تحولت مشكلة التبغ غير الشرعي في أستراليا من مأساة إلى مهزلة حقيقية. ففي دراسة نُشرت في عام 2024، وُجد أن السجائر غير القانونية، التي تتهرب من الضرائب، تشكل حوالي 39.4% من منتجات التدخين التي تُباع لـ 2.7 مليون مدخن في أستراليا، وقد ارتفعت هذه النسبة بشكل كبير من 14% قبل ست سنوات. وتشير التحديثات الأخيرة لشهر يونيو إلى أن الرقم قد وصل إلى 50%.

تُظهر دراسات مياه الصرف الصحي أن استهلاك النيكوتين في أستراليا، بما في ذلك السجائر الإلكترونية، وصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق. وهذا يقودنا إلى استنتاج واحد واضح: إن استراتيجية محاولة القضاء على إدمان النيكوتين من خلال الضرائب والحظر قد فشلت فشلاً ذريعاً.

عائدات للجريمة المنظمة وعنف متصاعد

نتيجة لهذا الفشل، تجني الجريمة المنظمة حوالي 10 مليارات دولار سنوياً من هذه التجارة. بالنسبة للمجرمين، أصبحت تجارة التبغ والسجائر الإلكترونية أكثر جاذبية من المخدرات، حيث أن العقوبات المترتبة عليها أقل بكثير.

هذا الوضع أدى إلى ازدهار الجريمة في أستراليا، حيث أصبح المجرمون أكثر ثراءً من أي وقت مضى. وأدى التنافس في هذه “الصناعة” إلى أعمال عنف صادمة، تتجاوز حرب الأسعار لتصل إلى حرق متاجر المنافسين، وحتى قتلهم، كما حدث الأسبوع الماضي عندما قُتل أثان بورسينوس، وهو موظف يبلغ من العمر 21 عاماً، بالرصاص في وضح النهار.

شهدت فيكتوريا وحدها 125 حادثة إحراق متعمد لمتاجر التبغ في العامين الماضيين، بالإضافة إلى حوالي 50 حادثة أخرى في ولايات مختلفة. هذا العنف أدى إلى زيادة في عمليات السطو المسلح بأكثر من 150% في فيكتوريا منذ فبراير 2024.

تأثيرات اقتصادية سلبية

شهدت شركة “فيفا إنرجي”، التي تدير أكبر شبكة لمحطات الوقود في أستراليا، انخفاضاً حاداً في مبيعات التبغ بنسبة 27% خلال عام واحد بسبب نمو التجارة غير الشرعية. الأسوأ من ذلك هو أن محطاتها أصبحت هدفاً لعمليات السطو المسلح التي يشنها مراهقون ملثمون. تستهدف هذه العصابات مخزون السجائر بالكامل، حيث يمكن أن تصل قيمة المخزون في محطة واحدة إلى 100 ألف دولار.

تواجه الحكومة الأسترالية مشكلة مالية مماثلة. حيث انخفضت عائدات ضريبة التبغ المتوقعة لهذا العام من 8.75 مليار دولار إلى 7.4 مليار دولار. ويقول ثيو فوكاريس، الرئيس التنفيذي للجمعية الأسترالية للمتاجر الصغيرة، إن نقطة التحول كانت في عام 2019، عندما ارتفعت ضريبة التبغ بنسبة 55%، مما أدى إلى انهيار عائدات الحكومة من الذروة التي وصلت إليها في عام 2019 (16 مليار دولار) إلى 7.4 مليار دولار هذا العام.

إحباط الجهود الحكومية

السبب في اللجوء إلى التبغ غير الشرعي ليس فقط السعر المنخفض، بل أيضاً جاذبية المنتجات غير القانونية، مثل علب السجائر التي لا تحتوي على صور بشعة، وتوفر نكهات محظورة مثل النعناع والتوت، والتي تستهدف شريحة الشباب. كما أن نظام وصفات السجائر الإلكترونية لم ينجح، حيث تتوفر المنتجات غير المشروعة بسهولة في المتاجر التي تبيع التبغ غير الشرعي.

يكمن الخطر الأكبر الآن في أن المتاجر المشروعة قد تتخلى عن بيع التبغ، مما سيترك السوق بالكامل للمجرمين. وقد بدأت بالفعل بعض المتاجر الكبرى في اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه. إذا حدث ذلك، فسوف تكون أستراليا قد سلّمت قطاعاً كاملاً من الصناعة إلى العصابات.

جهود غير كافية لمواجهة المشكلة

المشكلة الأساسية هي أن الحكومة الفيدرالية تجمع الضرائب، بينما تتولى الشرطة في الولايات، التي تعاني من نقص التمويل، مسؤولية تطبيق القانون. على الرغم من أن المنتجات غير الشرعية تصل عبر الموانئ، إلا أن قوات الحدود لا تفتش سوى حوالي 1% من الحاويات القادمة. وتفتقر وكالة الضرائب إلى الموارد الكافية لملاحقة عصابات الجريمة المنظمة.

استثمرت الحكومة الفيدرالية 156.7 مليون دولار إضافية في حزمة مكافحة التبغ غير الشرعي، ليصل الإجمالي إلى 86.3 مليون دولار سنوياً. لكن هذا المبلغ يُعتبر قليلاً جداً مقارنةً بمليارات الدولارات التي تجنيها العصابات. يبدو أن المجرمين أصبحوا أغنياء ومنظمين وعنيفين لدرجة يصعب معها إيقافهم، لكن الحكومة الأسترالية لا تستطيع الاستسلام، فمواجهة الجريمة والتهرب الضريبي على نطاق واسع ليست خياراً، بل واجباً.