يتّهم محامو حقوق الإنسان وحزب الخضر الحكومة الفيدرالية بـ “إخفاء” تفاصيل تورّط أستراليا في سلسلة التوريد العالمية التي تستخدمها إسرائيل لصيانة طائراتها المقاتلة من طراز F-35.

إزالة البيانات من الموقع الرسمي

كانت إحدى الصفحات على موقع وزارة الدفاع الأسترالية تشرح سابقاً كيف يساهم برنامج الطائرة المقاتلة المشتركة العالمية F-35 Joint Strike Fighter في “تحويل الصناعة الأسترالية”. وتضمّنت الصفحة رسماً بيانياً يوضّح الأجزاء العديدة المصنّعة في أستراليا، والتي تتراوح بين أنظمة التحكم في الطيران ومكونات المحرك، لبناء ما تصفه شركة لوكهيد مارتن بأنه “الأكثر تقدماً” و”الأكثر فتكاً” في العالم. كما كانت تحتوي على قائمة بأسماء الشركات التي تتقاسم عقوداً تزيد قيمتها عن 4 مليارات دولار، مع روابط لمعلومات إضافية حول “رحلتها ومشاركتها” في البرنامج.

نصّ الموقع على أنه “من المتوقع أنه مع تحرك برنامج F-35 نحو مرحلة الإدامة، ستساهم الصناعة الأسترالية أيضاً في سلسلة التوريد العالمية تلك”.

في أواخر عام 2023، اختفت كل تلك المعلومات.

لم تردّ وزارة الدفاع على أسئلة هيئة الإذاعة الأسترالية (ABC) حول سبب إزالة المحتوى. ومع ذلك، أظهرت رسائل بريد إلكتروني بين موظفي الوزارة، حصل عليها حزب الخضر بموجب قانون حرية المعلومات (FOI) واطّلعت عليها ABC، وجود خطط لتحديث الصفحة بمحتوى جديد. في 23 نوفمبر 2023، تمت الموافقة على نشر نص منقّح ورسومات أكثر تفصيلاً حول مشاركة الصناعة الأسترالية في برنامج F-35.

لكن الصفحة ظلت فارغة، وتظهر خطأ “404”. وعلق أحد نواب المديرين في الصناعة عبر البريد الإلكتروني في ذلك الوقت قائلاً: “مظهر غير لائق”، مضيفاً: “يبدو أنه تمت إزالة الصفحة”. وأظهرت رسائل البريد الإلكتروني حالة من الارتباك لأن الصفحة لم يتم تحديثها كما كان مقرراً.

تزايد الضغوط حول دور أستراليا

منذ اندلاع الحرب في غزة في 7 أكتوبر 2023، واجهت الحكومة الأسترالية ضغوطاً متزايدة لزيادة الشفافية وتتبّع صادراتها العسكرية، خاصة فيما يتعلق ببرنامج F-35.

تُعدّ أستراليا من بين مجموعة الدول الشريكة بقيادة الولايات المتحدة في برنامج F-35، والتي تساهم في توريد الأجزاء والمكونات لسلسلة إمداد عالمية تستفيد منها إسرائيل للحفاظ على طائراتها في الجو. وفي أعقاب النتائج الأخيرة للجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، التي تفيد بارتكاب إسرائيل لـ إبادة جماعية في غزة، تجدّد التدقيق في دور أستراليا في البرنامج.

خصّ كريس سيدوتي، خبير حقوق الإنسان الأسترالي وعضو اللجنة، أستراليا بالذكر، داعياً إلى وقف الصادرات. وقال في خطاب له: “إذا كانت المكونات التي تُصنّع هنا في أستراليا تجد طريقها إلى طائرات F-35 التي تستخدمها إسرائيل لقصف غزة بقسوة، فإننا نتشارك المسؤولية”.

الادعاء بـ “مكونات غير فتاكة”

قالت وزيرة الخارجية، بيني وونغ، إن أستراليا توفّر فقط أجزاء “غير فتاكة” لطائرات F-35، وألقت بالمسؤولية عن أي عمليات نقل إلى إسرائيل على شركات الأسلحة الأمريكية. وصرّحت وونغ: “نحن لا نُورّد تلك الأجزاء. يتم توريدها إلى لوكهيد مارتن كجزء من سلسلة إمداد F-35”.

رداً على ذلك، أكد ديفيد شوبيردج، المتحدث باسم حزب الخضر لشؤون الدفاع والشؤون الخارجية، أن ادعاءات الحكومة بأن أستراليا “لا تملك أي سلطة” على لوكهيد مارتن مضلّلة. وقال: “يمكن للحكومة بالتأكيد تغيير شروط الاتفاقيات والعقود عند اللزوم لوقف إبادة جماعية”.

وشدد سيدوتي على أن كون أستراليا جزءاً من “صفقة دولية مع لوكهيد مارتن” لا يعني إمكانية تهرّبها من هذه المسؤوليات. وأضاف: “نحن نتحدث عن مكونات لطائرات F-35 المقاتلة، والتي نعلم أنها استُخدمت من قبل الجيش الإسرائيلي في غزة منذ 7 أكتوبر 2023… وبغض النظر عن العلاقات التجارية، أو صناعة المكونات، أو سلاسل التوريد، فإن لدينا التزامات قانونية”.

اتهامات للحكومة بإخفاء الأدلة

اتّهم السيناتور شوبيردج الحكومة بمحاولة “إزالة الأدلة” التي تظهر مدى تورط أستراليا في برنامج F-35. وقال: “لقد علمت حكومة ألبانيز منذ بداية هجوم إسرائيل على غزة أنها تدعم عسكرياً إسرائيل بنشاط عبر إرسال أجزاء طائرات F-35 المقاتلة”. وأضاف أن الحكومة “تدرك أن وجود موقع عام يحتفل بالوظائف والأرباح التي تتحقق في أستراليا من برنامج F-35 سيكون أمراً شنيعاً بينما تُستخدم الطائرة لارتكاب إبادة جماعية. وبدلاً من وقف تلك التجارة، اختاروا إخفاء الأدلة”.

مطالبة بالشفافية والمساءلة

أعرب المركز الأسترالي للعدالة الدولية عن قلقه إزاء “الإزالة الهادئة” لموقع F-35، مشيراً إلى أنه يثير “مزيداً من التساؤلات حول الشفافية في سلسلة التوريد والصادرات الأسترالية”. وفي الوقت الحالي، تفتقر أستراليا إلى الشفافية، حيث لا تنشر وزارة الدفاع ما هي الأصناف المصدّرة، أو الغرض منها، أو وجهتها النهائية.

وقالت سوزان فارال، زميلة باحثة في القانون الدولي والأمن العالمي، إن هذا النقص في المعلومات يمكّن الحكومة من تجنّب المساءلة. وأضافت: “إنه يزيل قدرتنا على التشكيك أو الاعتراض على قرارات [الحكومة] ومحاسبتهم عليها”.

دعوات لاستخدام أستراليا نفوذها

أشار جوش بول، المدير السابق في مكتب الشؤون العسكرية والسياسية بوزارة الخارجية الأمريكية، إلى أن أستراليا تملك نفوذاً يمكنها استخدامه. وقال إنه بإمكانها أن تقول: “لن نقدّم قطع الغيار إلى الكونسورتيوم ما لم نكن متأكدين من أنها لن تذهب إلى إسرائيل”. وأضاف أن “هذا سيولّد ضغطاً على الكونسورتيوم بأكمله بحيث يصعب جداً تجاهله”.