على الرغم من المخاوف من أن يتولى الذكاء الاصطناعي (AI) مهامنا، فإن الحقيقة هي أن أستراليا لا تمتلك العدد الكافي من العمال. مع تقاعد جيل “البيبي بومرز” (المواليد بعد الحرب العالمية الثانية) وتقدم سن القوة العاملة، ستتفاقم مشكلة نقص العمالة في السنوات القادمة.

وفي الوقت نفسه، سيزداد الطلب على العمال للمساعدة في التحول نحو الطاقة النظيفة، وبناء المزيد من المساكن، وتلبية الاحتياجات المتزايدة للخدمات الإنسانية، وخاصة في مجالي الرعاية الصحية والمسنين.

الأسباب وراء تزايد احتياجات أستراليا من القوة العاملة

يعيش الأستراليون عمرًا أطول مما يعيشه مواطنو معظم الدول الأخرى، ويتمتعون بمستويات معيشة عالية في سنواتهم الأخيرة. نتيجة لذلك، يتزايد عدد السكان فوق سن 75 و85 عامًا بشكل غير مسبوق.

هذا الشيخوخة السكانية يعيد بالفعل تشكيل الطلب على العمالة والخدمات، حيث يحتاج كبار السن إلى رعاية وخدمات أكثر من الشباب. كما أن ازدياد ثراء الدول يرفع من توقعات المواطنين بشأن الخدمات الحكومية، مما يزيد من الطلب على العاملين في مجالات الرعاية الصحية، ورعاية المسنين، وذوي الاحتياجات الخاصة.

يعيش كبار السن أيضًا في أسر أصغر (شخص أو شخصان)، مما يعني أن هناك حاجة لبناء المزيد من المنازل لكل فرد من أفراد المجتمع.

بالإضافة إلى ذلك، تمر أستراليا بتحول شامل نحو صافي انبعاثات صفرية من الكربون، مما سيتطلب بنية تحتية أكبر بكثير، وإعادة توجيه رئيسية للعمالة والمهارات. إنه أشبه بـ ثورة صناعية تحت ضغط زمني.

وفي الوقت نفسه، تتقلص نسبة السكان في سن العمل مقارنة بإجمالي السكان. هذا النقص في القوة العاملة سيجعل من الصعب بناء المنازل والبنية التحتية اللازمة وتوفير خدمات الرعاية التي نتوقعها.

هنا يأتي دور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، اللذين قد يجلبان فوائد كبيرة في الإنتاجية ويقللان من الحاجة إلى العمال في بعض المهن. ومع ذلك، تشير الأدلة إلى أن الذكاء الاصطناعي من المرجح أن يعزز من قدرات العمال بدلًا من أن يحل محلهم بشكل كامل، على الأقل في المستقبل القريب.

الاستفادة القصوى من مجموعة مواهبنا

يتمتع سوق العمل الأسترالي بقوة ملحوظة، ومعدلات البطالة منخفضة. لكن أستراليا تستطيع، ويجب عليها، أن ترفع من مستوى مشاركة القوى العاملة لزيادة عدد العمال، وساعات العمل، والاستفادة الكاملة من مهاراتهم وخبراتهم.

تحت السطح، لا تزال هناك مجموعات تواجه عقبات في الحصول على عمل أو ترغب في العمل لساعات أطول، وخاصة النساء.

  • النساء: تُظهر الإحصائيات أن النساء الأستراليات أكثر عرضة للعمل بدوام جزئي مقارنة بنظيراتهن في الدول الأخرى، أو مقارنة بالرجال الأستراليين. وعندما نأخذ في الاعتبار أن النساء الأستراليات من بين الأكثر تعليمًا في العالم، فإن الإمكانات غير المستغلة تصبح هائلة.
  • المهاجرون: الهجرة هي جزء أساسي آخر لتلبية احتياجاتنا المستقبلية من القوة العاملة، وهي تمثل نقطة قوة كبيرة لأستراليا بين الدول المتقدمة. الهجرة لا تزيد من حجم السكان في سن العمل فحسب، بل تبطئ أيضًا من شيخوخة السكان. لكن الفوائد الأكبر تأتي من جذب المهارات والمواهب من جميع أنحاء العالم، وضمان أن يتمكن المهاجرون من استخدام تدريبهم وخبراتهم فعليًا بمجرد وصولهم إلى أستراليا.

أدوات السياسة المتاحة

تمتلك الحكومات العديد من الأدوات السياساتية للمساعدة في تنمية المواهب في أستراليا. تحدد الحكومة الفيدرالية مباشرة حجم الهجرة وتنوع المهارات المطلوبة.

يجب على أستراليا أن تسعى لتكون دولة هجرة نموذجية، بنظام هجرة يكون:

  • مرنًا بدلًا من كونه جامدًا ومقيدًا.
  • يركز على المدى المتوسط (بدلًا من النقص قصير الأجل في المهارات).
  • يقدم مسارًا واضحًا من التأشيرات المؤقتة إلى الإقامة الدائمة.
  • يضمن أن يتمكن المهاجرون من الاستفادة القصوى من مهاراتهم ومؤهلاتهم.

كما يجب على الحكومات تقليل الحواجز التي تعيق العمل، وخاصة بالنسبة للأمهات الشابات. تواجه النساء مع الأطفال الصغار “معدلات ضريبة هامشية فعالة” عالية جدًا، وهي نسبة الدخل الإضافي الذي يتم خسارته بسبب الضرائب، وانخفاض المساعدات الاجتماعية، وتكاليف رعاية الأطفال الإضافية، مما يجعل العمل غير جذاب من الناحية المالية.

أظهرت الدراسات أن الأمهات الشابات أكثر عرضة لزيادة ساعات عملهن المدفوعة الأجر إذا تم تخفيض هذه المعدلات. رغم التقدم الذي تم إحرازه مؤخرًا في زيادة دعم رعاية الأطفال، لا تزال ربع النساء في سن العمل اللاتي يستخدمن هذه الخدمة يواجهن معدلات ضريبية عالية أو عالية جدًا.

ضمان توفر رعاية أطفال عالية الجودة وبأسعار معقولة سيقلل من الحواجز التي تعيق عمل الآباء ومقدمي الرعاية الأكبر سنًا، مما يساعد على تعزيز القوة العاملة لدينا.

مع تقدم سن السكان في أستراليا، ستصبح مشاركة العمال الأكبر سنًا ذات أهمية متزايدة أيضًا. تبدأ مشاركة القوى العاملة في الانخفاض عندما يبلغ الأفراد الخمسينات من العمر، وتنخفض بشكل حاد في الستينات.

إن تبني ممارسات عمل مرنة والاستثمار في شيخوخة أكثر صحة سيمكن المزيد من الناس من العمل لفترة أطول.

إن التحدي الذي تواجهه أستراليا ليس في توفير فرص العمل، بل في كيفية العثور على العمال الذين نحتاجهم. سيتعين على حكوماتنا استخدام كل الأدوات المتاحة لضمان تحقيق ذلك.