بقلم بيار سمعان

مَن ينظر الى سكان الارض نظرة شمولية يجد ان العالم كله هو في حالة دائمة من الترحال والهجرة او اللجوء، اما بحثاً عن فرص عمل افضل او للاستقرار في بلد اكثر اماناً، او للتخلص من ازمات صعبة تعيشها بلده، فضاقت فسحة الأمل لدى الناس ولم يعد الا الهجرة او اللجوء سبيلاً وحيداً للابتعاد عن الاسباب التي اقلقت بالهم وهي تهدد حياتهم مع عائلاتهم.
اصدرت الأمم المتحدة مؤخراً تقريراً حديثاً حول ظاهرة الهجرة بين الدول  خلال سنة 2015. وجاء في التقرير ان عدد من يغادرون مسقط رأسهم والبلدان التي ولدوا فيها لاسباب اقتصادية (كمهاجري عمل او كلاجئين)  تعاني  اوطانهم من ازمات وثورات او حروب… قد شهد ارتفاع بنسبة  41 بالمئة. اذ بلغ عدد المهاجرين واللاجئين خلال 2015 ما يزيد على 244 مليون شخص بالمقارنة مع 173 مليون خلال سنة 2000. وتثبت هذه الاضافة (41٪) مدى الارتباط والانفتاح والتواصل بين الدول من جهة، وحدة النزاعات واستمرارها طوال سنوات في بعض مناطق النزاع في العالم، من جهة اخرى.
كما اظهرت الارقام ان الهجرة الدولية خلال العام الماضي كانت بأغلبيتها من الذكور وبلغ متوسط الاعمار لديهم 39 سنة، فيما يبلغ متوسط الاعمار لسكان الكرة الارضية 30 سنة. اما نسبة الاناث بينهم فهي 48 بالمئة فيما تبلغ نسبة الأناث في العالم 50 بالمئة.
وتبين ان ثلث المهاجرين واللاجئين اقاموا في اوروبا والثلث الآخر في آسيا والربع في اميركا الشمالية.
وحلت الولايات المتحدة في طليعة الدول التي يقصدها المهاجرون. وحافظت على هذا الموقع منذ سنة 1990. وهاجر اليها سنة 2015 حوالي 46،6 مليون شخص، اي ما يقارب خمس (5/1) المهاجرين في العالم.
اما البلدان الأكثر شعبية بعد الولايات المتحدة فهي التالية:
– المانيا و12 مليون مهاجر ولاجئ.
– روسيا الفيدرالية 11،6 مليون شخص.
– السعودية 10،2 مليون عامل مقيم.
– المملكة المتحدة انتقل اليها 8،3 مليون
– الامارات العربية 8،1 مليون عامل مقيم.
وتجدر الاشارة ان من يهاجرون الى الدول العربية الخليجية لا يحق لهم الحصول على الجنسية المحلية ويتوقف وجودهما على عقد العمل الذي يحصلون عليه. وبامكان السلطات المحلية ان تطلب اليهم الرحيل عن البلد ساعة تشاء. كما يمكن لوكيل العمل ان يلغي الوكالة ويفقدون بالتالي الحق في البقاء داخل البلد المستضيف.
وباعتقادي ان صفة الهجرة لا تنطبق عليهم لأنهم مجرّد عمال وموظفين تنتهي تأشيرة دخولهم الى البلاد عند انتهاء عقد العمل.
اما الدول التي يولد فيها المهاجرون واللاجئون ويقررون لسبب من الاسباب مغادرتها، حلت الهند في طليعتها مع وجود 16،5 مليون هندي انتقلوا في سنة 2015 للعيش والعمل في بلد آخر.
وحلت المكسيك ثانية بعد الهند مع 12،3 مليون شخص هاجر معظمهم الى الولايات المتحدة بحثاً عن عمل وفرص حياة افضل. ثم الاتحاد الروسي (10،6 مليون) الصين (9،5 مليون مهاجر) ، بنغلاديش (7،2 مليون)، باكستان (5،2 مليون).
اما على صعيد اللجوء والشتات فحلت الجمهورية العربية السورية في طليعة القائمة نظراً  للاوضاع المأساوية السائدة منذ سنوات في البلاد. ويقدّر تقرير الأمم المتحدة ان ما يزيد على 3،9 مليون سوري نزحوا من بلدهم للإقامة في دول الجوار.
ويكشف التقرير ان عدد اللاجئين في العالم هو على تزايد مستمر وبلغ اقصاه منذ الحرب العالمية الثانية. وتقدّر الأمم المتحدة ان عدد اللاجئين في سنة 2014 بلغ 19،5 مليون شخص، اي ما يقارب 8 بالمئة من مجموع عدد المهاجرين في العالم. واستضافت الدول النامية 86 بالمئة منهم، اي حوالي 12،4 مليون نسمة، وهي نسبة مرتفعة بالمقارنة مع ارقام السنوات العشر الماضية.
في سنة 2014 استقبلت تركيا ما يزيد على 1،6 مليون لاجئ معظمهم من سوريا والعراق، والباكستان (1،5 مليون لاجئ)، معظمهم من افغانستان، وفي لبنان جرى تسجيل 1،2 مليون لاجئ سوري، لكن عدد اللاجئين يقدّر بـ 1،5 مليون 97 ٪ منهم من السوريين والآخرون من العراق. ايران استقبلت مليون لاجئ وفي الحبشة والاردن، ما يقارب المليون لاجئ لكل منهما.
واظهرت سجلات الأمم المتحدة ان ما يزيد على 53 بالمئة من اللاجئين المسجلين لدى مفوضية اغاثة اللاجئين نزحوا من ثلاث دول هي : سوريا (3،9 مليون لاجئ)، افغانستان (2،6 مليون لاجئ) والصومال (1،1 مليون لاجئ.)
لا شك ان ظاهرة الهجرة واللجوء المتفاقمة في العالم اليوم لديها انعكاسات عديدة على بلد المنشأ والبلد المضيف، وان ارتفاع هؤلاء (من مهاجرين ولاجئين) بدأ يطرح مسألة حماية الحدود وضبط حركة الدخول والخروج  من هذه الدول المعنية، وتواجه اوروبا اليوم معضلة جديدة تتعارض مع قوانينها الداخلية كالاتحاد الاوروبي حيث  يتمتع سكانه بحرية التحرك بين مختلف البلدان، دون الحاجة لتأشيرة دخول. غير ان الحكومات في الدول الاوروبية بدأت تعيد النظر في هذه القوانين في مسعى منها لضبط حركة اللاجئين الذين يسعون للوصول الى اي بلد اوروبي  ويصبحوا في قلب القارة الاوروبية.
اما استراليا التي عانت طوال سنوات من تدفق قوارب اللاجئين، تمكنت مع حكومة طوني آبوت من فرض حماية قسرية لحدودها واعادت القوارب من حيث اتت واتخذت قراراً سياسياً بعدم قبول اي لاجئ غير شرعي لا يصل البلاد بصفة قانونية وعبر المؤسسات والهيئات الدولية.
الامر الآخر اللافت هو ارتباط الهجرة بعدد السكان، مما يزيد من حدة النزاع على لقمة العيش. وهذا ما بدا بعد ان حلّت الهند في طليعة قائمة البلدان المصدرة للمهاجرين، تلتها الصين والمكسيك وروسيا. وتتميز هجرة هؤلاء انها هجرة عمل بالدرجة الاولى والبحث عن حياة افضل.
اما ظاهرة اللجوء فانحصرت بمجملها بالدول التي تشهد ازمات سياسية وقتال وحروب، وتأتي سوريا والعراق والصومال في طليعتها.
ويعتقد المراقبون ان ظاهرة الهجرة واللجوء سوف تتزايد طوال القرن 21 نظراً لتفاقم الصراعات ولارتفاع عدد السكان في دول نامية قد لا تكفي خيراتها وانتاجها الوطني لاشباع الملايين من الافواه دون اشكاليات.
ومجدداً تطرح اسئلة عديدة حول ردود فعل الدول المستضيفة، وبدأت بعضها، خاصة مع ظهور موجة التطرف والارهاب الى اعادة النظر في سياسة التعددية الثقافية. وبدأنا نشهد في الانظمة الديمقراطية ميلاً نحو التشدّد العنصري والمطالبة بفرض سياسة الاندماج الاجتماعي على القادمين الجدد والتخلي عن التعددية الثقافية. هذا الى جانب التأثيرات الاخرى على مستوى اللغة والعمل والتكيّف والاقتصاد العام.
فهل يسير العالم فعلاً نحو مفهوم القرية العالمية تكون فيه ظاهرة الهجرة حاجة للبلدان التي تشهد ركوداً في نسبة الولايات وانخفاضاً في اليد العاملة، ام ان المزاج العصبي والتشدّد سيكون ردة فعل طبيعية على تدفق الملايين بشتى الطرق والوسائل الشرعية وغير الشرعية؟