عقد في سدني منذ اسبوعين ندوة حول «الآثار السلبية» للافلام الأباحية على الشباب المراهق وصغار السن، شارك فيها مجموعة من الاطباء والباحثين الاجتماعيين.
وفي الأمس صوتت لجنة في المجلس التشريعي في ولاية يوتاه الاميركية على قرار تصنيف المواد الأباحية على انها تشكل ازمة صحية عامة. وعلى الرغم ان هذه التوصية هي مجرد قرار وليست قانوناً، فانها دون شك تشكل علامة مميزة لانطلاق مرحلة جديدة من الوعي الجماعي حول مخاطر المواد الاباحية.
ولم يأتِ هذا القرار كرد فعل لعقائد ومعتقدات دينية، بل نتيجة لابحاث واستنتاجات علمية، كما ذكر احد اعضاء مجلس الشيوخ عندما تقدم بهذا الاقتراح. فقال السيناتور تود ويلار (Weiler) «ان ما اقترحه ليس صادر عن كنيسة المورمون في ولاية يوتاه لأنه يعكس رؤيته لهذه الظاهرة… ان القضية هي اكبر واخطر مما تتصور. واستطرد قائلاً: انا اؤمن انها كذلك والعلم يثبت حقيقة ادعاءاتي. وعلينا ان نناقش هذه المسألة بجدية ومسؤولية لأن المواد الاباحية تؤثر على نسبة الطلاق وتنعكس على سلوك شبابنا، كما انها تؤثر على وحدة عائلاتنا ومستقبلها. انها تشكل خطراً على الصحة العامة وازمة حادة فيه.
وتجدر الاشارة ان تعبير «ازمة على الصحة العامة» يستخدم على سبيل المثال لوصف الحالة العامة عند انتشار وباء «الإيبولا» وسارز Sars وعند رواج ازمة حليب الاطفال في الصين، وعند الكلام عن مخاطر التدخين والادمان على المخدرات والكحول.
فهل الادمان على المواد الاباحية يشكل ازمة في الصحة العامة؟ وهل انعكاساته على المجتمع هي مدمرة.؟
رغم صعوبة الحصول على معلومات وارقام دقيقة، غير ان الواقع يشير ان صناعة المواد الاباحية هي صناعة ناشطة وضخمة للغاية.
وحسب تقرير نشرته صحيفة الايكونوميست Economist  يوجد على الانترنيت حوالي 700 الى 800 مليون شبكة الكترونية خاصة بالافلام الاباحية. ويوجد في الولايات المتحدة وحدها 60 بالمئة منها. وكشفت الارقام ان 80 مليار شخص دخلوا خلال سنة 2014 على هذه المواقع وشاهدوا افلاماً اباحية معينة، فيما قام 18 مليار بالدخول الى هذه المواقع.
فهل تشكل هذه الارقام مؤشراً على وجود مشكلة اجتماعية؟ ودافعت احدى الصحافيات مارتا كامبنر Kempner  عن هذه المواقع ورفضت مقولة Weiler  حول مخاطر المواد الاباحية على انها لا تشكل وباءً وازمة صحية. وردت قائلة : ان مشاهدة مثل هذه المواد لا يشكل وباءً ولا يؤثر حتماً على سلوك الافراد ولن تنعكس على مستقبل العائلات والمكونات الاجتماعية. واتهمت رجال السياسة انهم يفرضون آراءهم وميولهم على عامة الشعب وهم يقومون بحملة تخويف للرضوخ لتطلعاتهم السياسية.
غير ان مارتا كامبنر تتجاهل لسبب ما وجود الكثير من الادلة التي تثبت صحة ادعاء السياسي الاميركي والتحذيرات التي اطلقت في سدني حول هذا الموضوع. لكن للاسف، ان وجود الادلة لا تمنح هؤلاء دعم الشعب لاصدار قوانين تحد من حجم انتشارها واقرار تشريعات تضع حداً لهذه التأثيرات السلبية على المجتمع.
الاكاديمي الاسترالي مايكل فلاد طرح موضوع المواد الاباحية من منطلق انثوي، خلال مؤتمر عقد في جامعة نيو ساوث ويلز تحت شعار «نحو عالم خال من الاستغلال الجنسي»، ويسرد في كلمته الاضرار الموثقة للمواد الاباحية.
فقال: لقد اصبحت  الافلام الاباحية الوسيلة الاساسية للتثقيف الجنسي للصبيان والشباب واستبعدت بالتالي دور الاهالي في عملية التثقيف هذه وقللت من اهمية التوجيه في المؤسسات التعليمية كما خفضت من نسبة التحادث الحشري بين الشبان حول القضايا الجنسية. لكن ما يتلقاه الاطفال والشباب من هذه المواد الاباحية والشبكات الالكترونية المتخصصة هو الاثارة الجنسية التي تنزع الحميمية من العلاقات الجنسية على انها شعور مودة ومحبة وتواصل في العلاقات الانسانية. ويتعلم الشباب ان المرأة هي دائماً على استعداد لممارسة الجنس معهم  ولديها شهية جنسية يصعب اشباعها.
< انعكاسات سلبية:
وزاد الاكاديمي الاسترالي قائلاً: ان المرأة تشعر ان الرجل المدمن على الافلام الاباحية وهو يتستر على ذلك وكأنه يخونها جنسياً. فالافلام الاباحية تخفض من الحميمية في العلاقات بين الشريكين وتدفع المرأة للشعور بالاستغلال الجنسي لها لأن الشريك ينظر اليها على انها مجرد سلعة للتمتع الجنسي.
ولفت الباحث الاسترالي ان مشاهدة هذه الافلام تتحول مع الوقت الى ادمان، لكنه لا يشبه الادمان على المخدرات او الكحول. غير انه ميّز بين ثلاثة حالات من الادمان المرحلي  (في المناسبات) الى الشغف والتعلق بهذه المواد ثم الى الادمان المدمر، كما يصفه. وقال ان هذه الحالة من الادمان قد تتسبّب باضرار اجتماعية وصعوبات في العمل ومشاكل مالية نتيجة لذلك.
واكد الباحث الاسترالي ان الافلام الخلاعية تكرّس المواقف المتحيزة ضد المرأة، اذ اظهرت ابحاث كثيرة ان الرجال الذين يستخدمون المواد الاباحية هم اكثر قبولاً للمواقف المتحيزة والعنصرية ضد المرأة بشكل عام، وتغيب لديهم العلاقات الموضوعية المبنية على العاطفة والتفهم، ويميلون الى ممارسة الجنس دون اية مشاعر عاطفية ويتحول الجنس لديهم الى مجرد رغبة حيوانية.
وظهر من الابحاث ان المدمنين على الافلام الاباحية لديهم سلوك عدائي تجاه المرأة وغياب في التفاعل العاطفي معها واللجوء الى  العنف الجنسي الخالي من الرأفة والاحترام لها، والتشجيع على الاعتداءات الجنسية والاغتصاب او ممارسة الجنس بشكل غير مقبول اجتماعياً…
ووصف «فلاد» Flood ان صناعة الجنس الرائجة جداً هي الى جانب الاستغلالية، صناعةذكورية ابوية (بمعنى التسلط) تدعو الى الكراهية ضد النساء الوحشية. ورغ تأييده لحقوق المرأة، يرى الباحث الاسترالي ان مواقف مجموعات التحرر النسائي يرفض الافلام الاباحية لأنها تستعبد وتذل وتسيء الى المرأة وتهحولها الى سلعة جنسية لمتعة الرجل، لكنه انتقد ان هذه الحركات النسائية لا تعارض اشكالاً عديدة من الممارسات الجنسية كالاستنماء والسحاق وغيره من الممارسات الشاذة.
ازمة صحية عامة:
كشفت مجموعة ابحاث حجم الاضرار التي يتعرض لها المدمنون على مشاهدة الافلام الاباحية واهمها السلوك الجنسي العدائي تجاه المرأة لدى الشباب والراشدين على حد السواء، وردود الفعل الجنسية لدى الشبان وفقدان التعاطف والاحترام تجاه الجنس الآخر وظهور السلوك الداعم للعنف لديهم والرغبة في الاغتصاب والعدائية في العلاقات الثنائية والتلذّذ في العنف ضد المرأة وصعوبة اقامة علاقات طبيعية بين الرجل والمرأة، قائمة على الاحترام المتبادل كقيمة انسانية ذات ابعاد روحية.
لا شك ان الجنس هو متأصل من الحضارات الانسانية والاباحية الجنسية هي قائمة منذ بدء التاريخ. غير ان صناعة الجنس استفادت  مؤخراً من الانترنيت لكي يدخل المنازل وتجتاح غرف الناس في عقر دارهم. واصبحت من اهم الصناعات النامية باستمرار.
وكما فعلت شركات التبغ والسجائر عندما بدأت الحملات ضدها نظراً لمخاطر التدخين، تقوم الآن شركات انتاج الافلام الاباحية خاصة شركة Pornhub بتقديم سنت لاحدى المؤسسات التي تعنى بحماية الحيتان لكل فيلم اباحي يجرى بيعه او الدخول اليه .
وادعت الشركة انها تساهم مع آخرين في حماية البيئة عن طريق حماية الكائنات الحية التي تعيش على الكرة الارضية.
ان تضافر الجهود بين المؤسسات الحكومية ودعم المجتمع ادت الى اقرار تعديلات هامة حيال مصانع التنباك والتدخين عامة.
فالمطلوب الآن تضافر هذه الجهود لإيجاد حلول للفلتان السائد وسهولة دخول جميع الناس، صغاراً وكباراً، الى المواقع الاباحية.. اذ يكفي ان تكتب كلمة «حب» لكي تجد بعض المواقع الجنسية. فمتى تتحرك الدولة والمؤسسات المجتمعية لمعالجة هذه الآفة الجديدة التي تجتاح المنازل والمواقع والمجتمع بأكمله؟؟
pierre@eltelegraph.com