يتسارع التقارب الاستراتيجي بين كوريا الجنوبية وأستراليا، لكن التعاون الصناعي في المجال الدفاعي لا يزال دون المستوى المطلوب. في عصر تتزايد فيه التحديات الجيواقتصادية، وضعف سلاسل الإمداد، وتنامي حالة عدم اليقين الاستراتيجي، تمتلك سول وكانبرا القدرة والدافع لبناء شراكة صناعية دفاعية مرنة ومتكاملة.

لقد تطورت كوريا الجنوبية سريعًا لتصبح واحدة من أبرز الدول المصدرة للأسلحة في العالم، بفضل قاعدة صناعية عالية الكفاءة، ومنصات أسلحة مجربة، وسجل حافل في تسليم المعدات في المواعيد المحددة وعلى نطاق واسع. في المقابل، تسعى أستراليا إلى إحداث تحول دفاعي جذري. وقد شدد الاستعراض الاستراتيجي الدفاعي لعام 2023 على ضرورة تعزيز الاعتماد على الذات، وتطوير قدرات متقدمة، وتحقيق الردع الإقليمي، وهي أهداف لا يمكن تحقيقها دون شراكات صناعية قوية.

وهنا تبرز أهمية كوريا الجنوبية. فمعداتها الدفاعية، مثل مدافع الهاوتزر ذاتية الحركة K9 التي يتم تجميعها بالفعل في مدينة جيلونج الأسترالية، تقدم أداءً مثبتًا، وقابلية للتشغيل البيني مع الأنظمة الغربية، وفعالية من حيث التكلفة. والأهم من ذلك، أن سول أظهرت استعدادها لتوطين الإنتاج، ونقل التكنولوجيا، ودعم تطوير القدرات المحلية لدى عملائها. تتماشى هذه المبادئ تمامًا مع طموحات أستراليا الصناعية في المجال الدفاعي.

لكن التعاون لا ينبغي أن يقتصر على صفقات الشراء. بل يجب أن تنتقل أستراليا وكوريا الجنوبية إلى البحث والتطوير المشترك، والإنتاج المشترك للمكونات الحيوية (خاصة في الأسلحة الموجهة والذخائر المتفجرة)، والابتكار التعاوني في التقنيات الناشئة مثل الأنظمة الذاتية، والدفاع السيبراني، والقدرات الفضائية.

كما أن التعاون الوثيق سيخدم أهدافًا استراتيجية أوسع. فكلا البلدين قوتان متوسطتان ملتزمتان بالنظام الإقليمي القائم على القواعد، وتتعرضان بشكل متزايد لضغوط المنافسة بين القوى العظمى. من خلال تعزيز العلاقات الصناعية الدفاعية الثنائية، يمكنهما تقليل الاعتماد على مورد واحد، وتعزيز مرونة سلاسل الإمداد، وزيادة الاستقلالية الاستراتيجية دون تقويض الشراكات القائمة مثل تحالف أوكوس أو نظام التحالف الأمريكي.

هذا الأمر لا يقتصر على القدرات العسكرية فحسب، بل يشمل الردع أيضًا. فالشراكة الدفاعية القائمة على التعاون الصناعي لا تعزز الجاهزية العسكرية فحسب، بل تبعث أيضًا برسائل سياسية واضحة. إنها تُظهر أن كوريا الجنوبية وأستراليا مستعدتان للاستثمار في الأمن الإقليمي من خلال التزامات ملموسة وطويلة الأجل، وليس مجرد بيانات مشتركة أو مناورات متقطعة. كما أنها توفر أساسًا لتعاون عملياتي أعمق في المجال البحري، مثل الدوريات المشتركة أو الدعم اللوجستي وصيانة السفن البحرية.

بالطبع، هناك عقبات. يجب معالجة الحواجز التنظيمية، وحساسيات الملكية الفكرية، واختلاف أنظمة التحكم في التصدير. كما أن التنسيق مع الأطراف الثالثة، وخاصة الولايات المتحدة، بشأن نقل التكنولوجيا والتكامل سيتطلب دبلوماسية دقيقة. لكن هذه التحديات يمكن إدارتها إذا توفرت الإرادة السياسية.

من المشجع أن المؤشرات إيجابية. فقد أظهر برنامج K9 الذي تقوده شركة “هانوا” في أستراليا أن الشركات الكورية الجنوبية على استعداد للاستثمار محليًا، وأن كانبرا منفتحة على التكامل الصناعي العميق مع شركاء يتجاوزون حلفاءها التقليديين. وبينما تدرس أستراليا خيارات توسيع إنتاجها من الصواريخ والذخائر في إطار “مشروع الأسلحة الموجهة والذخائر المتفجرة”، يمكن أن تصبح شركات كورية جنوبية مثل “LIG Nex1″ و”هانوا” شركاء رئيسيين، ليس فقط كموردين، بل كمشاركين في التطوير أيضًا.

هناك أيضًا مجال لتوسيع التعاون في مجال السفن الحربية. يمكن أن تدعم قدرات كوريا الجنوبية في بناء السفن، بما في ذلك مدمرات إيجيس والفرقاطات من الجيل التالي، جهود أستراليا في بناء أسطولها البحري، خاصة مع مواجهة البرامج المحلية لضغوط تتعلق بالتكلفة والجداول الزمنية. وعلى أقل تقدير، يمكن أن تعمل كوريا الجنوبية كمركز إقليمي للصيانة والإصلاح والتجديد للأساطيل المتحالفة العاملة في شمال شرق وجنوب شرق آسيا.

بينما يسعى كلا البلدين إلى صياغة النظام الإقليمي، يمكن أن يكون التعاون الصناعي الدفاعي أساسًا للتنسيق الاستراتيجي طويل الأجل. من شأنه أن يساهم في تفعيل الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تم التوقيع عليها عام 2021، ويضيف عمقًا اقتصاديًا للعلاقة الأمنية، ويعزز نهجًا شبكيًا لأمن منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

قد لا تشترك كوريا الجنوبية وأستراليا في الحدود الجغرافية، لكنهما تشتركان في أفق استراتيجي واحد. بصفتهما ديمقراطيتين موثوقتين، وقادرتين، وتتطلعان للمستقبل، ستكون قدرتهما على إنشاء قدرات دفاعية مشتركة مقياسًا حاسمًا لأهميتهما الإقليمية. لقد حان الوقت للانتقال من مجرد صفقات الشراء إلى الشراكة، ومن المصالح المتوافقة إلى القدرات المشتركة.