يصح كلام البابا لاوون هذا، وهو يتوجّه الى الطائرة، على أمور لم يقصدها في كلامه!.

“المغادرة أصعب من الوصول”، تخرج عن معناها العفوي الذي قصده البابا إلى خوف وتوجّس لدى اللبنانيين؟.

فهو إن قصد صعوبة مغادرة شعب طيّب ومؤمن ومضياف، رحّب به بحفاوه، استقبله وكأنه رسول من السماء.. لكن المعاني الكبيرة التي تأسر قول الحبر الأعظم هي مخيفة بحجم وهج الزيارة إن لم يكن أكثر!.

المغادرة صعبة، لأن العرس الحبري انتهى.

المغادرة صعبة لأنها تعيد اللبنانيين الى أرض الواقع المؤلم وتنهي الحلم الذي عاشوه لثلاثة أيام.

المغادرة أصعب لأنه عند الوصول ، تحلّق اللبنانيون على اختلاف مشاربهم حول الحبر الأعظم، وعند المغادرة عادت كل عنزة لتعلق بكرعوبها.

المغادرة أصعب لأن الإستراحة انتهت ليعود اللبنانيون الى قلب العاصفة، لتعود المسيّرات الى العاصمة ، وليعود السجال السيادي والممانع والخلاف على جنس الملائكة!.

 

قبل الوصول، تصرّفت بيروت كمدينة تريد أن تستعيد حدًّا أدنى من كرامتها المهدورة: ورش تنظيف، أعلام تُرفَع، شعارات ترحيب تغطّي الشتائم على الجدران. بدا كأنّ العاصمة تقول للعالم: نعم، نحن بلد مفلس، منهك، جريح؛ لكننا ما زلنا قادرين – ولو في الشكل – على أن نكون مدينة استقبال، مدينة تستضيف رمزًا عالميًّا للسلام وتقدّم له صورة أفضل ما فيها. لم يقتصر الاستنفار على البروتوكول الرسميّ.

 

بعد المغادرة، استفقنا لنجد أن الضحايا الذين التقى البابا لاوون  ذويهم  في المرفأ ، لم يتم توقيف أي شخص حتى اليوم أو تحميله مسؤولية ما جرى.

وصل لاوون ليجد جموع المؤمنين يذرفون دموعاً حارة لدى ملاقاته، ويغادر ليعود اللبنانيون الى دموع تماسيح الذين سرقوا ثرواتهم وجنى أعمارهم.

 

شكراً لاوون لأنك منحت اللبنانيين جُرعة رجاء، وهم يعرفون أنها سترحل برحيلك.

شكراً لأنك أدرجت الوطن الصغير ضمن زيارتك الأولى الى الخارج.

شكراً لأن لبنان في قلبك وشعبه محط اهتمامك.

شكراً بابا لاوون على كل شيء فعلته من أجل لبنان وشعبه.

فعلاً المغادرة أصعب من الوصول؟!.