في الحادي عشر من تشرين ثاني/ نوفمبر أي يوم الثلاثاء القادم ستجري الانتخابات التشريعية لاختيار ممثلي المجلس التشريعي العراقي البالغ عددهم ٣٢٩ مقعداً.

البرلمان العراقي يحتل أهمية كبيرة بسبب كونه يتكون من مجلس واحد وليس مجلسين مثل كثير من الدول حيث هناك مجلس للنواب ومجلس للشيوخ ولهذا يفتقد إلى مجلس يقوم بتدقيق مشاريع القوانين. وليس هناك فصل للسلطات في النظام البرلماني العراقي فالنظام العراقي يسمى في النظم السياسية بنظام “الجمعية العامة” أي أنك تختار لمرة واحدة النائب الذي سيمثلك. بينما في النظام الرئاسي مثل الولايات المتحدة الأمريكية هناك انتخابات تشريعية وانتخابات لرئيس الجمهورية. النظام العراقي ليس فيه فصل للسلطات حيث أن النائب الذي ستختاره يتولى مسؤوليات كبيرة مثل انتخاب رئيس الجمهورية ومنح الثقة للحكومة.

الاستحقاق الذي يشهده وطننا العزيز سيشكل حدثاً مهماً سيحدد مستقبل العراق في السنوات الأربع القادمة. التصويت في الانتخابات واجب وطني وهو وسيلتنا لتحقيق نظام سياسي أفضل. مع ذلك تتوقع الأوساط الاستطلاعية مشاركة ضئيلة تصل إلى أقل من 40% من نسبة الناخبين العراقيين. المؤشرات التي تنبه وتحذر من ذلك هي المقارنة بين نسب الناخبين في الانتخابات الماضية مقارنة بعدد الناخبين المؤهلين للاقتراع في سنة 2025 عن الانتخابات في السنين الماضية وبالذات سنة 2021. والمؤشر الثاني هو أسلوب تعامل الناخب العراقي مع الانتخابات السابقة.

المؤشر الأول يدلل على أن الاستطلاعات تبين الانتخابات العراقية هناك طائفتان؛ الأولى تمثل الجهات الحاكمة والتحالفات القديمة مقابل القوى الجديدة الشابة التي ستشارك في الانتخابات. هذه القوى هي التي يعول عليها التغيير ولكن مفوضية الانتخابات تؤشرالى عدم اندفاع الشباب للانتخابات حيث سجلت المفوضية 21.4 مليون ناخب في انتخابات 11 تشرين الثاني القادم وهذا الرقم أقل من المسجلين في الانتخابات السابقة. عدد الناخبين في انتخابات 2021 كان 22,116,368)). أي أن عدد المسجلين الذين سيشاركون في الانتخابات هذه السنة أقل من العدد في انتخابات عام 2021. هذا يعني إن الشباب الذين وصلوا إلى سن الانتخابات لم يسجلوا في الانتخابات.

المؤشر الثاني والآفة التي خربت العملية الانتخابية منذ عام 2005 هو مقاطعة الانتخابات. هناك ترويج ودعايات بعدم المشاركة. هذا التصرف الخطير سبب فشل الانتخابات العراقية؛ عدم المبالاة وقلة الوعي. ومع الأسف، الذين يدعون للمقاطعة يبغون تحقيق فوائد لمصلحتهم الخاصة ولو تسببت بضرر للعراق. أول المستفيدين من هذا السلوك هي الفئة التي لا تريد تغيير الوضع القائم. فإذا كانت فئات من الشعب تقوم بمقاطعة الانتخابات احتجاجاً على الأوضاع السيئة، فالمقاطعة ستتسبب في إدامة الوضع الذي تعيشه وتشتكي منه. طائفة أخرى تدعو إلى مقاطعة الانتخابات تعبيرا عن يأس في عملية الانتخابات التي أوصلت مجموعات مارست الفساد ولذلك تدعو لمقاطعة الانتخابات وبذلك يساهمون بسبب المقاطعة في

عدم فوز العناصر الجيدة للوصول للحكم؟

هناك فئة أخرى تريد تحقيق تغييرا بال”الطريقة الجلبية” نسبة إلى أحمد الجلبي السياسي السابق الذي اشتهر بمعارضة النظام السابق. مضمون الطريقة هو التسكع على أبواب السفارات والإتصال بالمخابرات الأجنبية علهم يساعدونهم للوصول إلى الحكم. نلاحظ أيضا قبيل كل انتخابات تنتشر إشاعات، ولا غرابة أن تكون مدفوعة من جهات أجنبية، مفادها أن الولايات المتحدة حركت جيوشها وهناك خطة انقلابية ستحدث لكمّ التغيير. هذه الفئة تسلم بلادها لدول أجنبية وعندما تسألهم لماذا هذا التصرف لماذا دعوة الولايات المتحدة للتدخل؟ يجيبون “من بدأ المأساة ينهيها”!

إنه أمر مؤلم أن يكون العراق بحاجة لتعديل مسار وإصلاحات في النظام السياسي العراقي وهناك من يتخلى عن واجبه في هذه الانتخابات ولأسباب غير منطقية. آن الأوان وبعد 23 عاما من الغزو الأمريكي على العراق والذي أدى إلى إنهيار النظام السياسي السابق ان يفكر العراقيون عملياً في حلول لأنه خلال هذه السنوات الطوال لم يستطيعوا صنع نموذج إدارة كفؤ. المعارضة كانت تستسهل لوم العملية السياسية كون إيران مسيطرة على اختيار المرشحين وان النظام الانتخابي طائفي… ولكن بعد كل هذه السنوات أصبح من المعيب الاستمرار في هذه الحجج. المعارضة مطالبة بإعداد خطة استراتيجية لبناء

نظام سياسي. من السهل أن نلعن ونتهم ولكننا نحتاج إلى معارضة واعية تتمكن من عمل خطة لإنقاذ البلد. وعلينا مواجهة الأسباب التي تعيق تطور النظام السياسي في العراق.

الخلل الذي أُصيبت به العملية السياسية سببه القرار الخاطئ في مقاطعة الانتخابات وقد تم تشخيص ضعف المشاركة سبباً لفشل العملية الانتخابية منذ انتخابات عام 2005. ورغم التردي الذي حدث في الحياة السياسية في العراق، استمرّت المعارضة في ارتكاب نفس الخطأ. وتوصل جهات لا تمثل الشعب إلى البرلمان.

لا مجال لاتهام النظام الديمقراطي، فعلماء السياسة يوقنون أن السلطة تستمد شرعيتها من الشعب. والنظام الديمقراطي هو النظام الأمثل الذي تتفق عليه العديد من دول العالم. الحكومات كي تنال شرعيتها يعني ان تحقق ذلك عن طريق صناديق الاقتراع والفوز في الانتخابات. فالديمقراطية نظام عالمي. يتفق أنه النظام الأمثل. مع أن الديمقراطية فكرة امتدت فاعلة لمدة ٣٠٠٠ عام في أدبيات الفلسفة والفكر والسياسة. تنسب الديمقراطية إلى نظام طُبق في أثينا في القرن السادس قبل الميلاد. هذا النظام كانت تمارس فيه الديمقراطية المباشرة. أما الديمقراطية اليوم فهي ديمقراطية نيابية. أي أن الديمقراطية الاثينية لا تشبه الديمقراطية الحديثة الا بالاسم، ومع ذلك يحاول مؤيدو الديمقراطية الليبرالية ربطها بالحضارة اليونانية من أجل أن يقتصر هذا النظام على المجتمع الغربي.

النظام الديمقراطي مر بأربع موجات وانتشر في دول غير غربية وأصبح نظاما عالمياً يقوم على أسس أهمها المشاركة السياسية، التداول السلمي للسلطة، سيادة القانون والانتخابات.

مرت الديمقراطية بعدة موجات واستمرت لمدة 150 سنة حتى تشكل النظام الديمقراطي في أوروبا بشكله الحالي. المرحلة الأولى امتدت منذ القرن الثامن عشر وهي أطول مرحلة تشكل للأنظمة السياسية. بدأ تبلور النظام الحالي وما زالت التجارب الديمقراطية في كل الدول تتطور. الموجة الثانية هي بعد الحرب العالمية الثانية حتى عام 1970 وهذه هي فترة قصيرة أطلق فيها صمويل هنتنغتون بداية الموجة الثالثة على التحولات الديمقراطية في إسبانيا والبرتغال في أوائل السبعينيات من القرن العشرين، واستمرت حتى نهاية الحكم العسكري في اليونان وتركيا ، تلتها سلسلة من التحولات في دول أمريكا اللاتينية بما في ذلك البرازيل والأرجنتين وبيرو وبوليفيا وتشيلي. ثم انتقل النظام الديمقراطي إلى آسيا مع دمقرطة الفلبين وكوريا الجنوبية وتايوان. وبلغت ذروتها بانهيار الشيوعية والانتقال إلى الديمقراطية في أوروبا الشرقية وبعض الدول التي خلفت الاتحاد السوفيتي السابق.

الموجة الرابعة هي حركات الاستقلال في الوطن العربي منذ مطلع القرن العشرين. الكتاب الغربيون يرون بداية الحركة الديمقراطية مع بدايات ثورات الربيع العربي. هذا قصور في دراسة الحركات الاستقلالية التي نشأت في الوطن العربي بعد الحرب العالمية الأولى. المهم إننا شعوب لا ينقصها التطلع لمجتمع ديمقراطي وأن التدخل الأجنبي كان له أثر كبير في عرقلة مسيرة التحول الديمقراطي في وطننا.

فكرة المشاركة في السلطة في أوروبا بدايتها كانت فكرة تقليص سلطة الملوك والكنيسة من قبل الطبقات الرأسمالية الناشئة وتطورت نظريات العقد الاجتماعي التي تؤمن أن السلطة هي عقد بين الحاكم والشعب. كان المفكر البريطاني هوبز من أوائل الذين تبنى نظرية العقد الاجتماعي. رأى الدافع للعقد تحقيق الأمن. لذلك الميليشيات مثلاً ظاهرة لغياب السلطة أولا وليس إيران. إيران لا تستطيع إنشاء ميليشيات في العراق إذا كان النظام السياسي قوي ومستقر. حل المليشيات يعتمد على بناء سلطة قوية في العراق. وبناء سلطة قوية يجب أن تكون مدعومة من الشعب.

تجربة العراق تخللتها مثل كل تجارب العالم صعوبات ونواقص ولكن إصلاحها يجب أن يتم بمزيد من الممارسة الديمقراطية التي تصقل التجربة الخاصة بالعراق. فإذا كانت العقلية الطائفية والأيدي الأجنبية هي التي صنعت القانون الانتخابي في العراق فإن المتابع للانتخابات العراقية يجد إن العراقيين لم يستسيغوا فكرة التقسيم الطائفي وينعكس ذلك في التعديلات المستمرة في القانون الانتخابي.

هذه الوسائل وكما نصفها يجب أن ندينها ونرفضها هي سبب تخلف النظام السياسي في العراق وهي سبب انتشار الفساد وغياب الامن.