وستبقى قبلة للشعر والشعراء الذين زاروها من كبيرهم الى صغيرهم من كل مناطق لبنان، وستبقى هذه البلدة في الوطن وفي استراليا منارة للعلم والثقافة والشعر والابداع .
* ديوان «صابيع بتعّبر شِعْر» 128 صفحة ،حجم وسط مطبعة القارح زغرتا .
من قصائد الديوان :
بتذكرك
بتذكّرِك…
كلما بكي تشرين
وكرجت دموعو زَخّ بالوادي
بتذكرك…
كلما تِكي الشربين
لاقي عَ كتفو تلج بزياده
بتذكّرك…
بوراق مصْفرّين
«لبست مشالح ريح» زوّادة
مِشْ حقّ
يا عصفورة النسرين
إنتي وطليقة وحدِك بهالجوّ
تبقي حلم بعيون صيّادي
… وبتذكّرك
كلما انْجرح موّال
والآخ «لِبْست مَشْلَح» سنيني
جرح القصيدة بيسْبق القوّال
والجلجلة
ما رح تْكَفّيني
ياما على خشبة صليب البال
كفّي انْسلخ
والحبّ عاميني…
مَعّلَيش يا عصفورة العرزال
ضلّك طليقة وحدك بهالجو
بُكرا الخشب بيتخّ عَ الهيني
ورحْ تنطريني…
وما تلاقيني!


