تسعى أستراليا جاهدة لتأمين استضافة القمة المناخية للعام المقبل، في محاولة لترسيخ مكانتها كـقوة عالمية متوسطة، لا سيما في ظل التوترات الأمنية مع الصين في منطقة المحيط الهادئ. تُمثّل استضافة مؤتمر الأمم المتحدة الحادي والثلاثين لتغير المناخ (COP31) أكبر حدث دبلوماسي تطمح أستراليا إلى تنظيمه على الإطلاق.
جهود أستراليا لتأمين الاستضافة والأهمية الدبلوماسية
الدفع الأسترالي في الأمم المتحدة
استغل رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز خطابه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك للدفع بقوة من أجل ملف استضافة أستراليا. دعا ألبانيز الدول الأعضاء إلى العمل المشترك لمواجهة التحديات العالمية، وعلى رأسها تغير المناخ، بالإضافة إلى جهود إنهاء الصراعات في غزة وأوكرانيا. كما أعلن عن مسعى أستراليا للحصول على مقعد مؤقت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
على النقيض من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي وصف تغير المناخ بأنه “أعظم خدعة احتيال ارتُكبت في العالم”، وصفه ألبانيز بأنه “تهديد وجودي”.
المنافسة التركية والضغط الدبلوماسي
تبذل حكومة ألبانيز جهودًا مكثفة للضغط على تركيا لحملها على سحب ترشحها المنافس لاستضافة مؤتمر COP31. وقد رُصد وزير شؤون تغير المناخ والطاقة، كريس بوين، وهو يتحدث إلى السيدة التركية الأولى، أمينة أردوغان، على هامش فعالية مناخية في نيويورك.
دلالات استضافة COP31 على المستوى الوطني والعالمي
تغيير الصورة وبناء الهوية الجديدة
يؤكد ويسلي مورغان، الباحث المشارك في معهد المخاطر والاستجابة المناخية بجامعة نيو ساوث ويلز، أن نجاح أستراليا في استضافة القمة سيكون حدثًا بالغ الأهمية وسيساعد على تجديد صورتها العالمية. يرى مورغان أن الاستضافة ستُرسل إشارة واضحة بانتقال أستراليا من “ماضيها كقوة عظمى في الوقود الأحفوري إلى مستقبلها كقوة عظمى في الطاقة النظيفة”.
تأتي هذه الجهود رغم الانتقادات التي وُجّهت إلى الأهداف الجديدة للحكومة الفيدرالية لخفض الانبعاثات، والتي وصفها بعض الخبراء بأنها غير كافية.
ما الذي تتضمنه الاستضافة؟
في حال فوزها بالملف، ستشارك أستراليا في استضافة المؤتمر مع دول المحيط الهادئ، وتترأس محادثات الأمم المتحدة المناخية لمدة عام كامل، بدءًا من مفاوضات القمة التي تستمر أسبوعين في أواخر عام 2026 وحتى بداية القمة التالية في عام 2027. يتضمن هذا الدور توجيه المناقشات العالمية حول خفض الانبعاثات، وتطبيق الالتزامات المتعلقة بالتحول عن الوقود الأحفوري والتخفيف من آثار تغير المناخ.
الأهمية للاقتصاد والأمن
سيمون برادشو، مسؤول ملف COP31 في منظمة غرينبيس أستراليا والمحيط الهادئ، يشدد على أن المشاركة في الاستضافة مع جيران المحيط الهادئ أمر بالغ الأهمية، نظرًا لدورهم التاريخي في القيادة المناخية وفهمهم العميق للمخاطر، مثل تآكل السواحل والعواصف الأكثر شدة والتهديدات لأمن المياه والغذاء.
ستُوفر استضافة القمة دفعة اقتصادية كبيرة لمدينة أديليد المُرشحة للاستضافة، خاصة وأن قمة COP28 في دبي شهدت تسجيل 80 ألف مشارك. والأهم من ذلك، ستجذب القمة الاستثمارات الدولية اللازمة لانتقال أستراليا إلى الطاقة النظيفة. يوضح مورغان أن 70% من الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة الأسترالية يأتي من الخارج، مما يجعل استضافة المؤتمر فرصة لـ”إعداد أستراليا لتكون قوة عظمى للطاقة النظيفة“.
تحديات أستراليا والمصداقية المناخية
المناخ كجزء من التنافس الأمني مع الصين
يرى مورغان أن على أستراليا أن تُظهر جديتها في معالجة تغير المناخ إذا أرادت البقاء الشريك الأمني المفضل لدول جزر المحيط الهادئ، لا سيما في ظل سعي هذه الدول لإبرام اتفاقيات أمنية مع بلدان مثل الصين. هذه الدول تعتبر تغير المناخ “التهديد الأكبر” الذي تواجهه.
يُقر برادشو بأن المشاركة في الاستضافة ستكون “اختبارًا حقيقيًا لأستراليا”، التي عليها الموازنة بين دفع الأجندة العالمية للطاقة النظيفة ومعالجة مشكلتها الداخلية المتمثلة في التخلص التدريجي من الفحم والغاز. يُحذّر برادشو من أن المضي قدمًا في مشاريع مثل تمديد مشروع غاز Woodside’s North West Shelf يضر بمصداقية أستراليا كقائد مناخي، وهو ما أثار انتقادات فورية من المحيط الهادئ.
فعالية القمم المناخية
على الرغم من الانتقادات الموجهة لعملية اختيار المضيفين، إلا أن الخبراء يؤكدون أن القمم المناخية تظل حاسمة للجهود العالمية. فقد أسفرت هذه القمم عن اتفاقيات محورية مثل اتفاق باريس لعام 2015، الذي يهدف إلى الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5∘C فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
يؤكد مورغان أن التعاون ضمن هذا الإطار هو “الطريقة الوحيدة التي سنتعامل بها مع أزمة المناخ”. ويُقر برادشو ببطء عملية المفاوضات، لكنه يشدد على أنها تدعم الدول الضعيفة وتضمن “أن يكون للجميع صوت”.

