إذا كان إعلان رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية ترشيح نفسه رسمياً لرئاسة الجمهورية فرض نفسه على المشهد السياسي في اليومين الماضيين، في ظل الصمت الذي يحوط هذا الترشيح وما يثيره من ضبابية حيال مصيره، فإن الأنظار ستتجه نحو عين التينة اليوم الاثنين حيث ستعقد جلسة جديدة للحوار الوطني، أبرز بند على جدول أعمالها يتعلق بالاستحقاق الرئاسي وإستكمال البحث بهذا البند من حيث وصلت اليه المداولات في الجلسة السابقة، علما ان الجلسة الاخيرة لم تقارب مسألة ترشيح فرنجية التي كانت طرحت في حينها من طريق تأييد رئيس تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري لها. وعليه، تستبعد اوساط عين التينة أن تطرح هذه التسوية في جلسة الاثنين، مشيرة الى ان الرئيس نبيه بري ملتزم حصر النقاش بالبنود المطروحة على جدول الأعمال.
وفيما تستبعد مراجع سياسية بارزة ان يشهد الأسبوعين المقبلين أي تطورات مهمة في الشأن الرئاسي رغم حركة الاتصالات والزيارات الجارية وآخرها الزيارة اللافتة من حيث التوقيت للسفير السعودي علي عراض عسيري الى معراب ولقائه رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، فهي تعزو ذلك الى إعطاء فسحة من الوقت أمام بلورة التسوية الرئاسية بكل بنودها ومضامينها ولا سيما بعد كل ما كشفه فرنجية في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، وحدد فيه علاقاته بالحلفاء والخصوم ورد على الاتهامات التي توجه له، كما عبر عن الخطوط العريضة لبرنامجها الرئاسي.
ولا تغفل المراجع الربط كذلك بين الملف الداخلي والمناخ الخارجي لا سيما بعد توصيات مؤتمر نيويورك في شأن سوريا وما يمكن ان يرتبه من معطيات على المستوى المحلي قد تترجم إنفراجا او حلحلة في الملف الرئاسي.
وكان الملف الرئاسي حضر امس الاول في اللقاء الذي جمع عسيري بجعجع. ورغم ان كلام العسيري بعد اللقاء لم يخرج عن الموقف الرسمي للمملكة الداعم لإنجاز الاستحقاق والتجديد بأن هذا شأن لبنان والمملكة تدعم ما يتفق عليه اللبنانيون، الا ان اللقاء حمل دلالات هامة في هذا التوقيت على خلفية موقف جعجع الرافض للتسوية. وقد أحيط اللقاء بالكتمان ولم يرشح أي معلومات عما إذا كان عسيري حمل أي عرض سعودي لجعجع للسير بخيار فرنجية.
موقف آخر يصب في سياق التسويق للمبادرة الرئاسية عبّر عنه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق خلال الاحتفال الذي احياه حزب الوطنيين الاحرار لمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لإستشهاد جبران تويني حيث قال: «تابعت كما كثيرين من اللبنانيين مقابلة الوزير سليمان فرنجية قبل يومين، ثلاث ساعات تقريبا يمكن اختصارها بجملة واحدة. لنلتقي معا في منتصف الطريق، لم يبالغ، لم ينافق، لم يكذب. رشح نفسه لرئاسة الواقعية السياسية الصادقة. وأنا أقول أن لبنان كان وسيظل دائما وطن منتصف الطرق. فلا شيء متاح للفوز به أمامنا اليوم، لأي جهة سياسية إنتمينا، الا الفوز بالوطن. يكفي أن نراقب حجم الانهيارات والحرائق حولنا من سوريا الى اليمن الى العراق الى ليبيا، فضلا عن الحرائق المرشحة والكامنة.
أعرف أن هذا الكلام غير شعبي ولا يثير التصفيق، لكنه جزء من الواقعية السياسية والجغرافية، فقد استطعنا خلال خمس سنوات أن نحافظ على هذا البلد وتجنيب امتداد الحريق إليه. حافظنا على مبدأ واحد وهو العمل على صيانة لبنان واستقراره وأمن اللبنانيين».
وتابع: «يكفي أن ننظر حولنا، لنقول أن الفوز بالوطن هو أهم جائزة نهديها لجبران في ذكراه العاشرة، فلا نذهب الى هدم كل الاعمدة لأننا معترضون على صلاة من يشاركنا الهيكل.
اذا كان من قيمة للبنان، فهي أنه بلد لإنتاج المعاني. يعطي لبنان معنى لكل شيء، مهما بدونا اليوم غارقين في مشاكل تخجلنا من أنفسنا.
والمعنى الذي ينتجه لبنان في هذه المرحلة الدقيقة من عمر المنطقة هو هذه القدرة على عدم الإنهيار وفي الاداء الجاد للبنانيين الرافضين الانجرار الى الاقتتال رغم كل الاسباب المحرضة على ذلك.»
أما في مسألة التحالف الإسلامي فاعتبر ان المبادرة السعودية بإعلان التحالف الإسلامي ضد الإرهاب «تضع اعتدال الدولة في مواجهة التطرف، دينا ودنيا»، مؤكدا «التزام لبنان بتعريف جامعة الدول العربية، في ميثاقها وقراراتها، للإرهاب لأن الدول العربية تعرف خصوصية لبنان». ورأى ان الاجتماع الذي سيعقد غدا في دار الفتوى «بدعوة من مفتي معتدلي العرب عبد اللطيف دريان وبحضور مفتيي مصر والأردن، دليل على بدء الشجاعة الفقهية».
وعشية هذا الاجتماع، صع?د « حزب الله» هجومه على المملكة العربية السعودية على لسان نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم الذي اعتبر ان «هذا التحالف هو لدعم الإرهاب وليس ضده» مؤكدا أن «لبنان لن يكون جزءا منه ولن نقبل ان نساعد السعودية المتهمة والمدانة بالارهاب لتغطية نفاقها». واكد ان «هذا التحالف مشبوه ويعبر عن نرجسية لا تعترف بحقائق الميدان»، مضيفا ان «الزمن الذي كانت تقوم فيه السعودية بإقتياد الدول لفعل ما تريده هي قد انتهى». كذلك اعلن رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد «الرفض القاطع لمشاركة لبنان في مثل هذا التحالف المشبوه»، معتبرا «المشاركة فيه خطرا على استقرار لبنان ووحدته، وعلى الأمن فيه، ذلك أنه يسير بلبنان وبالدول التي تشارك فيه إلى المجهول». ووجه رعد «تحذيرا إلى الذين أنشأوا هذا التحالف»، وقال «إذا كانت المقاومة بنظرهم إرهابا، ويريدون التحالف ضدها، فليحاذروا من غضبنا. وإذا كان المقصود من اعلان هذا التحالف تلميع صورتهم والتبرؤ مما جنته أيديهم من دعم مجموعات الإرهاب التكفيري، فهؤلاء ايضا لن يتوبوا لأن صورتهم أسوأ وأبشع صورة يذكرها الناس في الحاضر وفي المستقبل».