بقلم هاني الترك

By Hani Elturk OAM

أبحر الأسطول البريطاني عام 1787 من شواطئ انكلترا حاملاً على متنه الجنود والسجناء البريطانيين بقيادة كابتن آرثر فيليب من أجل تأسيس مستوطنة تستوعب السجناء إلى أن وصل بوتاني بي في شهر كانون الثاني يناير عام 1788 .. لم يرق الكابتن فيليب بوتاني بي المكان الذي اختاره مكتشف استراليا جايمس كوك لإقامة المستوطنة .. أبحر فيليب إلى مرفأ أفضل أسماه سيدني كوف .. رفع العلم البريطاني معلنا أن القارة المكتشفة هي ملك للتاج البريطاني .. احتسوا الخمر نخب الوصول وبدأت المستوطنة.
العلاقات مع الأبورجينيين
كانت الأوامر المقدمة إلى فيليب هي فتح الاتصالات مع الأبورجينيين وضمهم للعيش مع السجناء في وحدة وتفاهم .. وإذا حاول أي شخص تدميرهم أو تعطيل طرق حياتهم يجب إحضاره لمنصة العدالة وتلقي العقوبة.
التقى كابتن فيليب مع الأبورجينيين لأول مرة .. وقد ظن الأبورجينيون أن القادمين هم أرواح من العالم الآخر الروحاني لأن بشرتهم بيضاء ولم يكونوا يعرفون أن هناك أناساً لون بشرتهم بيضاء .. فإن معتقداتهم الدينية بأنهم في زمن الحلم  Dream Time كانوا هُم البداية في تأسيس العالم وقدومهم إلى هذه الأرض..
تقدّم أحد الجنود إلى الأبورجينيين وتحسسه زعيمهم ووضع يده على رأس الجندي للتأكد من أنه من جنس البشر وليس روحا من العالم الآخر.
ظنّ الأبورجينيون أن الجنود هم نساء لأنهم حالقوا اللحية فخلع أحد الجنود ملابسه وأظهر له أعضاءه التناسلية حتى يتأكدوا أنهم رجال.. وحينما وضع كابتن فيليب يده في جيبه ظنوا أنه ساحر من العالم الآخر.. وحينما أشعل غليونه تعجبوا أنه لم يُحرق.. كانوا بدائيين لم يعرفوا الزراعة ويعيشون على صيد الحيوانات والأسماك.
حدثت بعض الاصطدامات مع الأبورجينيين.. فعندما قتل سبعة مستوطنين بيض 28 أبورجينيا حُكم عليهم بالإعدام.. كان يحدث سوء تفاهم من قبل الأبورجينيين والاستراليين ويتصاعد في أغلب الأحيان إلى درجة العنف. وذلك لنزع السكان الأصليين من أراضيهم التقليدية بدون الاعتراف بحقهم في الأرض.
خطف الكابتن فيليب القليل من السكان الأصليين من بينهم بينيلونغ وبينغاري من أجل استعمالهم كمترجمين.. وحينما رما أبورجيني كابتن فيليب بسهم لم ينتقم منه ولكن بعد تعافيه من الجرح قام بينلونغ بزيارته.. وبدلا من إعلان الحرب على الأبورجينيين تمكن فيليب من إيجاد التفاهم معهم.
وكان فيليب قد أرسل بينيلونغ إلى لندن حيث التقى معه الملك البريطاني.. وكانت المرة الأولى التي يرى فيها البريطانيون الأبورجينيين.. غير أن بينيلونغ عاد إلى استراليا مدمنا على الخمر حيث أصيب بالمرض ومات.

تصوّر تأسيس المستوطنة
بالرغم من إطلاق اسم مستوطنة العقاب على نيو ساوث ويلز لم يبن فيليب السجن.. وبينما كان يخضع السجناء لنظام تأديبي صارم كانوا يعاملون بطريقة جيدة إذا كان سلوكهم جيدا ويشجعهم على الإنتاج.. كان لدى فيليب رؤية بأن يبني امبراطورية جديدة في الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية سُميت استراليا.. ورأي السجناء بشكل رئيسي قوة عاملة نحو الانطلاق.. وكان يأمل تشجيع المهاجرين المجيء إلى استراليا حتى لا تقام المستوطنة مع السجناء فقط.. غير أنه خلال خمس سنوات من حكمه لم يرَ سوى حفنة من المهاجرين حضروا إلى استراليا وحاول مع رجال مارينز تأسيس المستوطنة حيث لم يروا أن مهمتهم هي حراسة السجناء.

تأسيس المستوطنة
بدأ المستوطنون قصّ الشجر وزراعة الأراضي ولكن فشل المحصول الأول بسبب الجفاف وكادت أن تحدث مجاعة في المستوطنة لولا وصول المعونات من الأسطول الثاني.. بدأوا في تشييد المباني والجسور والمدن والقرى.. وواصل فيليب اكتشاف الأراضي الداخلية للاستقرار وتأسيس مناطق مثل بارامات كمستوطنة ثانية من أجل الزراعة.. وكانت رؤياه إقامة مزارع صغيرة في باراماتا من أجل استعمال ميناء سيدني.. وأقام قصرين للحكومة الأول في سيدني والثاني في باراماتا.
تمكّن فيليب من إبقاء المستوطنة على قيد الحياة خلال السنوات الخمس من حكمه مثل مكافحة فشل المحصول الزراعي ومكافحة الجريمة وفوضى التأديب .. قرر فيليب العودة إلى بريطانيا عام 1792 بسبب تدهور صحتهم.. وتابع الحكم من بعده حكام آخرون طوروا المستوطنة.. وطبقوا القانون البريطاني عليها ومبادئ الحرية واستقلال القضاء واستخدام نظام المحلفين وحرية الصحافة.. أسسوا بعد ذلك المجلس التشريعي وأجروا انتخابات عام 1856.. تطورت المستوطنة إلى أن انفصلت عنها باقي الولايات.

تطوير استراليا
لقد بُنيت نيو ساوث ويلز كنواة أولي للولايات الأخرى وشارك الأبورجينيون والمهاجرون في معظم أنشطة الحياة وأصبح الجميع جزءاً لا يتجزأ من قصة استراليا العظيمة .. فلقد بدأت كمنفى للمساجين وتطورت بالعمل المضني حتى وصلت خلال مدة قصيرة من الزمن لا تتجاوز 228 عاماً إلى دولة متحضرة متقدمة تضم أجناسا وأعراقا وثقافات وحضارات متعددة.. منهم الأبورجينيون السكان الأصليون الذين قطنوا القارة قبل مجيء الرجل الأبيض بأربعين ألف عام.

دورنا كجالية عربية
نشعر بالولاء والانتماء لوطننا الجديد استراليا.. وعلينا أن نساعد بعضنا البعض حتى نشعر أننا أعضاء في المجتمع الكبير كجالية وكأفراد.. علينا أن ننفتح على المجتمع بصورة أفضل حتى نؤثر فيه ونتأثر به.. فنحن حملنا معنا حضارتنا العربية ويسمح المجتمع الاسترالي المتعدد الحضارات أن نحافظ على ثقافتنا ونمارسها بكل حرية وكرامة.. ولكن لا يعني هذا التقوقع والانفراد.. فما أجملها من ثقافة ذاتية يحملها المواطن في أن يغرف من محاسن الحضارتين الاسترالية والعربية مع تقدير القيم والتقاليد الاسترالية مثل الديمقراطية والحرية والعدالة من أجل العيش في محبة وسلام وهدوء وطمأنينة.
إن استراليا بلد جميل وعظيم بكل مقياس ومعيار.. وكثير من الذين عاشوا في الدول المتقدمة الأخرى يعرفون منزلة استراليا بين العالم.
في هذا اليوم، يوم استراليا، نشعر أن تاريخ استراليا هو جزء منّا .. لأن الانتماء لها شيء طبيعي سواء في الأوقات الصعبة أو الجيدة فهذا اليوم الكبير يجب أن يوحدنا ونقيم الاحتفالات لوطننا استراليا من أجل الازدهار والتقدم والانتعاش.. في هذا اليوم علينا أن ننحني احتراما للآباء المؤسسين الأُول في يوم 26 كانون الثاني / يناير عام 1788 الذين فتحوا أبواب التاريخ لاستراليا في ذلك اليوم المشهود.