خلص تقرير صادر عن لجنة تحقيق دولية مستقلة تابعة للأمم المتحدة إلى أن إسرائيل ترتكب “إبادة جماعية” في غزة، وهو اتهام تنكره إسرائيل بشدة. يرى خبراء القانون والجماعات الحقوقية أن هذا التقرير يقدم لأستراليا خارطة طريق واضحة لاتخاذ إجراءات أقوى ضد إسرائيل، لكن السؤال يبقى: هل ستقوم الحكومة الأسترالية بذلك؟
أفاد تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة، الذي صدر يوم الثلاثاء، بأن “الإبادة الجماعية تحدث في غزة وتستمر في الحدوث”، كما نقلت رئيسة اللجنة نافي بيلاي. وأضافت بيلاي أن التقرير توصل أيضاً إلى أن “التصريحات الصادرة عن السلطات الإسرائيلية تُعد دليلاً مباشراً على نية الإبادة الجماعية”.
وترفض إسرائيل بشدة تقرير اللجنة، حيث وصفته وزارة خارجيتها بأنه “مشوه وكاذب” ورفضت نتائجه بشكل قاطع.
وقد حثت اللجنة جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما فيها أستراليا، على إنهاء الإبادة الجماعية ومعاقبة المسؤولين عنها. ويرى الخبراء أن التوصيات الواردة في التقرير، مثل فرض عقوبات أشد، توفر خطة عمل واضحة للحكومة الأسترالية، غير أن موقفها من تنفيذ هذه التوصيات لا يزال غير واضح.
وصرحت كايتلين ريجر، المديرة التنفيذية لمركز قانون حقوق الإنسان، أن التقرير يمثل “أقوى دعوة حتى الآن” من الأمم المتحدة تفيد بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية.
“نية الإبادة الجماعية”: نقطة تحول حاسمة
ما يميز هذا التقرير عن النتائج السابقة هو استنتاجه بشأن وجود “نية الإبادة الجماعية”. تقول الدكتورة جولييت ماكنتاير، المحاضرة في القانون بجامعة جنوب أستراليا، إن “إثبات النية هو أهم ما في هذا التقرير”.
وقد وثّق التقرير أن 46% من الـ 65,000 شخص الذين قُتلوا في غزة منذ 7 أكتوبر 2023 هم من النساء والأطفال. كما أشار إلى أن متوسط العمر المتوقع في غزة قد انخفض إلى النصف تقريباً، من 75.5 سنة إلى 40.5 سنة، خلال العام الأول من الحرب.
وأوضح كريس سيدوتي، المفوض الأسترالي السابق لحقوق الإنسان وعضو لجنة التحقيق، أن الأعداد الكبيرة للقتلى ليست “مجرد حوادث أو أضرار جانبية”، بل هي “نتيجة مباشرة لاستراتيجية عسكرية تقوم على القصف المكثف وسياسة الأرض المحروقة”.
يختلف هذا التقرير عن القرار المؤقت الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في يناير 2024، والذي أقر بوجود خطر ارتكاب إبادة جماعية، لكنه لم يصل إلى حد المطالبة بوقف إطلاق النار.
هل أستراليا ملزمة بالتحرك؟
دعت لجنة التحقيق جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما فيها أستراليا، إلى “منع ارتكاب الإبادة الجماعية” في غزة. وتؤكد لارا خضر، المحامية في المركز الأسترالي للعدالة الدولية، أن “أستراليا ليست مجرد مراقب”.
ومن بين التوصيات، يدعو التقرير الدول إلى وقف نقل الأسلحة والمعدات الأخرى إلى إسرائيل إذا كان هناك ما يدعو للاشتباه في استخدامها في عمليات عسكرية تنطوي على ارتكاب إبادة جماعية.
بينما تنفي الحكومة الأسترالية تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، إلا أنها تشارك في سلسلة توريد طائرات F-35 المقاتلة التي يستخدمها سلاح الجو الإسرائيلي. ورغم تصريحات وزير الدفاع الأسترالي، ريتشارد مارلز، بأن أستراليا لا يمكنها التأثير على الأنشطة الإسرائيلية، تؤكد الدكتورة ماكنتاير أن التقرير يفرض التزاماً واضحاً بوقف إرسال هذه المواد.
كما توصي اللجنة باتخاذ إجراءات، بما في ذلك العقوبات، ضد إسرائيل والأفراد أو الشركات المتورطين في تسهيل الإبادة الجماعية. وفي هذا السياق، يقول بن سول، أستاذ القانون الدولي في جامعة سيدني والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، إن أستراليا لديها مجال لفرض المزيد من العقوبات على المسؤولين رفيعي المستوى.
عواقب التقاعس
رغم أن تقرير لجنة التحقيق غير ملزم قانونياً، إلا أن الدكتورة ماكنتاير توضح أن محكمة العدل الدولية يمكنها مقاضاة الدول التي تفشل في منع الإبادة الجماعية.
وعلى المدى الطويل، ترى ماكنتاير أن التقاعس قد يؤدي إلى عواقب غير مباشرة، مثل المساءلة السياسية والشعور بالعار. وتضيف: “المساهمة بأي شكل من الأشكال في الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني أمر مخزٍ، وأعتقد أنه ستكون له عواقب على الحكومات داخلياً، ولن يُعاد انتخابها”.
الاستجابة السياسية
لم تُعلن الحكومة الأسترالية بعد التزامها بتوصيات التقرير. وفي بيان لها، صرحت وزيرة الخارجية بيني وونغ أن الوضع في غزة تجاوز “أسوأ مخاوف العالم” منذ وقت طويل، وأن أستراليا تدين رفض إسرائيل وصول المساعدات وقتل المدنيين.
من جهتها، أكدت المتحدثة باسم الشؤون الخارجية للمعارضة، مايكيليا كاش، أن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها، لكنها يجب أن تلتزم بالقانون الدولي، محملة حركة حماس مسؤولية إطالة أمد المعاناة.
وأفاد متحدث باسم الحكومة الأسترالية بأن موقفها هو ضرورة “بذل كل جهد ممكن لحماية الأرواح البريئة ووضع حد لمعاناة وتجويع الشعب في غزة”، وأنها تحترم استقلالية المحاكم الدولية ودورها في الحفاظ على القانون الدولي.
وقد رفضت إسرائيل نتائج التقرير، حيث وصف العميد المتقاعد أمير أفيفي اللجنة بأنها “فقدت بوصلتها الأخلاقية تماماً”، مؤكداً أن إسرائيل تبذل كل ما بوسعها لتقليل الأضرار الجانبية.

