دخلت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA) التاريخية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وأستراليا حيز التنفيذ الأسبوع الماضي. تم التفاوض على هذه الاتفاقية في غضون تسعة أشهر فقط، وهي تمثل أول اتفاقية تجارة حرة توقعها أستراليا مع أي دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أنها الاتفاقية الأكثر تحريراً للتجارة التي وافقت عليها دولة الإمارات حتى الآن.

لا يمكن لمثل هذه الاتفاقيات القوية أن تتجسد إلا في ظل وجود صداقة وثقة عميقة بين الدولتين. تعد هذه الثقة المتبادلة رصيدًا لا يقدر بثمن لا يمكن خلقه بالرغبة، بل ينمو عبر الالتزام والجهد المشترك، والصدق المثبت، واختبار الزمن، كما شهدنا عبر تاريخ الشراكة بين بلدينا.

جذور العلاقات العميقة والفوائد المشتركة

يكفي النظر إلى المشهد الدولي لتذكّر قيمة هذه الروابط المستقرة والمتجذرة. حيثما توجد الثقة، يمكن إطلاق العنان للإمكانات البشرية، وتحرير الخيال والمواهب، وبناء سلم لتقدم الأجيال القادمة. عندما زار رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز دولة الإمارات الأسبوع الماضي للاحتفال بالذكرى الخمسين لعلاقتنا الثنائية ولإطلاق هذا العصر الجديد من التجارة الحرة، كان لدينا الكثير لنحتفل به.

ستعمل اتفاقيتنا على إزالة الحواجز التجارية، وتسريع الاستثمار، وتقريب مجتمعات الأعمال، مما يعود بالنفع على مواطني الدولتين. ومن المتوقع أن تدفع هذه الاتفاقية حجم التجارة الثنائية غير النفطية إلى أكثر من 15 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2032، بناءً على التوقعات الحالية، وهو ما يمثل زيادة بثلاثة أضعاف عن حجم عام 2023.

تشتمل الاتفاقية على بنود تعزز بيئة شاملة لا تقتصر على الشركات فحسب، بل تشمل سكان أستراليا الأصليين (First Nations people)، مما يجعلها أول اتفاقية تجارة حرة لأستراليا تتضمن فصلاً يروج لتجارة واستثمار السكان الأصليين. كما تدمج الاتفاقية التمكين الاقتصادي للمرأة في علاقتنا التجارية، مؤكدة أن شراكتنا ترتكز على قيمنا المشتركة بقدر ما ترتكز على مصالحنا الاقتصادية المتقاربة.

خطوة جريئة نحو التجارة الحرة والتعاون الواسع

في وقت تواجه فيه التجارة الحرة عقبات عالمية، تتخذ الإمارات وأستراليا خطوة جريئة في الاتجاه المعاكس. عند التنفيذ الكامل، ستلغي الاتفاقية التعريفات الجمركية على أكثر من 99% من صادرات أستراليا إلى الإمارات من حيث القيمة. على سبيل المثال، سيتم إلغاء الرسوم الجمركية على صادرات أستراليا من اللحوم الحمراء إلى الإمارات – والتي تزيد قيمتها عن 595 مليون دولار سنويًا.

نحن نعمل على تعميق تعاوننا في شتى المجالات، بما في ذلك الأمن الغذائي، والسياحة، والزراعة، والغابات، والبحث العلمي، والتعليم. تتيح الاتفاقية التعاون في المجالات المتطورة، حيث يتم توجيه التكنولوجيا والخبرة الأسترالية المتقدمة إلى الإمارات والعكس صحيح. ومن خلال التوافق مع الأهداف المشتركة للاستدامة، تمهد الاتفاقية الطريق لكي تعمل الدولتان على تحقيق أهداف الحياد المناخي بحلول عام 2050.

جسور من الثقة والروابط الإنسانية

نحتفل أيضًا بالنوايا الحسنة الهائلة التي تدعم هذا التطور في علاقتنا، والتي بُنيت على مدى عقود من الروابط بين الشعوب والمشاركة الحماسية في الرياضة والثقافة. كما يذكرني والدي الرياضي دائمًا، فإن تاريخ رياضة الركبي السباعي في الإمارات يسبق استقلالها. عندما تنزل الفرق إلى الملعب في البطولة القادمة في استاد ذا سيفنز بدبي، سيمر 55 عامًا على ممارسة هذه الرياضة على أراضينا، بكل ما تحمله من صداقة، وتقدير متبادل، وروح تنافس صحية، وهو ما ينعكس أيضًا في تعاملاتنا على مستوى الحكومات.

يعيش ويعمل ويدرس أكثر من 28,000 أسترالي حاليًا في الإمارات. ومن ناحية أخرى، يستفيد الطلاب والمهنيون الإماراتيون من نظام التعليم والتدريب الفني والمؤسسات البحثية الأسترالية عالمية المستوى سواء في أستراليا أو في وطنهم. يظل التعليم ركيزة أساسية وذات مغزى في علاقتنا، وننظر إلى أستراليا كشريك ذي قيمة في جهودنا للاستثمار في الإنسان من خلال التعليم الجيد والخبرات التعليمية العالمية. نحن ملتزمون معًا بتوسيع فرص المنح الدراسية والتعاون المؤسسي الذي يفيد الأجيال القادمة من الإماراتيين والأستراليين على حد سواء.

المستقبل المشترك والريادة العالمية

بينما نتطلع إلى المستقبل، تستمر الشراكة بين الإمارات وأستراليا في النمو عبر القطاعات والمستويات، من الحكومات إلى الأعمال، وحتى المدن. في شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، ستستضيف مدينة إكسبو دبي، التي جمعت العالم مرتين، رؤساء البلديات وقادة المدن من جميع أنحاء العالم مرة أخرى، وذلك بالتعاون الوثيق مع مجلس مدينة بريسبان – وهو انعكاس قوي لكيفية عمل بلدينا جنبًا إلى جنب للمساعدة في صياغة مستقبل المدن في كل مكان.

قد تبدو العوائق الطبيعية التي كان من الممكن أن تعيق تطور العلاقات بين بلدينا واضحة – كالمسافات الشاسعة التي تفصل بيننا، والتفاوت في حجم السكان، وكذلك الامتداد الجغرافي لأراضينا. لكن الزمن أثبت أن هذه اختلافات سطحية.

إن السمات الأكثر ضرورة للنجاح في القرن الحادي والعشرين هي تلك التي لحسن الحظ يمتلكها بلدانا بوفرة: اقتصادات مفتوحة؛ رأس مال بشري عميق ومتنامٍ؛ بنية تحتية متقدمة؛ أنظمة معرفة وأعمال خصبة؛ قدرات تكنولوجية نابضة بالحياة؛ وبيئة حكومية ممكِّنة. على سبيل المثال، صنف تصنيف ستانفورد العالمي لقوة الذكاء الاصطناعي لعام 2024 دولة الإمارات في المرتبة الخامسة عالميًا في قيادة وقدرات الذكاء الاصطناعي، تسبقها فقط الولايات المتحدة والصين وبريطانيا والهند.

شراكة من أجل الاستقرار والازدهار

المستقبل سيكون للأمم والشعوب القادرة على تسخير التكنولوجيا، وإدارة حالة عدم اليقين الجيوسياسي، وإقامة شراكات عملية، سريعة الاستجابة، ورشيقة بطرق مبتكرة ومبدعة. اتفاقيتنا التجارية الجديدة هي إحدى هذه المبادرات، ولكنها لن تكون الأخيرة، سواء في علاقتنا مع أستراليا أو في الشراكات التي نسعى لتعميقها مع دول أخرى.

على الرغم من تباعد المحيطات، تكمن قوة شراكتنا في الجسور التي بنيناها بمرور الوقت. في عام 2025، نحتفل بمرور 50 عامًا على العلاقات الدبلوماسية بيننا. ويقال إن سن الخمسين هو سن النضج، حيث تجتمع فيه القوة والحكمة. الشيء نفسه ينطبق على شراكتنا. فمعًا، تخلق الإمارات وأستراليا فرصًا لمواطنينا، وتوحدان جهودهما للتغلب على التحديات المشتركة، وتساهمان في الاستقرار والازدهار العالميين. يبدو أن العقد السادس من علاقاتنا الثنائية سيكون الأفضل حتى الآن، وأساسًا قويًا للبناء للمستقبل.