قد تبدو الإجراءات البيروقراطية مجرد تفاصيل إدارية، لكنها قد تخفي وراءها توترات أعمق تتعلق بالمعاملة بالمثل، وتوازن العلاقات، والديناميكيات المتغيرة للقوى العالمية.
احتفلت البرازيل وأستراليا هذا العام بهدوء بمرور 80 عامًا على علاقاتهما الدبلوماسية. لم تُقم احتفالات كبيرة، لكن هذا الإنجاز كان تذكيرًا بعلاقة طويلة الأمد مبنية على البُعد الجغرافي، والفضول المتبادل، والقيم الديمقراطية المشتركة. وكانت البرازيل أيضًا موقعًا لأول بعثة دبلوماسية أسترالية في أمريكا اللاتينية، والتي تأسست عام 1945، ما يعكس اعتراف أستراليا المبكر بالبرازيل كشريك رئيسي في المنطقة.
قرار مفاجئ يعيد تطبيق التأشيرة
بعد أشهر قليلة من هذه الذكرى الرمزية، اتخذت البرازيل خطوة فاجأت الكثيرين: أعادت فرض شرط الحصول على التأشيرة على السياح الأستراليين. فاعتبارًا من أبريل 2025، سيتعين على الأستراليين التقديم على تأشيرة إلكترونية بتكلفة حوالي 80 دولارًا أمريكيًا.
قد يتساءل البعض، لماذا يتم تشديد قواعد السفر في نفس العام الذي تحتفل فيه البلدان بثمانية عقود من الصداقة؟
إلغاء التأشيرة للأستراليين (بالإضافة إلى الكنديين والأمريكيين واليابانيين) تم بشكل أحادي في عام 2019 من قبل الرئيس جايير بولسونارو. كان هذا القرار خرقًا لمبدأ دبلوماسي برازيلي طويل الأمد وهو المعاملة بالمثل، والذي ينص على أنه إذا كان البرازيليون يحتاجون إلى تأشيرة لزيارة بلدك، فإن مواطنيك يحتاجون إلى تأشيرة لدخول البرازيل. وقد تعرض قرار بولسونارو، الذي لم يحصل على امتياز مماثل للبرازيليين لدخول أستراليا، لانتقادات واسعة داخل وزارة الخارجية البرازيلية ووُصف بأنه غير متوازن دبلوماسيًا.
في البداية، أبقى الرئيس لولا دا سيلفا على الإعفاء و جدده مرتين. لكن في عام 2024، أشارت إدارته إلى العودة إلى التقليد. لم يعد هناك أي تنازلات أحادية. فالدول التي تقدم معاملة بالمثل فقط هي التي ستتمتع بإمكانية الدخول بدون تأشيرة، ولهذا السبب سيُطلب من الأستراليين دفع الرسوم.
التأشيرات ليست مجرد أداة بيروقراطية
أنظمة التأشيرات ليست مجرد أدوات إدارية محايدة، بل إنها تشكل وتيرة واتجاه العلاقات الدولية، خاصة من خلال التنقل والتبادل الثقافي. عندما ألغت البرازيل متطلبات التأشيرة من جانب واحد في عام 2019، كان الأثر فوريًا. ذكرت وكالة ترويج السياحة البرازيلية ارتفاعًا بنسبة 25% في عدد السياح الأجانب في أكتوبر من ذلك العام مقارنةً بالشهر نفسه من عام 2018، وكان الأستراليون من بين المستفيدين. هذا الارتفاع يذكرنا بأن حتى التغييرات البسيطة في السياسة يمكن أن تؤثر ليس فقط على أعداد الزوار، بل على تصورات الانفتاح والنوايا.
تستضيف أستراليا أيضًا جالية برازيلية كبيرة، حيث يوجد بها حوالي 46,720 مقيمًا من مواليد البرازيل و 19,688 طالبًا برازيليًا في عام 2024. وفي المقابل، زار 52,888 أستراليًا البرازيل في عام 2024، أي أكثر من ضعف الأرقام التي كانت قبل الإعفاء. تعكس هذه الاتجاهات تزايد المشاركة الثنائية، رغم أن التنقل الأكاديمي من أستراليا إلى البرازيل لا يزال متواضعًا.
رسالة عن الكرامة والتوازن
تتبع أستراليا نهجًا حذرًا في الإعفاء من التأشيرات، يعتمد بشكل عام على تقييمات المخاطر ومعايير التنفيذ. وقد لا تستوفي البرازيل المعايير الفنية أو السياسية التي تطبقها أستراليا، رغم عدم وجود تفسير رسمي لذلك.
ومع ذلك، فإن غياب أي تحرك من جانب أستراليا بشأن قضية التأشيرة قد عزز الشعور بعدم التوازن في العلاقة، وإعادة فرض التأشيرة يرسل إشارة واضحة. وكما قال دبلوماسي برازيلي: “الأمر لا يتعلق بالعقوبة، بل يتعلق بالكرامة”.
يعكس هذا القرار أيضًا تحولًا أوسع، حيث تسعى القوى الصاعدة إلى شروط أكثر توازنًا في العلاقات الثنائية. نظام التأشيرات الأسترالي يتشكل من خلال اعتبارات استراتيجية ولكنه يظل أكثر سهولة للبلدان في الشمال العالمي. وبهذه الطريقة، فإن إعادة فرض البرازيل لشرط التأشيرة يعمل كتصحيح رمزي. إنه يعكس رغبة البرازيل في أن تُعامل على قدم المساواة ويوفر وسيلة منخفضة التكلفة لتأكيد قوتها في نظام غالبًا ما يعكس فيه التنقل التسلسلات الهرمية الجيوسياسية.
دعوة مشروطة لتعزيز العلاقات
القرار ليس بالضرورة إغلاقًا للأبواب. فقد أشارت وزارة الخارجية البرازيلية صراحةً إلى أن شرط التأشيرة يمكن إلغاؤه مرة أخرى إذا تم تقديم المعاملة بالمثل. بعبارة أخرى، الرسالة مشروطة وليست نهائية.
يأتي هذا كله في وقت يمتلك فيه البلدان حوافز واضحة لتعميق العلاقات. هناك أكثر من 150 شركة أسترالية تعمل في البرازيل، منها 81 في قطاع التعدين. البلدان عضوان في مجموعة العشرين (G20) ويتشاركان اهتمامًا بحوكمة المحيطات وتحولات الطاقة النظيفة. كما وقّعا على اتفاقيات في مجال العلوم والتكنولوجيا لتسهيل التبادل الأكاديمي. كلاهما ديمقراطيتان كبيرتان في نصف الكرة الجنوبي، ولهما مجتمعات متعددة الثقافات وجهود متوازية لمعالجة قضايا إدماج السكان الأصليين.
هذه الخصائص المشتركة توفر أساسًا لعلاقات أقوى، لكن المحاذاة الرمزية وحدها لا تكفي. فلكي يحدث ذلك، يجب أن تتبع السياسة المبادئ. إذا كانت أستراليا تريد تعزيز الثقة وبناء علاقات طويلة الأمد مع قوى متوسطة صاعدة مثل البرازيل، فيجب أن يعكس إطار عمل التأشيرة الخاص بها هذه النية.
قد يكون من السهل اعتبار خطوة البرازيل مجرد إجراء روتيني أو رمزي. لكن الرموز مهمة. فمطالبة الأستراليين بتقديم طلب للحصول على تأشيرة إلكترونية قد يقلل قليلًا من عفوية السفر. والأهم من ذلك، أنه يمثل تحولًا في النبرة، من الانفتاح السلبي إلى المعاملة بالمثل المشروطة.

