أطلقت هيئة السياحة الأسترالية أحدث حملاتها العالمية بعنوان “Come and Say G’day” (تعال وقل “جيداي”)، بتكلفة 130 مليون دولار أسترالي. هذه الحملة هي جزء ثانٍ للإعلان الذي صدر في عام 2022، والذي كان بطله شخصية “روبي” الكنغر. يركز الإعلان على لقطات جوية جذابة وألوان مشبعة ومعالم أيقونية، ويقدم صورة مفعمة بالطاقة الإيجابية من خلال حيوانات أليفة ومناظر طبيعية خلابة ورسالة مألوفة: تعال وقل “جيداي”.

ما يميز الحملة هو أنها تستهدف الأسواق الرئيسية بخمسة إعلانات مصممة خصيصًا لكل سوق، مع الاستعانة بمشاهير مثل روبرت إروين في الولايات المتحدة، ونيجيلا لاوسون في المملكة المتحدة، ونجوم من الصين (يوش يو)، واليابان (أباريرو-كون)، والهند (سارة تيندولكار). هذا النهج الذكي يدرك أن إعلانًا واحدًا لا يمكنه إرضاء جميع الأذواق، وهي حقيقة يعرفها المسوقون السياحيون منذ فترة طويلة.

ولكن، رغم مظهرها الجذاب، تعيد هذه الحملة تدوير صور نمطية قديمة لأستراليا، مثل فكرة “أستراليا الغريبة والمشمسة والمسترخية”، مما يمنحها طابعًا حنينيًا يجعلك تشعر وكأنك في عام 1984، وليس 2025.

تقليد طويل من الصور النمطية

تاريخيًا، اعتمدت الإعلانات السياحية الأسترالية على مجموعة محدودة من الكليشيهات الثقافية. أشهرها على الإطلاق حملة بول هوغان الشهيرة عام 1984، والتي رسخت الصورة النمطية التي نعرفها اليوم عن أستراليا: بلد مسترخٍ، يملؤه المرح، وتشرق عليه الشمس. تعمدت الحملة اللعب على صور جذابة للجمهور الأمريكي، مثل السكان المحليين الودودين، والسحر البسيط، والمناظر الطبيعية البرية لكن الترحيبية.

استمرت الحملات اللاحقة في تبني هذه الصيغة، سواء بشكل ساخر كما في حملة “Dundee” عام 2018، أو بشكل جاد كما في جملة “So where the bloody hell are you?” (فأين بحق الجحيم أنت؟) المثيرة للجدل في عام 2006، والتي تم حظرها في المملكة المتحدة. حتى حملة المخرج باز لورمان عام 2008، والتي كلفت 40 مليون دولار، اعتمدت على نفس الصور النمطية، مع استخدام أسلوب سينمائي جذاب. لكنها لم تحقق نجاحًا كبيرًا، وانتقدها البعض لكونها تبدو كخيال أكثر من كونها دعوة واقعية.

لقد تغيرت أستراليا كثيرًا خلال الأربعين عامًا الماضية، لكن إعلاناتها السياحية لا تزال تعود مرارًا وتكرارًا إلى نفس المواضيع: شواطئ رملية بيضاء، صحاري حمراء، حفلات شواء، وروح الدعابة الذكورية. ورغم أن هذه الصور ساهمت في بناء العلامة التجارية لأستراليا في أواخر القرن العشرين، خاصة في الأسواق الناطقة بالإنجليزية، إلا أن الزمن تغير، والسياح أصبحوا أكثر وعيًا. اليوم، يريدون رؤية الثقافة الحقيقية للمكان.

من يتم استبعاده من هذه الصورة؟

بالنسبة لبلد في القرن الحادي والعشرين يفخر بتنوعه، تبدو حملة 2025 أحادية البعد بشكل غريب. رغم وجود لمحات من التعددية الثقافية من خلال النجوم العالميين، إلا أن الحملة تركز على صور نمطية بيضاء واسعة لمفهوم “الهوية الأسترالية”: الحانة الشعبية التي يديرها نادل مازح، المغامرون الذين يتجولون في الصحراء بسيارات الدفع الرباعي، والغداء الهادئ حيث يناقشون نطق الأطباق المستوردة.

لا يوجد حضور حقيقي وفعال للأصوات أو القصص الأصلية (السكان الأصليين)، باستثناء صدى عابر لآلة “الديدجيريدو” الموسيقية، وصورة خاطفة لجبل أولورو كخلفية، وظهور قصير للممثل والكاتب المسرحي توماس ويذرال. لا يوجد أي ذكر للأحياء متعددة الثقافات في أستراليا، أو لمشاهدها الغذائية المتنوعة، أو لمهرجاناتها. تقدم الحملة أستراليا كملعب للمغامرات، لكنها لا تخبرنا شيئًا عن من يعيش هناك بالفعل.

هذا الأمر مخيب للآمال بشكل خاص، لأن أبحاث هيئة السياحة الأسترالية نفسها تُظهر أن المسافرين يهتمون بشكل متزايد بالتجارب الهادفة والأصيلة. الناس يريدون التواصل مع السكان المحليين، وفهم القصص الثقافية، والسفر بشكل أكثر استدامة.

حان الوقت لإعادة تصور السياحة

تواجه حملات السياحة الوطنية تدقيقًا كبيرًا، وهذا غالبًا ما يؤدي إلى تليين الأفكار الجريئة. يتم التضحية بالإبداع، وتُفقد الفرصة لتقديم قصة أكثر ثراءً وصدقًا عن هويتنا.

لا تحتاج الإعلانات السياحية إلى أن تفقد سحرها. فـ “روبي” الكنغر شخصية محببة وراسخة في الذاكرة. لكن الطريقة التي نروي بها قصصنا عن أستراليا يجب أن تتطور.

على الصعيد الدولي، هناك حملات ناجحة تجاوزت الكليشيهات. حملة نيوزيلندا “100% Pure New Zealand” (نيوزيلندا نقية 100%) تتضمن رسائل بيئية قوية وروايات ثقافية لماوري. وحملة السياحة الكندية للسكان الأصليين تضع أصوات “الأمم الأولى” في المقدمة.

يمكن لأستراليا أن تتعلم من هذه التجارب. ظهور المشاهير جذاب، لكن إذا أردنا أن يرى العالم أستراليا الحقيقية والمتعددة الثقافات، فعلينا أن نسمح لمرشدينا المحليين، ومشغلي المجتمعات، والقائمين على الثقافة بسرد قصصهم.

لمدة 40 عامًا، أطلقنا نسخًا مختلفة من نفس الحملة، معتمدين على كليشيهات مألوفة، بينما تجاهلنا دعوات متكررة لتقديم سرد أعمق وأكثر شمولًا.

إن الحملات السياحية لا تبيع فقط وجهات. إنها تروي قصصًا عن الهوية الوطنية. إنها تشكل كيفية رؤيتنا لأنفسنا، وكيف يرانا العالم. وفي الوقت الحالي، نحن نروي قصة آمنة، سطحية، وعالقة في حقبة الثمانينيات.