بقلم بيار سمعان

رئيس القضاة السابق ديفيد لاندا اتهم حكومة ولاية نيو ساوث ويلز بتجاهل التحذيرات التي اطلقها منذ اربع سنوات، عندما نبّه وزير السباق السابق جورج سوريس في سنة 2012 ان الفشل في تطوير القوانين الخاصة بالسباق جعلت مهمته كمدير عام لهذه الصناعة مستحيلة لأنها لا تسمح له بتحقيق اهدافه كرئيس لجنة مستقل تشرف على مختلف انواع السباق والرهان فيها.
في السابع من شهر تموز يوليو اعلن رئيس حكومة الولاية مايك بيرد ان ولاية نيو ساوث ويلز ستصبح الاولى في استراليا تحظر سباق الكلاب السلوقية وتلغي هذا القطاع بالكامل، بعد ان كشف تحقيق «ادلة دامغة على الوحشية المنظمة ضد الحيوانات، كما جرى الكشف عن مقابر جماعية للكلاب واستخدام الحيوانات الحية لتدريب الكلاب…» وهذا يتعارض مع قوانين الرفق بالحيوان.
وعملاً بتوصيات لجنة التحقيق التي يرأسها القاضي السابق مايك ماكهوغ والتي وجدت ان ما يقارب 68 الف كلب سلوقي جرى قتلهم خلال السنوات العشر الماضية لا لسبب صحي، بل كونهم غير صالحين للاشتراك في السباقات نتيجة لبطئهم. ويعتقد ان رئيس الحكومة تلقي تقارير داخلية من مسؤولين في قطاع سباق الكلاب شجعته على اتخاذ هذا القرار الجذري لإنهاء صناعة يقدّر دخلها السنوي 335 مليون دولار تقريباً.
يقول المفكر السياسي الايطالي نيكولو ماكيافيللي في كتابه «الأمير» ان من يريد انشاء دولة قادرة على العيش ومن يضع القوانين لها، عليه ان يفترض ان كل الناس هم اشرار وانهم سيتصرفون دائماً وفقاً للشر الذي يطبع نفوسهم كلما منحوا فرصة من الحرية…»
ويبدو ان مايك بيرد في قراره حيال قطاع سباق الكلاب السلوقية ومن يديرون هذه الصناعة من مدربين ومشرفين عليها ومربي الكلاب.. هم اشرار بنظره واساؤوا الامانة الموكلة اليهم. لذا اراد بيرد انهاء ظاهرة العنف ضد الحيوانات من كلاب سلوقية وارانب وخنازير صغيرة وغيرها، خاصة التي تستخدم حيّة لتدريب الكلاب والتي يسمح لها بالانقضاض على هذه الطرائد وقتلها والتلذّذ بطعم دمها مما يُحبذ من رغبتها على سرعة الركض لتكرار اللذة لديها…
المعنيون بهذه الصناعة قرروا نقل اعتراضهم الى المحكمة العليا لارغام رئيس الحكومة على العودة عن قراره من خلال التشكيك في موضوعية ومصداقية النتائج التي توصلت اليها اللجنة المحققة في صناعة سباق الكلاب. ويسعى هؤلاء الى طلب استبدال قرار الحظر بقرار تحسين شروط العمل على ان يلتزموا بتوصيات الرفق بالحيوان حفاظاً على  هذه الصناعة التي يعتاش منها آلاف العائلات والمدربين واطباء الحيوانات.
فالسباقات بشكل عام اصبحت جزءاً من مكونات الثقافة الاجتماعية في استراليا حتى اصبحنا نجد في كل منطقة اكثر من مكتب TAB، بالاضافة الى اللعب من خلال الشبكة الالكترونية. كما يوجد في ولاية نيو ساوث ويلز 36 مركزاً لسباق الكلاب السلوقية.
ووجد تقرير اعدته مفوضية حكومية ان ما يقارب من 2700 وظيفة بدوام كامل مرتبطة بهذه الصناعة وتساهم في اقتصاد الولاية. وبالمقارنة يوجد 21 الف وظيفة بدوام كامل في سباقات الاحصنة و3500 على علاقة بها.
وكشف التقرير ايضاً ان 1561 وظيفة اخرى لها علاقة بسباق الكلاب السلوقية ويتوقف مصيرها على قرار الحكومة، وتبين ايضاً ان 36 بالمئة من موظفي سباقات الكلاب و64 بالمئة من عمال سباق الاحصنة هم موجودون في المناطق الريفية خارج مدينة سدني.
وتبين ان 15 الف شخص، ومن ضمنهم 13 الف على علاقة ما بإنتاج وتربية ورعاية وتدريب الكلاب السلوقية، وان حوالي 282 الف مواطن حضروا سباقات الكلاب خلال سنة 2012 – 2013.
هذه الارقام تعطي فكرة عن حجم هذه الصناعة ومدى تشعبها وانتشارها داخل المجتمع. وان قرار الحظر اذا جرى تطبيقه قد ينعكس سلباً على آلاف المواطنين.
< المحكمة:
غير ان المحكمة استمعت الى العديد من الافادات وذكر امام القضاء ان 50 بالمئة من الكلاب التي يجرى تربيتها بهدف المشاركة في السباقات تقتل لعدم كفاءتها وان 20 بالمئة من الكلاب المشاركة يجرى التخلص منها لاحقاً لاصابتها خلال السباقات.
واكد شهود عيان ان 90 بالمئة من المدربين يستخدمون طرائد حية خلال التمارين. كما كشفت الـ ABC خلال برنامج 4 Corners انه يجرى استخدام الارانب والخنازير الصغيرة والبوسوم كطعم حي خلال دورات التدريب. وخلصت اللجنة القضائية الى الاستنتاج ان استخدام الطريدة الحية هو امر شائع وتقليد متبع في التدريب.
وعلم ايضاً ان 98 الف كلب سلوقي ولدوا في نيو ساوث ويلز خلال 12 السنة ماضية لكن لم يشارك منهم في السباقات سوى 6800 كلب. البعض لم يسجل لدى الدوائر والبعض الآخر قتل وقسم منها جرى تصديره الى بلدان تستهلك لحوم الكلاب.
وذكرت التقارير ايضاً وجود مدافن جماعية في اكثر من منطقة خارج مدينة سدني. واستنتجت ان هذه الصناعة فشلت في معالجة كيفية التدريب بالطريدة الحية، كما فشلت في حماية الكلاب غير الصالحة. ويفهم من فحوى الكلام ان هذه الصناعة دموية يقتل فيها الطرائد الحية والكلاب على حد السواء.
ووصف مايك بيرد الافادات والادلة حول مدى القساوة مع الحيوانات «انها وحشية ومرعبة»..
وما شجع رئيس حكومة الولاية على اتخاذ هذا القرار ان العديد من الدول حظرت سباق الكلاب فيها بالكامل ومنها 40 ولاية اميركية، وجنوب افريقيا، بينما تسمح 21 دولة اوروبية باقامة السباقات المجانية دون رهانات، اما السباقات التجارية التي تنظمها قوانين خاصة فهي قائمة في 8 دول وهي استراليا، المكسيك، ماكاو (الصين) نيوزلندا، ايرلندا، المملكة المتحدة و5 ولايات اميركية.
< اعتراضات مبدئية
من المفترض ان تتفاعل اية حكومة تواجه اشكاليات في اي قطاع او قضية وان تلجأ الى معالجة الاشكاليات من خلال اعادة النظر في القوانين والشروط المعتمدة وان تشدد تطبيقها عملاً بالقانون. وهذا ما كان ينتظر ان تقوم به حكومة مايك بيرد ، خاصة ان التحذيرات والانتقادات كانت توجه منذ سنوات للواقع «الدموي» الذي يصيغ سباقات الكلاب ولرواج الاستغلال على اكثر من صعيد.
وعملاً بالموقف المبدئي الذي اتخذه رئيس حكومة الولاية، ارغب ان اذكّر مايك بيرد على سبيل المثال لا الحصر ان الرفق بالحيوان هو امر مهم، ولكن الرفق بالانسان اهم بكثير.
وفيما قتل 58 الف كلب سلوقي خلال السنوات العشر الماضية، جرى بالمقابل قتل 292 الف جنين في ولاية نيو ساوث ويلز بين السنوات 2004 و2014، وهذا هو احصاء الاجهاضات المسجلة في الميدي كير، ولا احد يعلم عدد الاجهاضات التي اجريت سراً في عيادات خاصة على نفقة صاحبها.
لم نسمع ان رئيس حكومة او مسؤول قدم احتجاجاً على قتل الأجنة في استراليا. فهل اصبحت الكلاب اكثر قيمة من الانسان وحياتها اهم من حياة اطفال استراليا؟
واطرح تساؤلاً آخر: أيعقل ان نرضي أقلية من خلال تطويع الأكثرية. وهل من المقبول اعادة توصيف العائلة ارضاءً لواحد بالمئة من المثليين من سكان استراليا؟
يبدو اننا نعيش الآن في زمن القرارات المتطرفة البعيدة كل البعد عن الحلول الوسطية، التي ترضي وتفيد اغلبية المواطنين.
فما هي الخلفيات الفلسفية والسياسية التي تحدد سياسة الحكومات في استراليا والعالم؟
وهل تحول كل الناس اشراراً بنظر مايك بيرد؟؟
pierre @eltelegraph.com