الكاتب معلوف الذي انضم قبل 4 سنوات الى الاكاديمية الفرنسية يكشف في كتابه هذا حياة ومغامرات ثماني عشرة شخصية اعتلت الكرسي رقم 29 في الاكاديمية الفرنسية، هم مجموع أسلافه من ارنست رينان إلى مونترلان، ومن جوزيف ميشو الى كلود ليفي شتراوس. ولا يقتفي معلوف اثر اسلافه من زاوية علم الانساب، كما فعل سلفه ليفي شتراوس، وانما يحيي بالجس والنبض، من خلال سيرهم، أربعة قرون من تاريخ فرنسا.
في هذا الحوار، تحدث معلوف عن تأثير الكلمة وبزوغ الهويات الطائفية ومفهومه للعقد الاجتماعي الجديد والعلمانية واستخدام الدين. واعرب عن ايمانه بقوة الكلمة في لحظة الدم والرعب. وهو الذي كتب قصيدة «خريف في باريس» بعد هجمات 13 نوفمبر الماضي التي أدمت العاصمة الفرنسية. «الكلمات ضرورية لأنها تعبير عن إرادة الحياة، ومقاومة الهمجية. اعتقد اليوم اننا قاصرون عن التفكير. نطلق أفكاراً من دون أن نستتبعها بمناقشات مستفيضة. واذا فعلنا فغالبا ما نستخدم المهاترات والقدح».
> اختلال العالم
قال معلوف انه ليس ممن يفقدون الامل. «صحيح ان الأمور لا تسير في الاتجاه الذي نريده، ولكن التاريخ لم يبخل علينا بالمفاجآت»، مذكرا بان القرن العشرين شهد انهيار نظامين دكتاتوريتين هما النازية والستالينية. حتى خطر الابادة بالاسلحة النووية الذي بدا وشيكا حين «كنت في مقتبل العمر، تلاشى بما يشبه المعجزة». اذا الاسوأ ليس مصيراً محتوماً. لكن القول وحده ليس كافيا بل يجب اقرانه بتحديد المشكلات بوضوح، والبحث عن حلول لها.
معلوف الذي حذر في كتابه «الهويات القاتلة» من ذوبان او اضمحلال العقد الاجتماعي وانبجاس الهويات الطوائفية.. وكرر التحذير مرة أخرى في «اختلال العالم»، اعلن للاكسبرس انه سينشر في المستقبل كتابا آخر عن الموضوع نفسه. «من غير المقبول أن يُنظر الى أي شخص كجزء من الجماعة فقط. فالعلاقة مع السلطة العامة تمر عبر المواطنة. أنا دائما متوجس وحذر عندما تتعامل السلطات العامة مع الجماعات. الشعور بالانتماء الى جماعة هو شعور شخصي يمارس في إطار خاص وفردي».
> الهجرة وفرنسا
عن قضية المهاجرين التي تقلق القارة العجوز، قال معلوف انها ظاهرة غير مسبوقة تنمو في أوروبا، وفي فرنسا على وجه الخصوص، «بل هي ظاهرة جديدة تاريخيا»، مطالباً الدول المضيفة بتحديد مطالبها من اللاجئ او المهاجر، «علما بان أوروبا ليست مهيأة لتكون ارضاً للهجرة مثل أميركا أو أستراليا. فإذا حدثت هجرة، ينبغي تحديد سبب وجودها وقواعدها. ان يعرف الوافد ما الذي عليه ان يحتفظ به من ثقافته الاصلية وما يجب التخلي عنه، واجباته وحقوقه تجاه البلد المضيف. لا يحدث هذا الامر من تلقاء نفسه، ولا يحل مع الوقت».
> فضائل الشك
ردا على سؤال حول الايمان والشك ومعنى قوله «عندما يصبح الإيمان حقودا، طوبى لأولئك الذين يشككون!»، أجاب معلوف انه يؤمن الى حد كبير بفضائل الشك. ما يصنع إنسانية الإنسان، هو الشك. «في الغبش، في تلك اللحظة التائهة بين الضوء والظلمة يتفتح المرء، ويتمدّد تفكيره وبصيرته وذاكرته، كما حاجته للفن والأدب والشعر».
لكن من يتحمل مسؤولية الايمان الحقود: الدين ام أولئك الذين يستخدمونه؟ «لا يمكن ان يكون أي دين موضع اتهام كدين. فنحن نبالغ في إعطاء أهمية للنصوص الدينية لأن أي نص، سواء كان دينياً ام فلسفياً، يصبح عامل تراجع من لحظة الاعتقاد بعدم المس به. لدي شكوك كبيرة بشأن تأثير الدين على المجتمع. في الواقع اظن ان المجتمعات هي التي تكيّف الأديان.
أوروبا هي التي كيّفت المسيحية. اوروبا عصر التنوير حولت المسيحية وصنعت منها دينا متوافقا مع الديموقراطية، مع التقدم، ومع العلم. انه دور الانسان في تحويل العقائد أدوات للتقدم وحضارة أو ادوات للتقهقر والهيمنة».
> لبننة العالم؟
لدى سؤاله عما اذا كان المجتمع الفرنسي اليوم مهددا بالانقسام، عاد معلوف الى وطنه الام لبنان حيث يُعرّف الناس تلقائيا على أساس انتمائهم الطائفي. بخلاف الفرنسيين الذين يتجنبون التعريف بأنفسهم من خلال انتمائهم إلى هذه الجماعة او تلك. «طوال شبابي كنت احلم أن يتغير المجتمع اللبناني تدريجياً وأن يتوقف الانتماء الديني عن أن يكون عاملاً حاسما في الحياة الاجتماعية والسياسية. للأسف، حدث العكس. بدلاً من تخلي لبنان عن الطائفية، ها نحن نشهد تمددها خارج لبنان الى دول الشرق الأوسط. حتى في فرنسا حيث تبدو هذه الفكرة اكثر عبثية، تسهم في ذلك مجموعة عوامل غير مرتبطة بتطور فرنسا. أعتقد أنها ظاهرة عالمية».