بقلم بيار سمعان

بلغ الاسبوع الماضي عدد سكان استراليا 24 مليون نسمة. هذا الرقم يضع استراليا في المرتبة 52 من حيث تعداد سكانها، فتحل بعد انغولا وقبل الكاميرون.
وخلال السنة المالية الماضية تضاعف عدد الولادات (403 آلاف ولادة) بينما بلغ عدد الوفيات 155 الف وفاة. وهذا يعني ان البلاد تشهد حالياً نمواً سكانياً صحياً وطبيعياً يبلغ حوالي 148 الف نسمة في السنة. كما يعني ان نسبة الولادات في استراليا بالمقارنة مع عدد النساء المنجبات هي  1،8 اطفال لكل امرأة، وهذه النسبة هي مرتفعة بالمقارنة مع معدلات الولادة منذ عشر او عشرين سنة.
بشكل عام يبدو ان النمو السكاني في استراليا ينمو سنوياً بنسبة 1،4 بالمئة وهو معدل يفوق نيوزيلندا والولايات المتحدة (0،7 ٪) وبريطانيا (0.6 ٪) والصين (0،5٪) واليابان (اقل من  0،2 ٪).
غير ان النمو السكاني لا يعود بالواقع الى الارتفاع في عدد الولادات في استراليا بل الى تدفق المهاجرين (واللاجئين) ومعظمهم من العائلات الفتية القادرة على الانجاب.
وكشف تقرير حول المنحى الذي تتخذه الهجرة منذ سنة 2005 حتى  اليوم ان عدد القادمين الى استراليا ناقص عدد المغادرين يفوق عدد الولادات والنمو السكاني الناتج عنهما.
وحتى نهاية السنة المالية 2013 بلغت نسبة المهاجرين الذين جرى احصاؤهم 60 بالمئة من النمو السكاني. وعلى صعيد آخر تبين ان ربع سكان استراليا (اي ما يقارب 6،4 مليون نسمة) ولدوا في الخارج.
اما اهم البلدان الرئيسية التي ولدوا فيها فهي:
– المملكة المتحدة (1،2 مليون)
– نيوزيلندا 600 الف
– الصين 428 الف
– الهند 370 الف
– فيتنام 215 الف
واللافت ان تركيبة المجتمع السكاني في استراليا قد تغيرت بشكل ملحوظ منذ مطلع القرن العشرين. ففي حين كانت هذه الهجرة اوروبية بشكل عام وتقتصر على العرق الابيض ، اصبحت اليوم اكثر شمولية وتضم مهاجرين من معظم انحاء العالم، مع ارتفاع في عدد المهاجرين من كندا والولايات المتحدة.
وخلال السنوات العشرين الاخيرة تضاعف عددالسكان المولودين في الصين ثلاثة اضعاف ليصبح عدد الصينيين المولودين في الخارج حوالي 428 الف شخص، فيما تضاعف عدد المهاجرين الهنود المولودين في الهند 4 اضعاف وبلغ عددهم حوالي 370 الفاً، خلال الحقبة نفسها. بالمقابل كان ارتفاع عدد المهاجرين المولودين في بريطانيا ضئيلاً ولم يتجاوز 0،5 بالمئة يبلغ عددهم 1،223،570 نسمة.
ومع بلوغ عدد السكان 24 مليون نسمة، فان استراليا لمعظم البلدان الغربية تعتمد على الهجرة بالدرجة الاولى لتحقيق هذا النمو. وان بقي معدل الولادة دون 2،1 بالمئة فهذا سيرغمها على الاعتماد على الهجرة لتحافظ على هذا النمو.
ويعيش 89،1 بالمئة من سكان استراليا في المدن بينما يتوزع حوالي 11 بالمئة في المناطق الريفية. اما بالنسبة لكثافة السكان فيعيش 3 اشخاص في الكيلومتر الواحد. وزير الخارجية السابق بوب كار دعا منذ ايام من مدينة سيدني الى خفض عدد المهاجرين الى النصف والالتزام فقط بقبول اللاجئين عملاً بتعهدات استراليا للأمم المتحدة، (حوالي 13 الف لاجئ سنوياً).
وبرر بوب كار مطالبه ان الحكومة والاجهزة (الفيدرالية والولاية) اصبحت شبه عاجزة عن تلبية حاجات المهاجرين الجدد واللاجئين. فدخولهم الى البلد يفرض توفير بنى تحتية   ومساعدات اولية وتدابير اضافية كما يفرض تدابير اخرى تساعد على استيعابهم داخل المجتمع بشكل سلس وتكييفهم مع البيئة الجديدة الحاضنة.
وربط كار بين امواج المهاجرين وارتفاع اسعار المنازل خاصة في المدن الكبرى، كون معظم المهاجرين يقيمون فيها. وذكر كار ان الوضع الاقتصادي «السلبي» محلياً وعالمياً لا يشجع على استقبال المزيد من المهاجرين، اذ يخشى في حال تفاقمت الاوضاع الاقتصادية ان ترتفع نسبة العاطلين عن العمل وتبلغ رقماً قياسياً.
لم يتطرق وزير الخارجية السابق بوب كار الى الجانب السياسي والى الدوافع السياسية لطرحه هذا الموضوع، رغم ان تعليقاته لا تخلو من الابعاد السياسية.
ففي حين يرى علماء السكان انه يتوجب على استراليا لكي تصبح قوة اقتصادية وسياسية في المنطقة (جنوب شرق آسيا) ان يبلغ عدد سكانها 200 مليون نسمة خلال 50 سنة، نظراً للمساحات الشاسعة الفارغة من السكان والخيرات الطبيعية التي لم يجر استثمارها بعد.
ولا شك ان مستقبل استراليا يتوقف على سياسة حكوماتها والقدرة على تفعيل سكان استراليا، كما يرغب بوب كار لكي يتحولوا الى طاقة منتجة، خاصة بعد ان ابرمت حكومة طوني آبوت اتفاقيات التجارة الحرة مع اليابان والصين وجنوب كوريا والهند، وهذه تشكل سوقاً استهلاكية ضخمة، خاصة للمواد الاولية وللقطاع الزراعي (مزروعات ومواشٍ) وللثروات الطبيعية الخام التي تمتلكها استراليا.
فالعيب ليس في قدوم المهاجرين، بل في اماكن اقامتهم داخل استراليا،  اذ تبين كما ذكرنا ان 89 بالمئة من سكان استراليا يقيمون في المدن، وان 99 ٪ من المهاجرين الجدد يقيمون ايضاً في المدن، وبنوع خاص في سيدني، ملبورن وبرزبن، ويتحولوا نتيجة لذلك الى قوة مستهلكة للمواد الاولية وليست منتجة لها. ربما يتوجب على الحكومات الاسترالية ان تضع شروطاً جديدة وتخصص مساعدات اضافية لمن يقيمون في المناطق الريفية ويستثمرون في القطاع الزراعي والمواشي والتعدين، لأنها اهم مصدر للدخل الوطني الى جانب الصناعة والخدمات العامة والتعليم.
ان النمو السكاني ، بدون الهجرة ، هو غير قادر على ضمان مستقبل مزدهر ومستقر لاستراليا، لأن نسبة النمو الطبيعي في البلاد هو غير كافٍ لرفع عدد سكان البلاد، خاصة مع انخفاض نسبة الزواج وارتفاع معدل الطلاق والدعوة لاقرار زواج المثليينن بالاضافة الى غلاء المعيشة في استراليا، بعد ان حلت سيدني في طليعة المدن العشر الاغلى في العالم.
فاليابان التي تسعى للحفاظ على العرق الياباني وثقافة البلاد اصبحت مرغمة على منح تأشيرات للمهاجرين لمكافحة العجز الذي تشهده البلاد في مستوى الانجاب.
كذلك تعاني معظم الدول الاوروبية من نقص في اليد العاملة وخلل في الهرم السكاني لديها، مع ارتفاع عدد المسنين وانخفاض نسبة الانجاب، مما يعني باختصار ان حضارات هي في طريقها الى الزوال علىالمدى البعيد ان لم يعد الاوروبيون الى اعتماد سياسة محافظة حيال العائلة التقليدية.. والا، فما عليهم سوى الاعتماد على الهجرة وقبول المزيد من المهاجرين.
واستراليا ليست حالة مختلفة على الاطلاق. وكما اقرّ بوب كار: ان استراليا هي بلد المهاجرين بامتياز.
pierre@eltelegraph.com