تعتبر أستراليا دولة متعددة الثقافات بشكل استثنائي، حيث وُلد ما يقرب من 30% من سكانها في الخارج، ولدى نصفهم تقريبًا والد واحد على الأقل ولد خارج البلاد. هذا التنوع يفوق بكثير دولًا مثل المملكة المتحدة، حيث تبلغ هذه النسبة 16% فقط. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا التنوع الثقافي لا ينعكس في المشهد اللغوي للبلاد.
تراجع تعليم اللغات الأجنبية
بينما يتحدث حوالي 20% من الأستراليين لغة أخرى غير الإنجليزية في المنزل، فإن الأرقام تتراجع بشكل كبير عندما يتعلق الأمر باختيار تعلم لغة ثانية. ففي الستينيات، كان حوالي 40% من الطلاب الأستراليين يتخرجون وهم مؤهلون في لغة ثانية، لكن هذا الرقم انخفض إلى 8.6% فقط بحلول عام 2021.
هذا التراجع لا يتماشى مع الاتجاهات العالمية، خاصة في أوروبا. فوفقًا لبيانات يوروستات لعام 2023، يتخرج 96.8% من طلاب الاتحاد الأوروبي وهم مؤهلون في لغة أجنبية واحدة على الأقل، و 71% في لغتين. هذا الفارق الهائل يسلط الضوء على تخلّف أستراليا في هذا المجال.
لماذا يتجنب الطلاب تعلم اللغات؟
تظهر دراسة أجريت عام 2014 على طلاب المدارس الثانوية أن 75% منهم كانوا مهتمين بتعلم لغة ما، لكن هذا الاهتمام لم يُترجم إلى تسجيل في الفصول الدراسية. يعزو الطلاب ذلك إلى عدة أسباب:
- الصعوبة: يرى 57% من الطلاب أن المواد الأخرى أسهل.
- الأهمية المهنية: يعتقد 80% أن المواد الأخرى أكثر فائدة لمساراتهم المهنية.
- فرص القبول الجامعي: يرى 66% أن المواد الأخرى تعزز فرصهم في القبول بالجامعة.
هذه العوامل تجعل دراسة اللغات تبدو صعبة، غير ذات صلة، أو محفوفة بالمخاطر الأكاديمية.
الحل يكمن في المحيط الهادئ
على الرغم من أن أستراليا ليست جزءًا من أوروبا أو آسيا، إلا أنها جزء من منطقة أوقيانوسيا ولها جيران مباشرون في المحيط الهادئ. وعلى الرغم من العلاقات الدبلوماسية رفيعة المستوى التي توليها الحكومة الأسترالية لجيرانها، إلا أن هذه العلاقات لا تنعكس على مستوى الأفراد.
فغالبية الأستراليين لا يعرفون الكثير عن دول المحيط الهادئ، ولا يتم تدريس أي من لغاتها في المدارس الأسترالية على مستوى السنة 11 و 12.
هنا يكمن الحل المبتكر: تقديم لغة من لغات المحيط الهادئ، مثل لغة توك بيسين (Tok Pisin)، في المناهج الدراسية. تُستخدم هذه اللغة في بابوا غينيا الجديدة، وهي إحدى اللغات الكريولية القائمة على الإنجليزية، ما يجعلها سهلة التعلم بشكل استثنائي.
فوائد تدريس لغة توك بيسين
- سهولة التعلم: لغة توك بيسين أبسط من اللغات الأوروبية أو الآسيوية التقليدية، مما يجعلها خيارًا جذابًا للطلاب الذين يخشون من صعوبة اللغات الأجنبية.
- الأهمية الثقافية والجغرافية: تعزز دراسة هذه اللغة الوعي الثقافي بجيران أستراليا في المحيط الهادئ وتشجع على السفر الإقليمي والفرص المهنية في المنطقة.
- تقوية العلاقات الإقليمية: تساهم في بناء علاقات أقوى بين الأفراد، وهو ما تدعو إليه الحكومة الأسترالية. يمكن أن يؤدي ذلك إلى شراكات مدرسية، وبرامج تبادل طلابي، وتدريب للمعلمين.
إن رغبة أستراليا في الانضمام إلى “عائلة المحيط الهادئ” يجب أن تبدأ بالشباب والتعليم. فإذا كانت أستراليا تريد حقًا تعزيز علاقاتها مع جيرانها، فلا بد أن تبدأ بتعليم جيل جديد يفهم المنطقة ولغاتها.

