لم يكن مرور الذكرى الـ 72 للاستقلال للسنة الثانية من دون رئيس للجمهورية أمرا تفصيليا وعابرا وخصوصا وسط التداعيات المتراكمة على مختلف الصعد لتمادي هذا الفراغ والذي لم يكن ادل على وقعه من ملء ساحات وسط بيروت التي افتقدت تكرارا العرض العسكري التقليدي بعروض من شتى المشارب والاتجاهات التي تعكس فراغ الدولة كلا وتصاعد النقمة الاجتماعية حيال الازمات المتوالدة والمتكاثرة. أمران أساسيان برزا في يوم 22 تشرين الثاني هذه السنة هما عودة احياء «الحراك المدني» في هذه المناسبة وتوهج ازمة الفراغ الرئاسي التي وان تميز حزب الكتائب وحده من دون سائر الاحزاب بتنظيمه تظاهرة تحت عنوان «الجمهورية بدا راس» فان الوطأة الثقيلة للفراغ تشظت في كل الاتجاهات وزادتها ملامح التحركات السياسية المتعاقبة عبر لقاءات الرياض وباريس التي شكلت الازمة الرئاسية محورها الاساسي.

وفيما تعود الحركة السياسية والرسمية اليوم الى وتيرة انتظار محطات داخلية مثل جولة الحوار الوطني المقررة غدا وترقب المساعي المتواصلة من اجل عقد جلسة لمجلس الوزراء لبت ازمة النفايات، تواصلت بين الرياض وباريس اللقاءات السياسية البارزة التي حركت المشهد الداخلي واحدثت تموجات واسعة فيه منذ هبوب «عاصفة» اللقاء الذي ضمَّ الاسبوع الماضي الرئيس سعد الحريري ورئيس «تيار المردة « النائب سليمان فرنجية على رغم تمسك الفريقين بنفي حصوله «رسميا «. ذلك ان هذه اللقاءات اكتسبت أبعادا جدية في ظل اتساعها لاحقا بحيث عقد الجمعة الماضي لقاء موسع في الرياض ضم، الى الرئيس الحريري، الرئيس فؤاد السنيورة ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري ووزير الداخلية نهاد المشنوق والنائب السابق غطاس خوري ومدير مكتب الرئيس الحريري السيد نادر الحريري والمستشار الاعلامي للرئيس الحريري هاني حمود، ومن ثم اتبع امس بلقاء في العاصمة الفرنسية للحريري ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط ووزير الصحة وائل ابو فاعور. وأفادت معلومات ان رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل الموجود ايضا في باريس يفترض ان يكون التقى الحريري كذلك.

وأبلغ مصدر بارز في قوى 14 آذار «النهار» ان رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس السنيورة زار الرياض واجتمع مع الرئيس الحريري للاطلاع منه على المعطيات المتصلة بلقائه النائب فرنجية ولاطلاعه على نتائج اللقاء القيادي لـ14 آذار الخميس الماضي. وفهم ان الرئيس الحريري ليس في أجواء موضوع انتخاب رئيس للجمهورية وإنما في أجواء تفعيل عمل الحكومة ومجلس النواب وخصوصا في ضوء المرونة التي يظهرها النائب فرنجية على هذا الصعيد. ورأى المصدر ان لقاء باريس للحريري وفرنجية حرّك الاهتمام بالانتخابات الرئاسية ولكن من دون الدخول عمليا في تفاصيلها خلافا للاجواء المضخمة والاستنتاجات المتسرعة التي ملأت بعض الكواليس السياسية والمنابر الاعلامية في الايام الاخيرة.

وفي المقابل، قالت مصادر وزارية إن لقاء الحريري وفرنجية تم بناء على طلب الاخير الذي دخل في موضوع ترشيحه للرئاسة الاولى وسط حرص من فرنجية على سرية اللقاء. وقد استمع الحريري الى ضيفه وسعى بعد اللقاء الى إطلاع حلفائه إن بصورة غير مباشرة عبر الرئيس السنيورة وإن مباشرة عبر اللقاء مع النائب جنبلاط ورئيس حزب الكتائب. واوضحت ان التسوية على هذا الصعيد غير ناضجة بعد باعتبار ان قوى 14 آذار لم تتخل عن ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ، وان الكتائب لم تتخل عن ترشيح الرئيس امين الجميل ، وقوى 8 آذار لم تتخل عن ترشيح العماد ميشال عون. ولفتت الى ان لقاء الحريري – فرنجية أوجد دينامية في مرحلة تشهد تحولات في سوريا ولكن من غير أن يعني ذلك أن عربة الانتخابات الرئاسية قد انطلقت في لبنان.

أما في ما يتصل بلقاء الحريري وجنبلاط والذي حضره ايضا النائبان السابقان باسم السبع وغطاس خوري والسيد نادر الحريري، فاسترعى الانتباه ان البيان الصادر عنه تعمد رسم الاطار الجدي لمجمل هذا التحرك في ما عكس رغبة من الفريقين في ابراز الاطار الواسع البعيد من الاستخلاصات المتسرعة حياله. وأفاد البيان ان اللقاء تناول «ضرورة بذل كل الجهود الممكنة لايجاد تسوية وطنية جامعة تحفظ ميثاقنا الوطني وتكرس مرجعية اتفاق الطائف وتعالج بداية أزمة الشغور الرئاسي وتضع حدا لتداعي مؤسساتنا الوطنية وتطلق عمل المؤسسات الدستورية وتفعل عمل الحكومة ومجلس النواب وتؤمن المظلة السياسية والامنية لحماية لبنان». وأشار الى اتفاق على متابعة الاتصالات مع باقي المكونات الوطنية والقوى السياسية «للبحث في سبل اطلاق هذه التسوية وانجازها في أسرع وقت».

وقالت مصادر مواكبة لهذه اللقاءات ان ما صدر عن لقاء الحريري وجنبلاط امس يعزز المعطيات التي تتحدث عن مروحة استعدادات يجريها الحريري وتحظى بدعم من افرقاء آخرين من اجل الشروع في مفاوضات جدية مع «حزب الله « عبر الحوار الثنائي بين «المستقبل « والحزب ومن ثم عبر الحوار الوطني الموسع في ملف التسوية الشاملة الذي طرحه الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله وإن تكن آليات هذه «المفاوضات» لا تزال عرضة للأخذ والرد.

سلام

وردا على سؤال عن أصداء هذه التحركات وصف رئيس الوزراء تمام سلام لقاءات باريس بانها « ايجابية انطلاقا من الاصداء الايجابية التي نسمعها عنها « مؤكدا ان «أي اجتماع او حوار تفاهمي ثنائي او جماعي بين القوى اللبنانية مرحب به اذا كان يصب في مصلحة البلاد وخيرها».

وفي الموضوع الحكومي قال الرئيس سلام انه لا يزال يجري الاتصالات ويعقد الاجتماعات من أجل بلورة آليات اقتراح تصدير النفايات الى الخارج الذي تم التوافق على اعتماده مبدئيا وخصوصا بعدما طرحه في الجلسة الاخيرة للحوار الوطني. ولكنه أضاف الى انه «لا تزال هناك أسئلة واستيضاحات كثيرة مع الشركات الراغبة في المشاركة في موضوع التصدير حول عقود التلزيم والكلفة والوجهة». وأكد انه لن يدعو الى جلسة لمجلس الوزراء قبل بلورة كل عناصر الحل لافتا الى ان وزير الزراعة اكرم شهيب يتابع معه هذا الملف عن كثب ويتفرغ له وخصوصا ان عامل الوقت ضاغط ولم يعد مقبولا التأخر في ايجاد الحل.

وعلمت «النهار» ان ملف ترحيل النفايات لا يزال يحتاج الى مزيد من الوقت لبلورة الاتجاهات الاقل كلفة على الحكومة ووجهة التصدير وان الامر ربما يستغرق ما بين اسبوعين وثلاثة على اقل تقدير علما ان وجهة الترحيل ستكون الى احدى الدول الاوروبية أو الافريقية.

كاتشا في الضاحية

في سياق آخر، قام السفير البابوي المونسنيور غبريالي كاتشا ورئيس اساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر بجولة تفقدية على المصابين في تفجيري برج البراجنة في مستشفيي بهمن والرسول الاعظم تعبيرا «عن صداقتنا واخوتنا للمصابين». ونقل السفير كاتشا تحيات البابا فرنسيس الى المصابين مؤكدا ان «البابا قريب من جميع المظلومين والمحتاجين في العالم « وأبرز ضرورة «الحفاظ على رسالة لبنان التعددية وان يبقى معافى من كل الازمات».