ناصيف خوري- كانبرا
قلّما تنجب الأمم أبطالاً يحفرون بصمتهم الفريدة في تاريخها، فتصبح إنجازاتهم فخراً لأوطانهم ومصدر إلهام للأجيال التي تسير على خطاهم. من الكبار استمد إيلي درويش ابن الستة عشر ربيعاً عشقه لكرة القدم، فلم يرض إلا أن يكون من الكبار.
في الخامسة من عمره قذف كرته الأولى على ملاعب الطفولة، فإذا بها تدخل شباك القدر الذي أوصله بعد سنتين إلى أكاديمية لكرة القدم في ضاحية تاغرانونغ جنوبي كانبيرا. هناك اشتد ساعده وتجلّت مهاراته فإذا بمدربيه يولونه اهتماماً خاصاً بعدما لمسوا فيه موهبة استثنائية وشغفاً بالكرة لا يملكه إلا من أعدتهم الدنيا لساحات المجد.
في عام 2009 سافر إيلي لأول مرة مع نخبة من اللاعبين المميزين الذين تم اختيارهم من بين 600 مرشح إلى سنغافورة ممثلاً لبلاده. وهناك كان الموعد الأول مع النجومية. سدّد الفتى الموهوب أهدافاً بالجملة وعاد بلقب أفضل لاعب في الدورة، حاملاً جائزته الأولى وهو في سن العاشرة.
في العام التالي اختبر الفتى تجربة الكرة اليابانية وتكرّرت إنجازاته في الملاعب. وعلى هامش تلك البطولة اختارته شركة أديداس العالمية للمشاركة في فيلم ترويجي لتعليم مهارات كرة القدم للاعبين الناشئين.
في إسبانيا عام 2013 دخل إيلي الملعب مجدداً، ولكن كقائد لفريقه. كيف لا، وقد باتت مهاراته محط إعجاب المدربين والجمهور ورفاقه على حد سواء. في هذه الدورة العالمية للناشئين تحت سن 13 عاماً، قاد النجم الواعد فريقه للفوز في عدة مباريات ضد فرق من مختلف أنحاء العالم، فاستحق عن جدارة لقب لاعب الأكاديمية وفاز بحذاء رياضي موقع من نجم المنتخب الأسترالي تيم كاهيل.
ومع بلوغه سن الثالثة عشرة، انطلق إيلي درويش إلى مرحلة جديدة أكثر تحدياً بانضمامه إلى أكاديمية «أكتاس» للناشئين تحت سن 15 عاماً، إلى جانب 16 لاعباً متفوقاً تم اختيارهم بعد تصفيات شارك فيها ما يزيد على 100 لاعب من مختلف أنحاء كانبيرا وضواحيها. وتحت مظلة هذه الأكاديمية المرموقة شارك فريق النخبة في مباريات ضد فرق تضم لاعبين أكبر سناً وحجماً وخبرة، ومع ذلك تتالت الإنجازات. ويذكر إيلي صعوبة تلك المرحلة، حين كان عليه أن يكون في كامل لياقته البدنية ويتدرب على نحو يومي لأكثر من ثلاث ساعات كي يجاري الفرق الأكبر سناً بذكائه الكروي الفطري.
ولكن الإنجاز الأكبر كان ينتظر. في عام 2015 انضم اللاعب إلى المركز الوطني للتدريب في كانبيرا ليواجه الفرق تحت سن 20 عاماً وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره. ولكن التحدي كان أكبر مما تخيّل. في الدوري الذي شكّل لحظة مفصلية في تجربته حتى ذلك التاريخ، احتل فريقه المركز الأول بعدد الأهداف والنقاط، إلا أن الفرق المنافسة حالت دون مشاركته في المباراة النهائية لعدم رغبتها في مواجهة خسارة قاسية أمام فريق من الفتيان المبدعين في كرة القدم. ولكن الرسالة كانت قد وصلت.
على الطائرة التي حملته إلى الولايات المتحدة في ذلك العام، كان إيلي يفكر بالمستقبل. ماذا تحمل له الأيام، وما هي الخيارات التي عليه أن يواجهها عما قريب؟ أمام الموهوبين تُفتح الأبواب على مصراعيها، ولكن الذكاء يكمن في اختيار الباب المناسب. لاحت أمامه فرصة الانتقال إلى أميركا حيث يمكنه متابعة دراسته ومسيرته الكروية في آن معاً، ضمن مناخ أكثر احترافية مما يمكن أن تقدمه بلاده. ولكنه إلى الآن ثابت في أرضه، في مدينته كانبيرا التي شهدت ملاعبها على إبداعاته، وتنتظر منه أن يقودها يوماً إلى مقارعة فرق المحترفين في باقي أنحاء أستراليا.