بقلم بيار سمعان

في اعقاب ازمة الشرق الاوسط شهدت الشواطئ الاوروبية تدفّق اعداد غفيرة من اللاجئين، عبر ثلاث بوابات رئيسية: الاولى عن طريق تركيا مروراً باليونان وايطاليا وليبيا نحو ايطاليا والمغرب نحو اسبانيا.
ولم تقتصر عملية اللجوء على المتضررين من السوريين والعراقيين، بل شملت موجات طالبي اللجوء افغان وباكستانيين وليبيين وجزائريين ومغاربة بالاضافة الى الافارقة من نيجيريين وغانيين وصوماليين وسودانيين وغيرهم.
ويستفيد هؤلاء من اتفاقية فتح الحدود بين دول الاتحاد الاورروبي للانتقال الى البلدان التي يرغبون العيش فيها. وحلّت الدول المتطورة اقتصادياً والتي تتميّز  بنظام الضمان الاجتماعي المتطور للاقامة فيها مثل المانيا والنروج والسويد وفرنسا وغيرها.
وكان نصيب المانيا، كونها بلد صناعي متطور الحصة الكبرى، ثم تلتها دول اخرى، منها السويد التي ارغمت حكومتها على استئجار سفينة سياحية Ocean Gala تتسع لحوالي الفي شخص وبكلفة 92 الف دولار يومياً، خصصتها لإقامة اللاجئين ريثما يتم توفير المسكن لهم. وتضم السفينة 768 غرفة الى جانب مسبح ووسائل ترفيه ورياضة.
ان تدفق الملايين من الناس اليائسين ومعظمهم من البلدان التي مزقتها الحروب في الشرق الاوسط، خلقوا كابوساً اجتماعياً وسياسياً للقادة الاوروبيين. ورغم المخاطر التي واجهها اللاجئون في مغامرتهم المميتة احياناً، لم يتوقف هؤلاء من التوجه بشتى الطرق نحو اوروبا.
لكن الدول الاوروبية بدأت تعيد النظر في سياسة اللجوء التي اعتمدتها حتى الآن. فالمانيا ميركل قررت تشديد قواعد الحصول على اللجوء السياسي، كما قررت كل من فرنسا وايطاليا السير في هذا الاتجاه.
والسويد اتخذت مقررات متقدمة اذ اعلنت حكومتها مؤخراً اعادة حوالي 80 الف طالب لجوء الى بلدانهم الاصلية، كذلك قررت فنلندا ابعاد 20 الف من اراضيها. وقد يكون هذا القرار بداية مرحلة جديدة بالتعامل مع ازمة اللاجئين.
فما هي العوامل التي اوصلت السويد ودول اوروبية اخرى الى التشدّد حيال طالبي اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين؟
استقبلت السويد خلال عام واحد 163 الف لاجئ ليصبح عدد المسلمين فيها يقارب المليونفيما عدد السكان لا يتجاوز العشر ملايين نسمة. اي ان عشر سكان السويد هم من المسلمين. لكن العدد ليس وحده السبب في اتخاذ هذا القرار المفاجئ.
< اللجوء الجماعي:
عندما تنتقل مجموعات سكانية ضخمة من بلد الى آخر، غالباً ما تحمل معها الى جانب مشاعر القلق، كل النزاعات الداخلية والجراح النفسية الناتجة عن خسارة الاهل والمنزل والوطن. كما ينقل هؤلاء الكثير من مشاعر التطرف نتيجة التثقيف الثوري الذي سبق الانفجار والحروب في الوطن الأم. فالعقل العربي الذي اعتاد عدم مواجهة المشاكل بموضوعية وتجرّد، غالباً ما يلقي المسؤولية على الآخرين. فأوروبا بالنسبة للعديد من الشرق اوسطيين هي قارة مستعمرة، تدعم اسرائيل وتكره العرب. ويذهب البعض ابعد من ذلك الى اعتبارها بلد الكفر والالحاد وقلة الاخلاق. فهي السرطان الكبير والاسلام هو الحل الوحيد لعلاجها.
العديد من لاجئي اوروبا حملوا معهم هذه النظرة المتطرفة مقتنعين ان اوروبا هي مسؤولة عن مشاكلهم المتنامية، وعليها بالتالي ان تدفع ثمن اخطائها وممارسات الماضي الاستعمارية.
ورافق تدفق اللاجئين موجة من السلوكيات النافرة التي تعكس هذه الافكار المسبقة والغاضبة والرافضة فكرة التكيّف مع المجتمع المضيف.
ففي مدينة مالمو ارغمت السلطات على اقفال احدى المدارس التي تضم الف طالب معظمهم من اللاجئين (90٪) بسبب اعمال العنف فيها وتهديد الطلاب اللاجئين الاساتذة. فسادت فيها الفوضى والتحرشات الجنسية وكتابات باللغة العربية تدعو الله ان يلهم الشباب اللاجئ في اوروبا لكي يرهبوا «الكفار» في ارضهم ومنازلهم.
وفي حادث آخر قام لاجئون بالاعتداء على آلين كرانز، وهي ناشطة اجتماعية تأثرت بنداء البابا فرنسيس، ففتحت منزلها لإيواء اللاجئين. وجدت مقتولة ومرمية في احدى الغابات المجاورة.
كما اظهرت دراسة صدرت مؤخراً في السويد ان 90 بالمئة من اعمال الاغتصاب والاعتداءات الجنسية يقوم بها شباب لاجئون في لاشرق الاوسط وافريقيا، وهذا امر غير مألوف في بلد يتميّز بالاستقرار الاجتماعي الناتج عن الاستقرار الاقتصادي والنظام الخدماتي والرعاية الاجتماعية فيه قد تكون الافضل في اوروبا، بالاضافة الى احترام الحريات الفردية.
ومع صدور هذه الارقام تحولت السويد عاصمة الاغتصاب في اوروبا.
كما شهدت استوكهولم العام الماضي 5 ايام من المشاغبات، فاحرقت السيارات في الشوارع وجرى تدمير واجهات المحلات التجارية ونهبها، والقيت قنابل المولوتوف على رجال الشرطة والاطفاء.
كما جرى احراق مركز للاجئين ولزم 70 اطفائياً لاخماد نيرانه بعد ساعات طوال. وفي مناسبة اخرى قام لاجئون باضرام اطارات السيارات على احدى الطرقات السريعة وتسببوا باقفالها طوال ساعات احتجاجاً على كيفية طهي الطعام المقدم مجاناً لهم.
هذه بعض الاحداث النافرة التي وقعت في السويد، كما وقعت احداث اخرى في اكثرمن بلد اوروبي وادت الى طرح مسائل اكثر عقلانية تتعلق باختصار بمدى ملاءمة الاسلام مع الديمقراطية ودرجة التكيّف لدى المسلمين داخل مجتمعات غير اسلامية.
فقام متحف السويد للتاريخ بنشر كتاب حمل العنوان التالي: الاسلام: دين وثقافة ومجتمع. وعبر فيه السياسي السويدي Dag Sebastian Ahlander عن تخوفه من هجرةالمسلمين الى السويد معرباً عن خشيته ان تؤدي الى خلق نزاعات داخل المجتمع. ولفت ان الحرية الدينية في السويد هي مبنية على ملاحظات وقناعات شخصية. اما بالنسبة للانسان المسلم فالعديد من القوانين الحياتية اليومية يجب ان تبنى على الشرع الاسلامي مثل التعليم والمدارس المختلطة والتربية الجنسية وموقع المرأة ودورها في المجتمع، وذبح المواشي ومفاهيم الحلال والتعطيل نهار الجمعة وغيرها. وانتهى الى الاستنتاج ان هذه القضايا قد تصبح مع الوقت مصدر نزاع بين المهاجرين المسلمين والمجتمع، لأنه مبنية على مفاهيم عقائدية دينية يصعب المساس بها او تعديلها.
اما السياسي جيمي آكسون Akessonمن الحزب الديمقراطي يتساءل امام البرلمان حول مستقبل الاوضاع في السويد بعد العشرات من السنين، عندما يتضاعف عدد اللاجئين والمهاجرين ويتحولون الى اغلبية في بعض المدن.ووصف هذه الهجرة الكثيفة انها تشكل اخطر تهديد خارجي للبلاد منذ الحرب العالمية الثانية.
وشدّد ان جوهر الخلاف مع المسلمين هو في النظر الى الديمقراطية ومدى قبولهم بها. وذكر ان المفكرين المسلمين ينظرون الى الديمقراطية انها نظام صنع من قبل الانسان ولخدمة الانسان بينما يميل المسلمون الى الايمان بحكم الله والخضوع اليه وليس لحكم البشر.
وذكر السياسي ان معظم الدول الاسلامية الاعضاء في اتحاد الدول الاسلامية لم يوافقوا على وثيقة حقوق الانسان الصادرة عن الأمم المتحدة، لكنهم وافقوا على مقررات قمة القاهرة التي طالبت باعتماد الشريعة الاسلامية على انها المنطلق الوحيد لحقوق الانسان شرط الا تتعارض هذه الحقوق مع الشريعة الاسلامية.
هذا الجدل الفكري ليس محصوراً فقط في السويد، بل اصبحت معظم الدول العربية تناقش مسألة التكيّف الاجتماعي ومدى قبول المهاجرين واللاجئين بنمط الحياة والمناخ الثقافي وتبني القوانين المحلية على انها صالحة للعيش في ظلها.
فقد بدأت اكثر من دولة تعيد النظر في قوانين وشروط اللجوء واصبحت اوروبا تميل الى منح تأشيرة دخول مؤقتة لمدة 3 سنوات يجرى خلالها مراقبة اللاجئين والمهاجرين واتخاذ قرار اما بابعادهم او قبولهم في البلد المستضيف. كما عمدت الدول الاورروبية الى تشديد المراقبة على حدودها. وهذا ما يتعارض مع قرار فتح الحدود بينها.
والى جانب التكيف والقبول هناك مسائل اخرى لا تقل اهمية، وهي مدى استغلال بعض اللاجئين لتنفيذ اعمال ارهابية، اذ توجه «داعش» دعوات متكررة لمسلمي اوروبا ان يعبثوا بأمنها، كما يتساءل سياسيون اوروبيون حول انخراط اللاجئين والمهاجرين المسلمين في العملية الانتاجية وفي قطاع العمل بشكل عام.
ففي الحالة السويدية تبين ان 474 شخصاً  فقط من اصل 120 الف لاجئ يعملون وينتجون، فيما يعتاش الآخرون على حساب نظام الرعاية الاجتماعية.
فهل تشهد اوروبا موجة جديدة من ترحيل اللاجئين لأنهم فشلوا في احترام مبدأ الضيافة؟
pierre@eltelegraph.com