المتروبوليت بولس صليبا
« ها أنا أبشركم بفرح عظيم: انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب»
(لوقا 2: 11)
اليوم المقدس، يوم الميلاد معنا مرة أخرى ومع العالم كله ليعطينا رسالة الله. إنه يوم الديانة والمعنى التاريخيين، يوم الأمل والشعور بهما حيث يتوقف العقل البشري ليعيّد ميلاد ملك الملوك، الذي جلب معه حياة أخلاقية جديدة للبشرية وليقود العالم إلى مستوى روحي عال.
من أعماق ملايين المعيّدين ترتفع صلاة لغد أفضل، ولنصر الخير على قوى الشر والظلمة، لعالم أنبل، حيث يختفي منه خوف الحروب وقتل الآخر وتحل محلها أخوية الإنسان لأخيه الإنسان. يجتمع المسيحيون للصلاة والتأمل، مرتلين تراتيل الملائكة « المجد لله في الأعالي، على الأرض السلام والمسرة بين البشر «.
هل هذه الكلمات هي عبارة عن أمل وواقع؟ اليوم، في هذا الوقت المخيف من تاريخ البشرية، بينما يواجه وطننا وأوطان أخر كثيرة تهديد أشخاص يتخذون القتل والإغتصاب وبيع البشر عملاً يومياً لهم؛ نصلي ليخلص العالم من هذه الفلسفات الشيطانية. في نفس الوقت دعونا نقف ونفكر ملياً بالمعنى العميق للميلاد.
الميلاد أكثر بكثير من تمنيات وهدايا. إنه أكثر من تزيين داخل وخارج المنزل، المحبة للأولاد والصداقة الأمينة التي نظهرها نحو الآخرين. الميلاد هويوم الخلاص المقدس، خلقه المسيح الذي حمل إلينا العدالة والمحبة، الحرية والسلام، ليبقى مستمراً وفاعلاً في كل يوم من أيام حياتنا.
لا يمكن لإنسان أن يهدم فرح الميلاد. لأنه عامل في أعماق أنفس البشرية غير المائتة. لا الوقت ولا الفقر، لا الحزن ولا الحروب يمكنها أن تشل الميلاد، لأنه ينتمي للأزلية.
وُلد المسيح ليحرر الإنسان حيث هو/هي من قيود الخطيئة ويقوده إلى أعالي الروحانية. لكن بعد عشرين قرناً من وجود المسيحية نواجه صورة مخيفة. قادة عملوا في الماضي، ويعملون الآن لتدمير المبادئ الإنسانية؛ العدالة، الإحترام، المحبة والإيمان بالإله الأزلي.
الإنسان بحاجة ماسة للسلام، سلام العقل والنفس، سلام في بيوتنا، وطننا وبين كل الشعوب.
«لا تستطيعون أن تعبدوا ربّين». علمنا السيّد. «علينا أن نتذكر في عصر المادية هذا، لا أن نجمع ثرواتنا على الأرض ولكن أن نخزنها في السماء، حيث لا دود ولا عث، لا سارقون يمكنهم أن يسرقوها» .
في أيامنا الحاضرة، نواجه المخاطر ونحتاج إلى الشجاعة لأننا مهاجمون ليلاً ونهاراً من قِبَل قوى الشر. نعرف بأننا نعيش في بحبوحة كبيرة، ونجلس ونأكل ونشرب بدون حدود، لكن هذه كلها رغوة، نخاف الحروب ونشهد أعمال الشرير ونتساءل: هل سيعود الإنسان إلى خالقه؟
يحمل الميلاد رسالة إلينا جميعاً. يمكن أن يحمل سعادة وسلاماً للمؤمنين به وبالآخر. يمكن للصالح والشرير أن يجلسا معاً ويكسرا الخبز ويتساءلان: « ماذا فعلنا ببيت الله، نحن البشر المائتون المميزون بالحكمة؟»
قضينا قرون نقاتل بعضنا بعضاً، بينما كان المسيح يعلمنا أن نحب بعضنا بعضاً. نردد صلاة من فمنا بينما قلبنا عقيم متناسين بأن الإنسان ومنذ الخلق يعيش بالإيمان وحيث الإيمان تصبح الحياة غنية.
هل نحن المسيحيين شجعان أو جبناء أمام هجوم أولاد الشر؟ هل سنحني رؤوسنا أمام قوى الفساد أم نحافظ على حمل المبادئ الأخلاقية ونعيش حياة كريمة بأفكار نبيلة؟
عندما وُلد السيّد في بيت لحم منذ نيف وألفي سنة، ظهرت الملائكة، والرعاة أتوا ليسجدوا له، كما المجوس الذين ساروا وراء النجم حاملين هداياهم له ومعبرين عن إيمانهم.
هل يمكننا تصور عالم يتأثر بمثل هؤلاء الأشخاص؟ سيختبر الإنسان ويؤمن بأنه لا قوة المادة، ولا قوة العلوم وحدهم، لا اكتشافات الإنسان وحكمته، سيوقفون سقوط الإنسان وإخفاقه. سيتحققون بأن العظمة هي في صلاح النفس، الإستعداد للمغفرة، نعمة التواضع، حبّ التضحية… حيث لا حب للذات، لا كراهية، لا فكرة للثأر، لطمع ولا استعباد للعواطف.
ميلاد السيّد المسيح يتابع رسالته للعالم. أتى ليؤسس سلاماً في نفوسنا وقلوبنا، سلام في العقل وفي البيت وفي العالم.
نعرف بأنه في أمكنة كثيرة في العالم لا يخيم السلام ولا الإرادة الحسنة بين الشعوب. إن الأمور التراجيدية التي تتم في أمكنة مختلفة تبرهن على هذه الحقيقة. هناك لا ثقة، توتر وفوضى في حياتهم. هدف عدونا المشترك هو السيطرة على العالم بأفكار هدّامة. غالباً ما نرى عدم فهم وقبول نِعَم الله المعطاة لنا. نصبح محبين للذات وننسى مسؤولياتنا نحو الله حتى يصل العدو بأفكاره وسلاحه القاتل إلى مبتغاه.
إن السلام الذي حمله السيّد المسيح والسرور الذي يعطيه لا يمكن الحصول عليهم عندما نضع ثقتنا خارج قوانينه، عندما نخسر ثقتنا به ونحارب بعضنا بعضاً، نسير على طريق الضلال واللاأخلاق، ولا نعطي أي اهتمام للمبادئ الدينية وتعليم الكنيسة. السرور الدائم هو نتيجة طبيعية أو مكافأة للخدمة والعطاء. ليس من مكافأة واقتناع للنفس البشرية أهم من الخدمة.
نعيّد اليوم لميلاد السيّد المسيح المخلص، الذي أتى ليُعلن للبشرية طبيعة العظمة، عظمة المحبة المسيحية المتمثلة بالتواضع والخدمة للبشرية. خلصنا المسيح من خوفنا بعد أن خلصنا من أنفسنا.
وإذ نشعر اليوم بفرح الميلاد، نرفع قلوبنا بالصلاة. إذ أنه بدون محبته الأزلية، حريتنا تصبح مهددة، حقنا الطبيعي في العبادة يزول، حياتنا تضيع، وظلام العلمانية الملحدة يسيطر على عقولنا وحياتنا. محاطون بفلسفات متصلبة، مادية بدون قلب تسمم عقول أولادنا. واسم الله القدوس يُستعمل للهزء والتجديف.
وقتنا قصير. نسمع من ظلمة العالم طبول الهدم التي تقرع وتقرع على عقولنا وقلوبنا. المؤمن يعمل خلال هذه المراحل السوداء في العالم. خلال هذه الأيام المخيفة لنصلي على أمل أن يحمل المسيح معه نوره الساطع الذي سينير حياتنا ويعطينا القوة والشجاعة والسلام.
دعونا ندير وجهنا نحو أمير السلام ليُجدد قناعاتنا الدينية، ليُحي إيماننا ويقوي مبادئنا الأخلاقية حتى نتمكن من الوقوف في وجه السلام الكاذب الذي يعطيه العالم ولنفرض سلام الرب على وفي العالم.
ميلاد مجيد للجميع