بقلم بيار سمعان

منذ بداية الحرب اللبنانية ارتهن اللبنانيون لقرارات الخارج. وفي أكثر من محطة فرض «هذا الخارج» توصياته وقراراته على الداخل اللبناني.

اللبنانيون، وأعني هنا رجال السياسة وزعماء الكتل والأحزاب والتنظيمات فوتوا أكثر من فرصة لاستعادة القرار الحرّ.

البعض استفاد من هذا الواقع، وآخرون خشوا علي حياتهم، والبعض الآخر وجدوا صعوبة أن يقول لدول الجوار والقرار: «كفى… لبنان أولاً…»

ساءت الأحوال لدرجة أن اللبنانيين يئسوا السياسة وأهل السياسة، وسماع الأخبار أو التفاعل مع الأحداث.

وتحولت الهموم الشخصية، وكسب العيش، وسلامة الأحياء أولوية، واستعاض الناس عن هموم الوطن بهمومهم الشخصية وحب الحياة بشكل أناني، يتعارض مع المصلحة الوطنية.

وتبلور الارتهان إلى الخارج عندما رفض النواب والكتل النزول إلى البرلمان لاختيار رئيس للبلاد، لا بل استفاد البعض من هذا الفراغ، آملين أن يصبح واقعا وتقليداً ثم عرفاِ… وعند سؤال النواب، كان معظمهم يرمى المسؤولية على الموارنة ليبرر تخاذله.

«فليتفقوا ونحن معهم»

بين 14 و8 آذار، والسعودية وإيران وعدم مبالاة الغرب والولايات المتحدة المنهمكين في معالجة ظاهرة الإرهاب التي افتعلوها انفسهم، كادت تطير الرئاسة الأولى، ويرحل بعدها المسيحيون… ألم يطلب الأميركيون إليهم في سنة 1975 أن يغادروا البلاد دون عودة؟

للأسف الشديد غالباً ما يلعب بعض الاطراف لعبة المتآمر اما عن قلة وعي أو بسبب الانهماك في صراعات جانبية وهذا ما ينطبق على عدم لامبالات المكونات الطائفية والمذهبية في لبنان، حيال الرئاسة الأولى.

هؤلاء فاجأهم إعلان سمير جعجع ترشيح العماد عون لانتخابات رئاسة الجمهورية، وصدمهم موقف جعجع ومدى التقارب والتفاهم بين الزعيمين المسيحيين، متناسين تعليقاتهم السابقة ان «يتفق الموارنة ونحن معهم…»

الجميع تفاجأوا: تيار المستقبل الحليف الأساسي لجعجع، والرئيس نبيه بري والزعيم وليد جنبلاط… حتى حزب الله، لم يكن يتوقع هذا الموقف المفاجيء أو يقدر مدى جديته.

ومهما تكن ردود الفعل والتعليقات على هذه الخطوة ، لا شك أن زعيم القوات اللبنانية قد أصاب أكثر من هدف من خلال تفاهمه مع العماد عون والتيار الوطني الحرّ.

فهو يسعى إلى استعادة الدور المسيحي الفاعل والذي يحدد الخيارات والأولويات ويقول كلمته الأخيرة في مجريات الأمور…

كما خطا عون وجعجع خطوة ثابتة نحو التخلص من وصاية الآخرين على القرار المسيحي، وحالة الجمود والفراغ التي تسود البلاد منذ سنوات تعود بالدرجة الأولى إلى تعطيل دور المسيحيين في الحياة السياسية والقرارات الهامة. وأصبح يخيل للبعض أن الطريق إلى بعبدا وإلى النيابة واختيار مختار في أصغر قرية مسيحية نائية، عليه أن ينال رضا وبركة 8 و 14 آذار ومَنْ يقف وراءهم.

تقارب عون وجعجع جاء صدمة لعديدين، لأن حسابات الماضي لم تعد تصلح للمستقبل بعد أن أثبت سمير جعجع أنه خارج وصاية الآخرين عليه وتأثير مصالحهم على مواقفه السياسية وقناعاته الشخصية ورؤيته للوطن الذي يتمناه.

موقف سمير جعجع وتفاهمه مع التيار الوطني الحرّ هو أبعد من كرسي رئاسة الجمهورية.

انه التعاون في الانتخابات البلدية والنيابية، أي التخطيط لمستقبل الوجود المسيحي في لبنان ولاستعادة حرية قراره دون أي وصاية انه محاولة خلق كتلة مسيحية هي الأقوى والأضخم. على مساحة الوطن مما سيرغم الأطراف الأخرى التعامل بجدية والأخذ بتوصياتهم واقتراحاتهم.

يروج الإعلام أن تيار المستقبل قد تفاجأ وأن السعودية مستاءة من موقف جعجع وحزب الله يسعى إلى فهم أعمق لهذه الظاهرة الجديدة وإيران في حيرة، كما أن الولايات المتحدة صاحبة القرارات الكبرى، لم تكن تتوقع أن يكوع «الحكيم» 180 درجة ويعلن ترشيح الجنرال عون.

هذه المحاذير تؤكد دون أي شك أن الجنرال عون توصل إلى قناعات ثابتة بالنسبة للخلافات التي لا تفيد الوطن ككل، كما يؤكد مرة أخرى، أن الحكيم يصغي، يجادل، يحاور، يتفهم، يحلل ثم يتخذ القرارات التي تلائم قناعاته ومبادئة ورؤيته لمستقبل لبنان ولحماية الوجود المسيحي فيه وفي الشرق الأوسط.

لقد فشل جميع نواب الأمة في انتخاب رئيس للبلاد لأنهم رهنوا قراراته بإيحاءات الخارج وجيروا حريتهم لما وراء الحدود.

فهل يعيد جعجع القرار إلي اللبنانيين بعد أن عطل تأثير الخارج على كل قرارات الداخل، وهل يجري اختيار وانتخاب رئيس للبلاد بقرار لبناني كما كانت هي الحال عندما انتخب الزعيم سليمان فرنجية رئيساً للبلاد.

لقد أصاب جعجع كل الأهداف… وما على الجميع سوى الاختيار.

ليس فقط رئيساً للبلاد، بل اختيار منطق الدولة على منطق الدويلات والاقتناع أن لبنان لن يعيش إلا بجناحيه المسلم والمسيحي.

ليس المهم انتخابات الجنرال عون، لكن الزهم استعادة حرية القرار السياسي والخروج في حالة التعطيل لقيام الدولة في لبنان.