تقلبات طرق الشحن تضغط على صادرات الحبوب وواردات الأسمدة، ولا توجد مياه هادئة في الأفق.
أدت الهجمات والمواجهات البحرية الممتدة من البحر الأحمر إلى مضيق هرمز إلى إعادة رسم خرائط الشحن العالمية. فمنذ أواخر عام 2023، وبعد هجمات الحوثيين من اليمن على السفن المارة، تحولت العديد من خطوط الشحن عن قناة السويس مفضلة رأس الرجاء الصالح، مما أدى إلى رحلات أطول وتكاليف أعلى. وفي الوقت نفسه، يزيد التوتر في الخليج من حالة عدم اليقين. وقد حذرت منظمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة (UN Trade and Development) من أن النمو العالمي سيتوقف مع استمرار هذه التقلبات وسلوك الشحنات مسارات أطول.
الأثر الاستراتيجي على أستراليا
بالنسبة لأستراليا، لا تمثل هذه المشكلة مجرد تحدٍ في مجال الشحن، بل هي قضية تتعلق بأنظمة الغذاء. تواجه شحنات الحبوب والبذور الزيتية المتجهة غربًا نفس نقاط الاختناق التي تواجهها وارداتنا من الأسمدة القادمة من الخليج. ومن منظور استراتيجي، يمثل الغذاء ومدخلات المزارع أمنًا اقتصاديًا. إن الحفاظ على الموثوقية تحت الضغط يمنح أستراليا نفوذًا مع الحلفاء والمشترين.
واقع الملاحة والتكاليف المتزايدة
تُظهر تقارير الشركات الكبرى الواقع على الأرض. لا تزال شركة الشحن العملاقة ميرسك (Maersk) تعلن عن تحويل مساراتها حول البحر الأحمر وباب المندب. وقد أكد “تقرير المراجعة السنوية للنقل البحري لعام 2024” (Review of Maritime Transport 2024) هذا التحول بالأرقام: انخفضت عمليات العبور في قناة السويس بينما ارتفعت عمليات الوصول عبر رأس الرجاء الصالح بشكل كبير.
هذه التحويلات ليست مجرد هفوة عابرة. تبقى الجداول الزمنية مرنة وغير مستقرة، كما ارتفعت أقساط تأمين مخاطر الحرب، وفي بعض الأحيان، تلغي شركات النقل توقفات في الموانئ لحماية جداول دوران السفن. من غير المرجح أن نرى عودة سريعة للخرائط الملاحية القديمة.
تداعيات على الصادرات والواردات
1. صادرات الحبوب والكانولا:
بالنسبة لصادرات أستراليا من الحبوب والكانولا المتجهة إلى أوروبا وشمال إفريقيا، والتي تعتمد الكانولا فيها بشكل خاص على الاتحاد الأوروبي، فإن زيادة أيام الإبحار وارتفاع تكاليف التأمين ترفع من قيمة الموثوقية. يهتم المشترون بالتسليم في الموعد المحدد بقدر اهتمامهم بالسعر.
ينعكس تضييق إمدادات الشحن في ارتفاع أجور الشحن، وزيادة تقلب الجداول الزمنية، وارتفاع مخاطر رسوم التأخير (Demurrage). وهذا يؤثر بدوره على فروقات الأسعار الأساسية، وقرارات التخزين، والضغط على فترة الصلاحية في جميع مراحل السلسلة.
2. واردات الأسمدة:
بالانتقال إلى الجانب الآخر، نجد الأسمدة. تستورد أستراليا معظم احتياجاتها من اليوريا ومنتجات النيتروجين الأخرى من الخارج، ويأتي جزء كبير منها من منتجي الخليج. تُظهر البيانات التجارية مدى هذا الاعتماد. لذا، فإن أي تهديد في مضيق هرمز يمثل خطرًا مباشرًا على مدخلات المزارع. يرفع مؤمنو الشحن أقساط تأمين مخاطر الحرب لعمليات العبور في الخليج. حتى لو تصدرت ناقلات النفط العناوين، فإن شحن البضائع السائبة يشعر أيضًا بارتفاع الأسعار. وعندما تقفز تكاليف الأسمدة، فإنها تؤثر على كل حقل زراعي وتشكل قرارات الزراعة أكثر مما تفعله الخطابات.
تهديد مضيق هرمز: اضطراب محتمل
هل يمكن لإيران أن تغلق مضيق هرمز؟ الإغلاق الكامل والمستدام غير مرجح، لكن حدوث اضطراب كبير أمر محتمل. تمتلك إيران مجموعة من الأدوات – الألغام، الزوارق الهجومية السريعة، الطائرات المسيرة، والصواريخ المضادة للسفن – التي يمكن أن تعيق الشحن وترفع المخاطر لأسابيع. يشكل هذا المضيق أهمية قصوى: يمر عبره أكثر من ربع النفط المنقول بحراً وحوالي خُمس الغاز الطبيعي المسال (LNG) العالمي، معظمه من قطر. حتى بدون إغلاق رسمي، يكفي هذا المستوى من التهديد لرفع الأقساط، وإطالة الرحلات، وإبطاء عمليات الشحن.
الحل الاستراتيجي: التخطيط للاضطراب
الدرس الاستراتيجي لأستراليا بسيط: يجب التخطيط للاضطراب بدلاً من الرهان على الهدوء.
إليك ما يمكن عمله على وجه السرعة:
1. تنويع خيارات المسار (بمثابة محفظة استثمارية):
بالنسبة لشحنات الحبوب والكانولا إلى أوروبا، يجب هيكلة عقود الشحن الآجلة بحيث يمكن الاختيار بين مسار السويس أو رأس الرجاء الصالح بناءً على مؤشرات واضحة، مثل تجاوز أقساط مخاطر الحرب أو التحذيرات البحرية حدًا معينًا. يمكن لغرف التجارة والهيئة الأسترالية للتجارة (Austrade) مساعدة شركات الشحن المتوسطة على تجميع شحناتها للحصول على أسعار وشروط أفضل وخيارات أوسع دون فقدان المرونة.
2. تحصين أمن الأسمدة:
الحفاظ على الإمداد من الخليج، لكن يجب تنويع مصادر المنشأ (إندونيسيا وماليزيا لليوريا عند توفرها، والمغرب للفوسفات). بالإضافة إلى ذلك، يجب اختبار إنشاء مخزون احتياطي تجاري صغير يغطي فترة زراعة واحدة (لعدة أسابيع، وليس أشهر). هذا ليس مخزونًا دائمًا، بل هو امتصاص صدمات يحمي هوامش الربح في المزرعة ويخفف من انتقال ارتفاع الأسعار إلى أسعار الغذاء، خاصة إذا أدت اضطرابات هرمز إلى ارتفاع جنوني في الأسعار.
3. تقليل المخاطر بالمعلومات والمعايير:
يجب دمج نشرات شركات التأمين، وتنبيهات هيئة العمليات التجارية البحرية في المملكة المتحدة (UKMTO)، وتحديثات المشغلين في لوحة تحكم واحدة يمكن للمصدرين استخدامها فعليًا. يجب أن يكون تنفيذ ذلك مسؤولية مشتركة بين وزارات الخارجية والتجارة والدفاع (عبر الاتصال بـ UKMTO)، بالتعاون مع وزارة الزراعة ومصائد الأسماك والغابات، وهيئة التجارة، وكبرى شركات التأمين والشحن.
بهذه الطريقة، تتحول التحذيرات إلى توجيهات واضحة للمسارات، وتحديد لنوافذ مرور القوافل، وتوقعات المستندات المطلوبة. وبالنسبة للشحنات المبردة، يجب ترسيخ إجراءات التتبع ومؤشرات الأداء الرئيسية للتسليم في الموعد (KPIs) بحيث يرى المشترون سلامة سلسلة التبريد حتى لو طالت الرحلات. أما بالنسبة للشحنات السائبة، يجب توحيد بنود “الطقس والحرب” في العقود لجعل تقاسم المخاطر أمرًا متوقعًا ومنظمًا، بدلاً من أن يكون مرتجلًا على الرصيف.
دور التمويل
يمكن للتمويل أن يلعب دورًا مساندًا أيضًا. يجب على هيئة تمويل الصادرات الأسترالية (Export Finance Australia) تجربة برنامج إضافي ومحدد زمنياً لـ تغطية مخاطر الحرب مرتبط بمؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs): الشركات التي تنشر بيانات عن التتبع ومؤشرات التسليم في الموعد المحدد تحصل على تمويل “جسر” أرخص خلال فترات ارتفاع الأسعار. تضمن هذه الضوابط – كونها محددة بمدة زمنية وشفافة – عدم الانزلاق إلى الدعم الحكومي غير المبرر أو المخاطر الأخلاقية، بينما تكافئ السلوك المنضبط الذي يحافظ على استمرارية حركة البضائع.

