بقلم/ بيار سمعان
من اولويات الهموم التي رافقت وجود جاليات اسلامية في استراليا كان الهم التربوي والتعليمي. حتى سنة 1975 التي شهدت وصول اعداد كبيرة من العائلات اللبنانية المسلمة، اقتصر التعليم والتوجيه الديني على المنزل والمسجد.
ومع افتتاح اول مدرستين اسلاميتين في استراليا سنة 1982 طرح على القيّمين سؤالان آساسيان: الاول يتعلق بمكونات التعليم الاسلامي (في مجتمع غربي) والسؤال الثاني يتعلق بالمدارس نفسها: هل هي عامل صالح لدمج المسلمين في المجتمع ام انها عامل تقسيمي يفرز المسلمين عن سواهم من غير المسلمين. وهل تبعد المدارس الاسلامية الاطفال المسلمين عن سائر الاطفال من غير المسلمين؟؟
لقد كتب القليل عن المناهج التعليمية التي تعتمدها المدارس الاسلامية، رغم اكتفاء البعض بالاعلان انهم يتبعون المنهج الذي وضعته دائرة التعليم والحكومة الفيدرالية.
الرأي السائد لدى العائلات المسلمة انهم لا يرغبون بالانعزال عن المجتمع الاسترالي وابعاد ابنائهم عن المحيط الاجتماعي الذي يعيشون فيه. لذا طالب الاهالي باعتماد نظام تعليمي مشترك يجمع بين المناهج الاسترالية والثقافة العربية والاسلامية وما يرافق ذلك من مثل واخلاقيات دينية.
الكاتبة ايرين كلاين التي اجرت ابحاثاً مكثفة حول المدارس الاسلامية في استراليا تؤكد ان معظم المسلمين في هذه البلاد يطالبون ان تلجأ المدارس الاسلامية، الى توفير التعليم لابنائهم واعدادهم للعيش في مجتمع متنوع ومتعدد ومتسامح ولا يشجع الاهالي، حسب رأي الباحثة ان يجري تلقين ابنائهم افكاراً دينية متطرفة لكنهم بالمقابل يرغبون ان ينشأ ابناؤهم في محيط آمن يخلو من المخدرات والأباحية الجنسية والفلتان المسلكي، ويتلقون بالمقابل التعليم في اجواء اسلامية قائمة على الاخلاق والمثل الدينية.
وعملاً بتوصيات مؤتمر الدول الاسلامية الذي عقد في جدة سنة 1977 وطالب فيه المؤتمرون بدعم التعليم الاسلامي لمواجهة تأثيرات الثقافة الغربية، وخوفاً من الذوبان في المجتمع الاسترالي الكبير، جاءت هذه المدارس لتلبي رغبة الاهالي بتوفير اجواء آمنة نفسياً وجسدياً واخلاقياً ودينياً للطلاب المسلمين.
وما ينطبق على المدارس الاسلامية ينطبق على سواها ايضاً.
< مدارس اسلامية منذ 1983
اول مدرستين اسلاميتين ظهرتا سنة 1983 ولدوافع مختلفة. الاولى كانت مشروعاً نفذه المجلس الاسلامي الاسترالي (AFIC) الذي انشئ في مطلع السبعينات لاصدار شهادات الحلال للمواد الغذائية المصدرة الى الدول الاسلامية ثم وسّع نشاطه نحو قطاع التعليم فبنى مدرسة الملك خالد الاسلامية في ملبورن.
اما في سيدني، فمدرسة النوري انطلقت بمبادرة من السيدة سلمى وصديق باكلي. وهما استراليان اعتنقا الاسلام. قررا السير في هذه المبادرة بعد ان رفضت احدى المدارس الخاصة ان ترتدي ابنتها الحجاب خلال الدوام الدراسي. واصبحت الآن مدرسة النوري معهداً ضخماً وحديثاًَ يضاهي افضل المدارس.
< الصعوبات
من ابرز الصعوبات التي واجهتها المدارس تختصر في عدة امور : الحصول على ترخيص بناء في مجتمع لا يتفهم دائماً الفروقات الثقافية وتاريخ المجتمعات الاسلامية، وهذا ما يفسر المعارضات التي تظهر من حين لآخر تعارض بناء هذه المدارس في مناطق معينة. وقد ساهمت موجة العنف وظهور منظمة «داعش» والمنظمات المتطرفة بزيادة مخاوف الناس، حتى اصبح البعض ينظر الى المسلمين انهم جميعهم «داعش» ، وهذا يتعارض مع الحقيقة الموضوعية، اذ ان المسلمين يعانون كسواهم من ممارسات «داعش» المتطرفة.
المشكلة الثانية تتعلق بالتنوّع العرقي والثقافي داخل الجاليات الاسلامية في استراليا. فالمسلم اللبناني يختلف عن المسلم الصومالي والافغاني والتركي في امور عديدة. وارضاء طموح الاقليات المختلفة سبب بعض المشاكل خاصة على المستوى الاداري.
الاشكال الثالث والأهم يتعلق بالتوفيق بين المناهج التعليمية المعتمدة في الولايات الاسترالية وطموح الادارات والاهالي ان تكون هذه المؤسسات التربوية اسلامية الميول، خاصة ان العديد يؤمنون ان الاسلام هو دين ودنيا، نظام اخلاقي تربوي وحياتي متكامل.
هذه الوضعية الدقيقة تخلق بالواقع اشكالية مبدئية تتعلق بالمقاربة العملية للدمج بين المنهجين.
اما الاشكال الاخير، والذي ظهر مؤخراً في وسائل الاعلام والزم تدخل وزارة التعليم على المستويين الفيدرالي والولاية فيتعلق بالشق الاداري والمالي للمدارس الاسلامية.
< المدارس بين الرسالة والتجارة
يدرك كثيرون ان دول الخليج عملاً بتوصيات مؤتمر الدول الاسلامية قد خصصت اموالاً طائلة لدعم التعليم الاسلامي وتدعيم الثقافة الاسلامية في استراليا.
وفيما يمتلك مسيحيو الشرق الاوسط معاً حوالي عشرة مدارس مسيحية عربية، يوجد الآن العشرات من المدارس الاسلامية المنتشرة في معظم المدن الاسترالية، خاصة في سدني وملبورن. واذكر على سبيل المثال المدارسة التالية: الهداية، المعهد الاسلامي الاسترالي (3) (غرب استراليا) الحكمة (لاكمبا) ، النوري (غرينايكر)، الصديق (ياغونا)، الزهراء ( ارنكليف)، الفيصل (اوبرن ومينتو) ، الاركان (كينغزكروف) ، المعهد الاسلامي (الملك عبد العزيز) معهد بلفيلد (روزمور)، مدرسة غرين فالي الاسلامية معهد إقرأ (مينتو) ، الملك فهد (غرينايكر)، القبلة (مينتو)، الرسالة (لاكمبا) معهد الوحدة آسترال) ، معهد Western Grammar .
هذه بعض المدارس معظمها في سيدني وحدها وتعطي فكرة مصغرة عن حجم الاقبال عليها وهي موجودة بفعل المساعدات المالية، خاصة من دول الخليج. بعضها تحت اشراف المجلس الاسلامي الاعلى، والبعض الآخر برعاية مؤسسات شبه مستقلة.
وتقوم حكومة الولاية والحكومة الفيدرالية بتوفير المساعدات المالية لها اسوة بجميع المدارس الاخرى. ويتوقف حجم المساعدات على عدد الطلاب وتصنيف المدرسة من قبل الحكومة.
وتبين منذ عام ان المدارس التي يشرف عليها المجلس الاسلامي الاعلى تعاني من اشكاليات عديدة تتعلق بحسن الادارة على المستوى المالي والتعليمي. وهذا ما تبلور منذ سنوات، خاصة في مدرسة الملك فهد حيث جرى استبدال مدراء المدرسة اكثر من مرة واحدة خلال العام الواحد، مما يشير الى وجود خلل ما.
وامرت وزارة التعليم باجراء تحقيق حول المناهج والادارة وكيفية انفاق الاموال المخصصة لتعليم الطلاب. وهذا ما دفع وزير التعليم الفيدرالي الى اصدار قرار بوقف تمويل مدرسة الملك فهد (19 مليون دولار) والمعهد الاسلامي في كانبيرا. كما يجري التحقيق في 5 مدارس اخرى يشرف عليها المجلس الاسلامي الاعلى.
للاسف الشديد، يبدو ان البعض ينظرون الى المدارس على انها مصدر اثراء لهم وليست فقط رسالة تربوية تثقيفية. وان ما يحدث مع مدارس المجلس الاسلامي سوف يسلط الاضواء على جميع المدارس الاسلامية في استراليا ويدفع المسؤولين للتحقيق في المناهج والادارة والتمويل.
فمتى يضع الشرق الاوسطيون الانسان المناسب في المكان المناسب. وهل تحول تعليم اللغة العربية الى مطية سهلة للاستفادة من دعم الدول العربية للمؤسسات التربوية والاثراء من الاموال التي تقدمها الحكومة الاسترالية لدعم التعددية الثقافية في البلاد؟
في السابق طالبت المسلمين ان يلعبوا دور الموارنة في الحفاظ على اللغة العربية. اتمنى ألا تتحول اللغة والتعليم الى وسيلة اثراء وفرز اجتماعي.
pierre@eltelegraph.com