بقلم أمان السيد – سدني

عالمان مختلفان جدا.. الفن والسياسة.. الفن الذي يستدعي انزياحا مطلقا إلى الجمال، والسمو الروحي، والفكري بأبعاده الشمولية التي يحملها، والسياسة التي هي مرتع للنقائض الغريبة المبنية على منطق التسلط، والقوة، وتغليب الأهواء والمصالح؟!..
ما الذي يجعل هذين العالمين يختلطان الاختلاط الغريب الذي يؤدي بالمبدع تحت أي مسمى إلى حشر نفسه في السياسة، والخوض فيها، والخروج بآراء تدوي كالقنابل فوق رؤوس المتضررين والمنكوبين..
هل من حق الفنان الذي يعتبره جمهوره مثلا، ومتنفسا أحيانا أن يخوض مع الخائضين، ويتنبى آراء حكومة ينتمي إليها تساير موقفا على الأرض قد يكون فيه من الظلم ما يبقر العيون، ولا يختلف فيه اثنان من العقلاء أو ذوي البصيرة، أم أن المبدع إنسان عادي قد تميل به منافعه ومصالحه إلى الجنوح مع سفينة الحاكم ليلبيها؟!
هل يمكن اعتبار المبدع كائنا خاصا بذاته منسلخا في فنه عما يجري عن الأرض، أم أن المقولة القديمة عن الالتزام عند الفنان، أو الكاتب أو الأديب هي واجب يطوق عنقه، وعليه أن يشعّ فيما يبدع، أو ينتج؟
في التاريح أمثلة لمبدعين كانت لهم آثار في إرهاصات الثورات، أو التغييرات، أو التعبير عنها، أو النأي بأنفسهم عنها منطلقين من الإحساس بالاضهاد الذي لحق الشعوب التي ينتمون إليها، أو في انحياز تام لقيم الجمال المطلق بما يحمل من المشاعر الراقية الصافية..   سق على ذلك ما قدمه الرسام الإسباني فرانثيسكو دي غويا  في فنه من صور الاضطرابات السياسية والاجتماعية في زمنه، أو بيكاسو في وقوفه ضد فرانكو في أعمال كثيرة منها لوحة غيرنيكا المعروفة، وتولستوي، وبابلو نيرودا، ومحمود درويش، وأمل دنقل، ونزار قباني، وعلي فرزات الذين يعتبرون أيقونات ناطقة بتناقضات العوالم التي ينتمون إليها فيما أبدعوا..
فهل يكون السير في ركاب السياسة مبشرا لسقوط أزلي عند بعض المبدعين الذين لمعت نجومهم يوما لمواقف تبدت منهم تجاه ما يحصل في وقتنا الراهن، أم أنها حرية الركوب لاتجاهات تساير مصالح الأقوياء، وإن استهترت بالحق الناصع، أم يكون الصمت حيال المشهد في نأي بالنفس هو المستحب؟!