ي سابقة قانونية عالمية، أصدرت محكمة العدل الدولية حكمًا تاريخيًا بالإجماع يؤكد على الالتزامات القانونية الصارمة المفروضة على الدول بموجب القانون الدولي للحد من التلوث المناخي، كما أوضح الحكم العواقب القانونية المترتبة على الإخلال بهذه الالتزامات.
وصفت المحكمة أزمة المناخ بأنها “مشكلة وجودية تهدد أشكال الحياة كافة وصحة كوكب الأرض”، وهو ما يعكس أهمية هذه القضية على المستوى الكوكبي.
وفقًا لتحليل أولي صادر عن مجلس المناخ الأسترالي، فإن لهذا الحكم انعكاسات قانونية مهمة على أستراليا. وعلّقت المديرة التنفيذية للمجلس، أماندا ماكنزي، قائلة:
“هذا القرار سيُحدث صدى عالميًا، وسيؤثر في المحاكم ومجالس الإدارة والبرلمانات والمفاوضات الدولية. المحكمة أوضحت بشكل لا لبس فيه أن على جميع الدول مسؤوليات قانونية كبيرة لمنع المزيد من الأضرار المناخية من خلال تقليص التلوث بسرعة وفعالية”.
وأكدت ماكنزي أن القرار يُحمل أستراليا مسؤولية دولية عن إنتاجها من الوقود الأحفوري، سواء استُخدم محليًا أو تم تصديره، نظرًا لما يسببه من ضرر بيئي كبير، بغض النظر عن مكان احتراق الفحم أو النفط أو الغاز.
انتقادات للموقف الأسترالي
أشار الحكم إلى أن تقاعس الدول عن خفض انبعاثاتها يُعد “عملًا غير مشروع” في نظر القانون الدولي، مما قد يُلزمها بدفع تعويضات للدول المتضررة من الكوارث المناخية. وهذا يشكل ضربة مباشرة لحجة الحكومة الأسترالية التي تدعي أنها غير مسؤولة عن الانبعاثات الناتجة عن صادراتها الواسعة من الوقود الأحفوري.
الكوارث المناخية في أستراليا تتزايد
ذكّرت ماكنزي بأن الكوارث المناخية لم تعد أمرًا نظريًا، مشيرة إلى الفيضانات المدمرة في نيو ساوث ويلز وكوينزلاند، والجفاف في جنوب أستراليا وفيكتوريا، وموجات الحرارة البحرية في ثلاث ولايات خلال العام الجاري فقط.
وشددت على أن وضع هدف طموح لخفض الانبعاثات بحلول عام 2035، مع خطة واضحة للتنفيذ، أمر ضروري لحماية المجتمعات الهشة.
تقرير المجلس: “هدف أقوى، مستقبل أكثر أمانًا”
أصدر مجلس المناخ تقريرًا بعنوان “هدف أقوى، مستقبل أكثر أمانًا”، يوضح فيه كيف يمكن لهدف وطني قوي أن يحمي الأستراليين من أضرار المناخ، ويفتح آفاقًا اقتصادية في مجالات مثل الطاقة المتجددة والمعادن الخضراء، ويعزز أمن المنطقة.
التزامات أستراليا القانونية حسب الحكم
-
الالتزامات القانونية لخفض التلوث المناخي:
المحكمة أكدت أن الدول مُلزمة قانونيًا بتقليل التلوث الذي يُلحق ضررًا بالنظام المناخي العالمي، استنادًا إلى اتفاقيات المناخ وغيرها من مصادر القانون الدولي. -
تحديد أهداف مناخية طموحة تتماشى مع العلم:
أوضحت المحكمة أن سقف الاحترار العالمي البالغ 1.5 درجة مئوية هو الهدف المتفق عليه ضمن اتفاق باريس. ويجب أن تعكس المساهمات الوطنية المحددة للدول، ومنها هدف عام 2035، أقصى طموح ممكن لتحقيق هذا الهدف. -
مسؤولية الانبعاثات المُصدَّرة:
ترى المحكمة أن إنتاج الوقود الأحفوري، استهلاكه، أو تقديم الدعم له عبر تراخيص أو إعانات، يمكن أن يُعتبر “عملًا غير مشروع” يترتب عليه دفع تعويضات. وأكدت أن الدول مسؤولة عن مجمل مساهماتها في الانبعاثات، حتى تلك التي لا تُطلق داخل حدودها الجغرافية.
ضرورة إصلاح القوانين البيئية في أستراليا
لفت الحكم إلى أن على الدول أيضًا مراقبة انبعاثات الجهات الفاعلة داخل حدودها، سواء كانت للداخل أو للتصدير. وهذا يسلط الضوء على الحاجة إلى تعديل القوانين البيئية الفيدرالية الأسترالية، حيث لا تتضمن حاليًا أي شرط يلزم وزير البيئة بمراعاة الانبعاثات الناتجة عن المشاريع الجديدة للوقود الأحفوري.
وأكد المجلس أن الحكومة الأسترالية لن تستطيع الادعاء بأنها تبذل “أقصى طموح ممكن” كما يتطلب اتفاق باريس، إذا لم تبادر إلى تعديل هذه القوانين أو اتخاذ إجراءات جادة لوقف التوسع في مشاريع الوقود الأحفوري.
ختام
يضع هذا الحكم أستراليا أمام اختبار حقيقي بشأن التزامها بالمناخ. ومع اقتراب الحكومة من تحديد هدفها لعام 2035، أصبح من الضروري أن يكون الهدف طموحًا ومدعومًا بسياسات واضحة، وإلا فإن أستراليا قد تواجه عواقب قانونية دولية جسيمة.

