رئيس حكومة ولاية نيو ساوث ويلز الأسبق، بوب كار على علاقة طيبة مع الجاليات الشرق أوسطية بشكل عام واللبنانية بنوع خاص… فكان يلبي الدعوات لحضور حفلاتنا ومناسباتنا. وقبل في إحدى الصيفيات زيارة لبنان وامضى حوالي عشرة أيام سائحاً يجوب المناطق ، يأكل ويشرب ويلتقي العديد من أبناء الجالية هناك.
بعد عودته إلى استراليا التقيته في إحدى المناسبات وسألته عن زيارته إلى لبنان وهل استمتع وما هي الأمور التي اكتشفها.!!
بوب كار السياسي العلماني الملحد؟؟
أجاب قائلاً: في لبنان، اكتشفت الله.
(In Lebanon I discovered God) لا أنكر أنني فوجئت بجواب رئيس حكومة الولاية. فهو لم يكتشف الله في استراليا بلد العدالة والإنسانية، واكتشفه في لبنان بلد الفوضى والنزاعات والاقتتال… حتى باسم الله ومن أجله.
وأنا ابن تلك الأرض «المقدسة» ادركت بعمق ماذا يعني بوب كار في جوابه، لأنه أحس بالفعل أن الله موجود في حياة ذاك الشعب رغم كل المفارقات …. انه موجود في سهولهم وجبالهم وعلى كل مفرق من طرقاتهم الوعرة… موجود في حياتهم اليومية، في تعاطفهم ونزاعاتهم.
ذاك الشعب الذي يعيش تناقضات كل المشرق عصرنة كل الغرب، لم يغب الله عن حياته في كل تفاصيلها، فالناس يحملون اسمه (عبد الله، سعد الله، خير الله، نصر الله) يبدأون نهارهم معه، وينهون أيامهم بذكر اسمه والاتكال عليه. وهو حاضر في كل مراحل حياتهم ومفاصلها لدرجة أنهم أصبحوا يستأثرون به ويسعون لخصخصته. ألبسوه عباءاتهم ووصفوه في كل ما تمتلك اللغة العربية من أوصاف وأسماء، والصقوا به كل مخاوفهم ومشاعر القلق لديهم والخوف من المجهول… «والسترة» من حكامهم وأخصامهم.
وذهب البعض أبعد من ذلك وأصبح الله في نظرهم سبب كل علة ومصيبة «وضربة سخنة» تواجههم في حياتهم… وتحول «إله المحبة» إلى إله ظالم، ومعتدي يعاقب من يشاء ويتسبب بكل الأزمات. فإن وقع لأحد حادث سير بسبب سرعته الجنونية…. فالله أراد ذلك….!!
وإن تهاوت سيارة بمن فيها في إحدى الأودية بسبب وعورة الطرقات وخطورتها وإهمال البلديات، فالله أراد ذلك…!!
وإن مرض إنسان بسبب سوء التغذية وكثرة الأوساخ … فالله أراد ذلك..!!
وإن قام انتحاري بتفجير نفسه أو تفخيخ سيارة وقتل أبرياء عزل…. فإنها مشيئة الله…!!
شعوب لبنان والشرق الأوسط يمنحون في كل لحظة «صك براءة» للحكام الفاسدين ولتقصير الحكومات ولفساد الإدارات والمؤسسات ولفشل القيادات ويرمون كل تقصير على «الإرادة الإلهية»….
فمن يخسر وظيفته بسبب المحسوبية، يرمي كل الأسباب على الله. ومن يموت قبل أوانه بسبب قرار شخصي خاطئ أو أوامر عُليا مجحفة… فإنها إرادة الله… ومن يطلق زوجته اياتصق بعشيقته.
لا شكّ أن الله يعطي معناً لحياة الإنسان المؤمن وللأحداث التي يواجهها، لكن الله الخير لا ينتج شراً، وإله المحبة لا يتسبب بالأذية، وإله المغفرة لا يعاقب خليقته التي سمح بوجودها على هذه الأرض بفعل محبته…
والطامة الكبرى اننا استملكنا الله، وجعلنا منه زعيم قبيلتنا وعشيرتنا وطوائفنا لدرجة اننا نتقاتل من أجله، ونتخاصم بسببه، ونرتكب الجرائم دفاعاً عنه، ونقتل ونتعدى على جميع من لا يؤمنون به على طريقتنا…
اليوم كل الفواحش ترتكب تحت مظلته، ومعظم الجرائم تقع بسببه، وكل حروب المنطقة تدار تحت لوائه.
أنشأنا الجيوش للقتال عنه، والميليشيات لمحاربة أعدائة.
استحصلنا منه على وكالة حصرية لنشر تعاليمه كما نراها ونفهمها.
كم هو تعيس الله اليوم بسبب سخافة شعوبنا، وكم هم حزانى لبعدهم عن الله الذي يدافعون عنه…
كم نحن تعساء لأننا حوّلنا الله علة لتبرير نواقصنا وأخطائنا وجرائمنا… وكم هو حزين لأننا لم نفهم رسالته ونسيء يوميا إلى محبته…
كم نحن جهلة عندما لا نتجرأ على قول الحقيقة ونضع الملامة على مسبب الخطأ وفاعل الخطيئة، بل نرمي كل شيء على العزة الإلهية، خوفاً من حاكم أو ظالم، أو تبريراً لمكسب غير شرعي لقد أبدلنا وصاياه وشرائعه: لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشتهي…
كلها أخذت أبعاداً جديدة بعد أن ألبسناها حلة ضعفنا.
كم هو تعيس هذا الشرق اليوم.
انه ينتحر يوميا بسبب الجهل، ويقتل يوميا بسبب الكراهية، وهي ليست من الله…
انه يدمر بدل أن يبني، يدمر الإنسان ويدمر الحياة الكريمة لديهم، يدمر روح الله فيهم ويدمر الحرية التي ولدوا فيها، عندما كانت البراءة لا تزال في أعينهم…
حزين الله اليوم وعيناه دامعتان، كلما دمعت عينا ام فقدت ابناءها تحت الدمار دفاعاً عن الله…
حزين الله عندما يرى أناس يذبحون من أجله وإكراماً له…
وترتفع أصوات هنا وهناك تردد معزية كل الشعوب: لا تيأسوا… إنه القدر. هذه إرادة الله…!!
ما أقول!
لا ارغب بقطع كل الخيوط… الأفضل أن اكتفي مردداً: «خليها على الله…» فهو يمتلك كل الحقيقة.. وانه مصدر كل خير وكل محبة وكل حرية…. ومن لا يرى ذلك فليرمي بتهمة جديدة.
لقد تناسينا انه «أبانا الذي في السماء وان اسمه قدوس وستأتي ملكوته على الأرض كما في السماء وانه يمنحنا خبزنا اليوم ويغفر خطايانا إذا غفرنا إساءات الآخرين وانه قادر على حمايتنا من الذلات والتجارب إذا أدركنا عمق محبته…
للأسف تحول الله في الشرق إلى راية جهادية على كل المستويات.
خليها على الله..!!
Related Posts
وباء كورونا والحرب العالمية الثالثة