يواجه العمال في جميع أنحاء أستراليا، وخاصة أولئك الذين يعملون في الهواء الطلق أو في ظروف صعبة، تحديات متزايدة بسبب ارتفاع درجات الحرارة. تُشير دراسة حديثة إلى أن هذا الارتفاع لا يؤثر فقط على الظروف المادية للعمل، بل يفرض أيضًا ضغوطًا كبيرة على سوق العمل الأسترالي بأكمله، مما يستلزم إعادة التفكير في سياسات الموارد البشرية والسلامة المهنية.

التأثير على العمالة والمدن الحارة

تؤكد الخبيرة ريكيتس في مقال حديث لـ CSIRO (المنظمة الأسترالية للبحوث العلمية والصناعية) أن “جعل العمل الزراعي أكثر صعوبة وخطورة بسبب الحرارة يمكن أن يؤثر على جذب العمال والاحتفاظ بهم، ويترتب على ذلك تداعيات أكبر على العرض والطلب الإجمالي على اليد العاملة.”

لم يعد الإجهاد الحراري مشكلة موسمية؛ بل أصبح خطرًا على مدار العام. وقد أكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن العقد الماضي هو الأكثر حرارة على الإطلاق، مما أدى إلى عواقب صحية ملموسة. على سبيل المثال، وجدت دراسة لجامعة موناش أن أكثر من 1,000 أسترالي توفوا خلال موجات الحر بين عامي 2016 و 2019.

ومع ازدياد حرارة المدن، يشعر العمال في المناطق الحضرية الكثيفة بالآثار أيضًا. أظهرت بيانات جديدة من جامعة RMIT أن أجزاء من غرب سيدني و ضواحي ملبورن هي من أكثر المناطق عرضة للحرارة في البلاد، بناءً على عوامل مثل السن، والدخل، والإعاقة، والوصول إلى المساحات الخضراء.

ضعف معقد وتفاوت اجتماعي واقتصادي

ترى الدكتورة ميلاني دافيرن، مديرة المرصد الحضري الأسترالي، أن الضعف الحراري مسألة معقدة ومنتشرة. فليست الفئات المحرومة فقط هي المعرضة للخطر، بل يشمل الأمر كل أنحاء البلاد.

هذا التعقيد ينعكس في بيئة العمل:

  • الأكثر عرضة للخطر: هم العمال الأكبر سنًا، وذوو الحالات الصحية الموجودة مسبقًا، والموظفون في الوظائف ذات الأجر المنخفض أو المهام التي تتطلب جهدًا بدنيًا عاليًا.
  • التفاوت: يتفاقم الخطر بسبب التفاوت الاجتماعي والاقتصادي؛ فالذين لا يستطيعون تحمل تكاليف تكييف الهواء أو ساعات العمل المرنة غالبًا ما يكونون الأكثر تعرضًا للعوامل الجوية.

إدارة العمل في عالم يزداد حرارة

أصبح مديرو الموارد البشرية الآن في صلب تحدٍ يجمع بين السلامة، والإنتاجية، والتكيف مع المناخ. الأساليب التقليدية (توفير الظل، والترطيب، ومعدات الحماية) لم تعد كافية لوحدها.

يدعو الخبراء إلى اتباع نُهج جديدة لإدارة العمل أثناء الحرارة الشديدة، بما في ذلك:

  1. تحويل ساعات العمل إلى الأوقات الأكثر برودة من اليوم.
  2. إعادة تصميم المهام لتقليل الإجهاد البدني.
  3. تحديث معايير الصحة المهنية.

لكن هذه الحلول تأتي مع مقايضات؛ فبدء العمل مبكرًا جدًا يمكن أن يزيد من مخاطر التعب، وزيادة فترات الراحة قد تقلل من الإنتاج وتؤثر على الأجور.

تحذر ريكيتس من أن الشركات الصغيرة والعمليات التي تديرها العائلات قد تكافح لتغطية تكاليف هذا التكيف، لا سيما في المناطق الإقليمية التي تعاني أصلاً من نقص حاد في العمالة. وتخشى من نشوء “نظام زراعي بسرعتين” يتم فيه التخلي عن صغار ومتوسطي المزارعين.

مسؤولية مشتركة ومستقبل العمل

تؤكد هذه التحديات على ضرورة أن تحقق فرق الموارد البشرية التوازن بين المتطلبات التشغيلية و رفاهية الموظفين والاحتفاظ بهم. فمع تقدم سن القوى العاملة الأسترالية وازدياد قسوة المناخ، ستحدد صحة الموظف وسلامته بشكل متزايد كلًا من الإنتاجية و أقساط التأمين و سمعة صاحب العمل.

يتفق الخبراء على أن التكيف مع المناخ لم يعد خيارًا. إنه يتطلب تنسيقًا بين أصحاب العمل، والحكومات، والعمال أنفسهم. تتحمل فرق الموارد البشرية جزءًا كبيرًا من مسؤولية التنفيذ على أرض الواقع – مراجعة السياسات، وتثقيف العمال، والتخطيط لمستقبل أكثر حرارة.

البيانات واضحة: مع ارتفاع درجات الحرارة وتكثف الظواهر الجوية المتطرفة، سيواجه سوق العمل الأسترالي ضغوطًا غير مسبوقة. لم يعد بإمكان أصحاب العمل التعامل مع تأثيرات المناخ كعامل خارجي؛ بل أصبحت سمة محددة لمكان العمل الحديث، وسيعتمد مستقبل القوى العاملة على مدى فعاليتنا في التكيف.