بقلم: تانيا باولي أبو عاصي

غالبا» ما تعجّ الأسواق في أستراليا بالمتسوّقين والمتسوّقات مع أو بدون مناسبات أوأعياد أوتنزيلات أوبداية مواسم،  «رشّ الرمل ما بيبان»، حتى أنّ ايجاد موقف للسيارة يكاد ان يكون بمثابة ربح اللوتو. وإذا أقفل السوق لمدّة نصف نهار تشعر الناس بالضياع والحيرة والتشتّت فأين يذهبون وماذا يفعلون وبماذا يتسلّون اذا كان السوق مقفلا».
والبعض يمضون اوقاتا» في الأسواق تتجاوز الأوقات الّتي يمضونها في منازلهم. حتى أنّ زائرة لبنانيّة كبيرة في السنّ كانت تتحدّث مع رفيقتها الّتي وصلت بعدها بقليل الى استراليا والّتي كانت تتساءل «اين الناس ولما البيوت فارغة من ناسها؟» فما كان لها أن تجيبها إلا «بالسوق، بالسوق!!» أي الناس بالسوق. وعندما نذهب الى السوق يراودنا نفس الشعور وكأنّ أستراليا برمّتها في السوق.
وكثيرا» ما نقرأ في الإعلام أنّ بعض النساء اتّخذن اجراءات صارمة تجاه التسوّق نظرا» لإعتبارهنّ مجتمعنا مجتمعا» مبذّرا» ومستهلكا» بإمتياز، فاتخدن القرار بعدم شراء أي شيء جديد لمدّة عام كامل. ولدى انتهاء المدّة تكلّمن عن خبرتهن وعن شعورهن بالفخر لأنّهن استطعن السيطرة على أنفسهنّ والتوفير على جيوبهنّ وعلى البيئة واستطعن وضع حدّ لتخمة خزائهنّ الّتي تفيض بالملابس والأحذية ولهدر أموالهنّ وتراكم الديون عليهنّ.
وقد يراود البعض الشعور بأنّ ذلك ليس بالأمر الصعب، ولكن كيف يمكننا تحقيق هذا الإنجاز في ظلّ الكاتلوغات والتنزيلات الّتي تنادينا من كل ناحية وصوب. وماذا لو كان التسوّق هواية وتسلية ومتعة ومنفذ للأعباء والمشاكل الحياتيّة اليوميّة؟ وكيف نتجاهل الألوان والموديلات والموضة الآخذة في التغيّر يوما» بعد يوم؟ ناهيك عن مشكلة البضائع الّتي تصنع بشكل لا يدوم ابتداءا» من الثياب والأحذية وانتهاءا» بالكهربائيّات والالكترونيات والّتي غالبا» ما تكون كلفة تصليحها أغلى ثمنا» من كلفة شرائها وكأنّه يراد من المستهلك الإستمرار في الرمي والشراء. حتى اقتصاديّا» كلّما ارتفعت ثقة المستهلك بالاقتصاد كلما أقدم على الشراء، ويعتبر الشراء أحد علامات تعافي الإقتصاد أمّا عدم الشراء فهو مؤشرا» على الركود الإقتصادي.
وكيف نواجه التغيير في أنماط واستراتتجيات البيع، ففي الماضي كنّا ندخل ونخرج من المحل دون أيّ تدخّل من الباعة أمّا اليوم فيلاقيك البائع بالترحاب ومن ثمّ يقدّم لك يد المساعدة ويبدأ بطرح السؤال تلوى الآخر عليك ويحاول اقناعك بالشراء حتّى أنّ بعض الباعة يعلّقون إذا قرّر المتسوّق أن يخرج من المحل دون الشراء بالقول»يا للأسف لم تتوفّق اليوم؟؟» وكأنّ الشراء علامة على التوفّق. ثمّ يلاقيك الباعة بالترداد على مسامع كل متسوّق وبالرغم من اليافطة على الباب وعلى البضائع  والتعليقات «لدينا تنزيلات اربعين أو ستين في المئة اليوم!!»، وذلك لإلا غابت عن نظرك الكتابة بالخط العريض على باب المحل.
ومن ثمّ تشدّك رائحة وألوان محل الصابون والمستحضرات التجميلية المركّبة فتلاقيك البائعة وتسألك عن يومك وتقدّم لك النصح فلديها صابون للإنفلونزا وآخر لصداع الشقيقة ولكل داء على وجه الأرض صابونة.
ومن ثمّ يلقي سلام معرفة عليك بائعا» يقف خارج محل لبيع المستحضرات التجميليّة فيستعير انتباهك ظنّا» منك أنّه من معارفك أو أقاربك، فيستجلبك ويحاول بشتّى الطرق اقناعك بفاعليّة المستحضرات الّتي وضعها على بشرتك ويذهب به الأمر بأنّ يدّعي قائلا»ّ «زوجك لن يعرفك عندما يراك اليوم!!»، وذلك لمجرّد أنّك استخدمت او جرّبت المستحضرات الّتي يروّج لها.
هذا المحل 40 % وذلك 60% وحتى محلات بيع المجوهرات تقوم بتنزيلات تصل الى الخمسين بالمئة، وفي خضمّ عجقة الأسواق ينسى البعض أو يتناسى أنّ خزائن الملابس في المنزل طفح كيلها وبطاقات الإئتمان تعنّ من وطأة الديون.
هل نتسوّق أو لا نتسوّق؟ أنا لست هنا بموضع إسداء النصائح ولكن خير الأمور الوسط ومن الحكمة بمكان أن يتّخذ كل فرد القرارات الصائبة والملائمة لوضعه المادي والاقتصادي والتروّي في الشراء خاصة» اذا كانت الخزانة متخمة بأحدث الملابس والأحذية والعطور والمجوهرات الخ… ورأفة» ببطاقات الإئتمان المثقلة بالديون.