بقلم الشاعرة الاسترالية اللبنانية سوزان عون- سدني

في لحظات الألم والارتباك، تسقط الأقنعة سريعًا، وتظهر حقيقة الوعي أو خواؤه. فالحوادث المأساويّة التي تهزّ المجتمعات، كالحادثة المؤسفة التي وقعت في بونداي وغيرها، لا يجوز أن تتحوّل إلى منصّات للاتهام الأعمى، ولا إلى ذرائع لتصفية الحسابات، ولا إلى مساحات لتشويه جماعات بأكملها بجريرة فرد أو فعل معزول.

 

إنّ حرية الرأي لا تُقاس بحدّة الصوت، ولا تُثبتها الإساءة، ولا يرسّخها التهجّم.

فحرية التعبير مسؤولية أخلاقيّة قبل أن تكون حقًا، تبدأ من احترام الإنسان، ومن القدرة على الاختلاف دون إلغاء، وعلى النقاش دون تجريح، وعلى إبداء الموقف دون وصاية أو كراهية.

فالكلمة موقف، والموقف وعي، والوعي لا يولد من الغضب بل من التعقّل.

 

وما فعله أحمد الأحمد، وباختصار، أنّه جسّد المعنى الحقيقي للإنسانيّة حين خاطر بحياته لإنقاذ آخرين لا يعرفهم، فأحبط مسارًا خطيرًا كان يمكن أن يُستغلّ لإشعال نار الفتنة والكراهية ضد الجالية العربية.

 

وفي لحظة فاصلة، اختار الفعل الإنساني على الخوف، والمسؤولية على الانسحاب، فاستحقّ كل الاحترام والتقدير.

 

من هنا، لا بدّ من التمييز الواضح بين الجريمة الفرديّة الناتجة عن خلل أو دافع شخصي، وبين محاولات التعميم التي تُحمِّل جماعات كاملة وزر أفعال لا تمثّلها.

 

لا شيء في هذا الكون يبرّر قتل الأبرياء العزّل، مهما تغيّرت الذرائع وتعدّدت المسميات، وحين يُستباح الإنسان تسقط كل الشعارات.

 

العقل والتعقّل هما الحدّ الفاصل بين الإنسانيّة واللاإنسانيّة، واختلاف البشر في آرائهم ورؤاهم لا يعني الإلغاء ولا التعميم، بل يفتح مساحة للقاء والارتقاء.

فالرأي المختلف ليس اعتداءً، ما دام يُقال باحترام، ويُقابل باحترام، وبه وحده نبني الإنسان والمجتمع.

 

ومن يعيش في بلدٍ عظيم كأستراليا، بلدٍ احتضن الناس دون تمييز، ووفّر الأمان وكرامة العيش، رغم ما يحمله القادمون إليه من جراح وهموم، لا يمكن أن يكون موقفه إلا موقف محبّة وتقدير ووفاء. احترام القوانين واجب، والاعتراف بفضل الأوطان التي منحت الأمان أخلاق قبل أن يكون موقفًا سياسيًا.

 

إنّ ردّ الجميل لهذا البلد لا يكون بالشعارات ولا بالكلمات العابرة، بل بالالتزام الصادق بقوانينه، واحترام نظامه، والحفاظ على أمنه وسلامه الاجتماعي.

 

فالأوطان التي منحت الأمان وكرامة العيش تستحقّ وفاءً عمليًا، يُترجم سلوكًا مسؤولًا، واحترامًا للاختلاف، وحرصًا على عدم الانجرار إلى الفوضى أو الكراهية.

 

إنّ الانتماء الحقيقي يُقاس بقدرتنا على أن نكون عنصر استقرار وبناء، لا عبئًا ولا تهديدًا، وأن نحفظ لهذا البلد قيمه كما حفظ لنا حقّ الحياة الكريمة.

 

إنّ الكراهية طريق مسدود، ولن تستمرّ البشريّة إن سارت فيه، ووحده الوعي، واحترام الإنسان ورفض العنف والتعميم، هو ما يمنح هذا العالم فرصة نجاة.

لعلّنا، يومًا ما، نستحقّ السلام… ويكون السلام قدرنا.